أمي … بقلم: نهى ابراهيم
أمي
قصة قصيرة
بقلم: نهى ابراهيم
تنبهت الأم الخمسينية من رقدتها بوجه شاحب مكتظ بالعرق، أزاحت تلك القطرات من وجهها ثم دارت عيونها بالغرفة،
غرفة متوسطة المساحة، ذات ستائر رمادية اللون تتهادى ببطء، ثوان من التعمق بنظرتها نحو كل غرض بالحجرة كأنها تتعرف عليه لأول مرة حتى تأوهت : ياالهي ان قلبي يزعجني كثيرا…
ثوان من التألم ثم اذا بها تصيح وعيونها تبرز للخارج: أين ابني…. أجل …. ابني…. كريييييم.
أزالت الغطاء بقوة ثم حاولت النهوض سريعاً لكن قواها أجبرتها على التوجع مجدداً: ماذا حدث لي، أين ابني؟
قامت السيدة بخطوات مرتعشة تكاد تسقط منها على الأرض لولا أنها تذكرت قسمات ابنها قارتكزت على الحائط وفتحت الباب ببطء..
خلال تلك الأثناء دار حوار بصالة البيت بين
شابين صغيرين فى بداية الثلاثينات من عمرهما،
أحدهما طويل الهيئة والآخر متوسط الحجم مقتضب الهيئة
:لست بقادر على فعل ذلك… وليد!
وليد بغضب يظهر على وجهه: ها أنت تتراجع من جديد، بكل مرة أدعك تذهب وقت حاجتى الملحة اليك لكن اليوم لن يحدث كالمعتاد!
حسام :ألا تشعر بالندم وليد بكل مرة نقوم بالسطو علىىالبيوت لكن هؤلاء جيراننا هذه المرة، كما أننا بشهر الصيام…. شهر رمضان المبارك!
تيبست قدمى السيدة خلفهما وهى تتابع كلماتهما الخافتة،
حسام بقشعريرة :لماذا قادنا تفكيرنا الى ذلك الحل البغيض فتلك السيدة كما يعلم الكل مريضة وتحارب غيبوبتها لأكثر من شهر، ما الذى سنجنيه من خلفها؟
وليد :فلتكف عن هذا الهراء، فتلك العملية يتوحب علينا الانتهاء منها قبيل الفجر، الكل يقوم بالتسحر بتلك اللحظات وكل ما يجب علينا فعله هو اختطاف الصبي وتقديمه للجماعة هناك.
شهقت السيدة لكنها أمسكت فمها كى لا يسمعها أحدهما واستكملت الحوار،
حسام :لن أقدر على المواجهة فتلك المرة هى شديدة الصعوبة، ذلك الصبي ما ذنبه لنضعه بذلك الاختبار الصعب.
هم حسام بالانصراف لكن وليد أخرج سكينته من جيبه موجها اياها نحو وجهه :
ان لم تساعدنى بتقديم الصبي كما اتفقنا سوف تكون أنت الضحية عوضا عنه وستباع أعضائك محله.
حاول وليد تهدئة حاله ثم قال :انصت لى جيدا أيها الأحمق فتلك العملية ستجنى لنا الوفير من المال الذى سيكون كافيا من أجل علاج والدتك العليلة التى تشقى باليوم ألف مرة برؤيتها وهى حبيسة الفراش كما أنك سوف يستنى لك الاهتمام بأختك واخراجها من بوتقة العنوسة فلتكفيها عن الفقر الذى سوف يجعلها نسخة طرق الأصل منك أنت!
صمت حسام لدقائق حتى استكمل وليد من جديد :
وكذا الحال بالنسبة اليك فذلك المال سوف يجعل تطمئن على حالك وتتزوج انت أيضا!
حسام والدمع يملأ عيونه :لكن ما ذنب الست راضية بذلك الحال المتهالك؟
وليد وقد بدا عليه التأثر :بالتأكيد ليس لها من ذنب لكن كنا تدرى فهى طريحة الفراش منذ كثير بغيبوبتها، لن تعد للحياة من جديد كما تعرف ويعرف الجميع هنا، لذا لا داع بأن تشعر بالذنب حيالها.
ثم استكمل غاضبا :فلتصمت انك تثرثر كثيرا …. لن أسمح بكلمة منك من جديد ، سوف نقوم باختطافه وستتم العملية ونحصل على المال بالأخير ،لا تحدثني عن العواطف فأنا لم يتبق بجسدى كله سوى القهر، لم أجن بحياتى سوى الفقر الذى استطالت أذرعه حتى كادت أن تخنقنى لذا فتلك هى الوسيلة الوحيدة للفرار من ذلك الشبح الذى يطاردني بضراوة.
جذبه وليد بقوة متجها نحو غرفة الصبى وسط حالة من السكون معأصوات تواشيح الفجر :لقد ذهبت خالته بعيدا اثر ذلك المخدر الذى وضعته لها، ووالده ببيته الثانى كما تدري فلم يعد هنا سوانا فلننجز .
أمسكت راضية فمها بيدها المرتعشة وهى تبكى هذه المرة بقوة لما سمعت عن زوجها ثم تقدمت لخطوات خلفهما،
وليد :جدته هى الأخرى بالمشفى لذا فكل الظروف مواتية لما سنقوم به، هيا بنا..
جذبه وليد بقوة و سارا بخطوات متأنية..
دلفا الغرفة فسارت راضية خلفهما ببطء حتى كانت قبضتهما على الولد بفراشه، تيبست قدمى راضية عند الباب وهى تنابعهما وهما ينقضان على ابنها الصغير،
برزت عيونها وهى تحاول استجماع قوتها وصارت تعدو بالشقة حتى دخلت المطبخ، أحضرت عصا المكنسة ثم التقطت السكين بخفة، شعرت بقليل من الألم وكادت أن تسقط لكن التواشيح صارت تتوالى على مسمعها كأنها تقوم بافاقتها من أجل ابنها،
التقطت أنفاسها بقوة وهى تزأر كالأسد متقدمة نحو غرفة ابنها، واذا بها تصرخ :فلتبتعدوا عن ابني .
الولد الصغير :أمي… أمى
انتبه حسام ووليد الذى بادرته بضربة قوية برأسة لكنه قام بتفاديها فسقطت العصا من يدها ليتحول وليد لشيطان كبير يتحاشى بسمعه ذلك الآذان الذى صار يردد “الله أكبر.. الله أكبر” محاولا خنق السيدة بكل ما أوتى من قوة لكن حسام قام بصفعه بصورة مفاجئة حتى أزال يده عن السيدة ثم التقى بحسام الذى بادله الضربات، أشار حسام لراضية بالذهاب فانصرفت ب ابنها ببطء فى حين توالت الضربات بين الثنائي الذى سرعان ما انتبه لهما الجميع، استفاقت أختها سريعا محاولة ادراك شيئا مما حدث : راضية…. أحمد لله انك بخير .. الحمد لله..
نظرت راضية نحوها بحب محنضنة ابنها بقوو :أمي….. كنت أتضور شوقا اليك لكن كل ذلك كان دون جدوى.
بكت راضية كثيراً ثم بادرتهما بالسؤال :
منذ متى….. منذ متى وأنا بحالتى المتردية.
كريم غير مصدقا حاله :منذ كثير حتى ان أبي …
راضية :تزوج .. أليس كذلك … وتركك وحيداً ؟
كريم :جدتى هنا دائما كما الحال لخالتي لم تتركنى ولو لبرهة لكني كنت بحاجة ماسة إليك أمي ….
راضية باكية :لا أدرى كم استغرقت بنومتى أوما الذى حدث حولى لكن الغريب…
كريم بتساؤل :ما .. الغريب؟
راضية ببكاء مستمر : الغريب أنى استفقت فقط من أجلك… كنت ستذهب بعيدا لولا تلك العناية الالهية التى أعادتني مرة أخرى للحياة.
كريم غير مدركا لما حوله : لقد فرا المجرمان من هنا.
ابتسمت راضية :دعهم يذهبوا … انهم فحسب حمقى… يكفى ما يحمل كل منهما داخله!
راضية : لم يعد داخلى سوى اليقين فذلك الرب جعلنى أنتبه فقط كى أحمى ابنى، استفقت فقط من أجلك صغيرى.. هكذا هو قلب الأم الذى يشعر دون تفسير يتحرك بدون مبرر يسامح دون تفكير، يقبل دون شرط ويحارب حتى النهاية ان أشار أحدهم لولده بسوء.