أنا الأم التي أحبت أبناءها الحب المشروط!
كنت أشاهد محتوي للتوعية على شكل مشهد درامي، حوار بين ام وأبنتها الصغيرة عن” الحب المشروط”!
الام تقول:
أنا الأم التي أحبت أبناءها الحب المشروط!
الأبنة..ماذا تعني يا أمي؟!
الأم.. أعني إنتي أمنحك حب اكثر عندما أشعر إنك تطيعين اوامري، تسمعين لي أكثر، تفعلين ما اطلب دون مناقشة، ترتبين غرفتك، تحصلي علي أعلي الدرجات وتجعلينني ازهو بكٍ أمام الجميع، وعندما آريد منك شيئًا؛ أمنع عنكِ حبي لحين تنفيذ اوامري، وأتهمك طوال الوقت بالتقصير!
الأبنة..وكيف تؤثر معاملتك تلك علي؟
الأم..معاملتي تلك سوف تترك عندك إحساس دائم بالقلق، والكثير من الشعور بالذنب، مما يجعلك تبذلين جهد دائم ومنواصل لإرضائي، جعلت حبي من الصعب الحصول عليه وشاقة جدا مسامحتي، سوف تشعرين بالشك تجاه نفسك، واجعلك في حيرة من امرك؛ تتسائلين بداخلك هل انا أبنة صالحة، هل يرضي عني ربي وهل استحق الحب؟
الأبنة.. ولماذا تفعلين بي ذلك يا أمي؟
الأم.. احياناً افعل ذلك دون أن أعي إنتي افعل، واحياناً اشعر بداخلي إنني غير متقبلة لكِ بعض الشئ، دون أن افصح عن شعوري هذا، وأحياناً آخري أشعر بشئ من الغيرة من نجاحك او جمالك او من قدرتك علي انجاز ما لم استطع انا تحقيقة او من نظرة الآخرين إليكِ ومحبتهم لكِ، ثقتك في نفسك تُشعرني بالرغبة في السيطرة عليكِ؛ كونني لم أحصل علي غير تلك المعاملة في بيت اهلي من حب مشروط!
لقد كنت طوال الوقت أسعي للكمال، وتحسين نفسي؛ لكي اتفادي النقد واللوم!
الأبنة ..وكيف سيؤثر ذلك علي مستقبلاً فيما بعد؟
الأم.. حين تكبرين؛ سوف تصبحين عُرضة للشخصيات السامة، التي تمنحك نفس معاملتي لكَ، سوف تجذبين من لا يهتمون لمشاعرك، سوف تسعين دائماً لإرضاء الآخرين علي حساب نفسك، وتقديم الحب بشكل مبالغ فيه وإنكار إحتياجاتك وتجاهل مشاعرك؛ سعياً للحصول علي محبتهم، سوف تكونين دائماً ساعيةُ للكمال، وشعورك بالذنب؛ سَيظل مسيطراً علي أفعالك وقراراتك، سوف تتراجعين عن موقفك أمامهم عند إبداء اي تعليق او إعتراض او نقد؛ خوفاً من الإمتناع عن محبتك، ستكتمين مشاعرك خوفاً من الترك، ستجعلين إرضاء الآخرين مسؤليتك، ستقيمين نفسك بناء علي مدي رضائهم عنكِ، وسترين نفسك من خلال إنعكاسك في مرايا الآخرين!
مع الأسف الكثير منا؛ عاشوا تلك العلاقات التي امتد أثرها لمراهقتنا وشبابنا وحتي سنوات النضج دون ان نعي تلك الروابط الخفية مع طفولتنا، وكيف اثر ذلك علي إختياراتنا في الحياة، وكيف حملنا معنا تلك الأفكار المغلوطة عن شكل العلاقات مع الأباء إلي المستقبل، لم نعي أننا سمحنا بدخول أنماط معينة متكررة لنفس نوع البشر والعلاقات المؤذية الي عمق حياتنا، قبلنا بمعاملة اقل مما نستحق، ورضينا بأنصاف حلول وانصاف علاقات، واشباه بشر؛ خوفا من النبذ والوحدة!
ما لا يُحكي عنه!
ذلك الحوار بين الأم وابنتها رغم كونه إفتراضي؛ ولكنه حقيقي جدا، ويعكس “ما لا يُحكي عنه” بداخل الكثير من النفوس التَعبة، المُرهقة ويمس كثير من البيوت والعلاقات بين افراد الأسرة الواحدة في كل مكان، ويرد علي العديد من الاسئلة التي لم نجد الجرأة لطرحها علي من اذونا بالمقام الاول في طفولتنا، من شكلوا وعي خاطئ واثروا سلباً علي تقديرنا لذاتنا.
لماذا نقدم الحب والحنان ولا ندخر جهد ولا وقت ومع ذلك لا نتلقي ما نستحق من تقدير؟
لماذا يتم التخلي عنا رغم ما نمنحه من عطاء وصدق المحبة؟
لماذا رغم كل ما تحملة قلوبنا من خير وحب غير موفقين ولسنا سعداء؟
لماذا لا نُعامل ممن اعتقدنا فيهم المودة والحب بالشكل الذي يليق بنا؟
لماذا ندور في نفس الدوائر مراراً وتكراراً وننتهي إلي نفس المصير في كل مرة؟
حلقةُ مفرغة اعتدنا الدوار فيها؛ آن أوان كسرها والخروج من عبائات الأهل لأفق جديد خاص بنا ونرسم طرقنا بعيدناً عن الماضي الذي طوانا بين ايامة لسنوات طوال، دون اي احمال تُثقل ظهورنا ولا أعباء زائدة تحني قامتنا، نتخذ التسامح منهج للحياة، ونستقبل القادم من ايامنا متحررين من أثار الأمس البعيد، ودائماً المعرفة نصف الطريق إلي التشافي.
دعاء خطاب
