ريهام طارق تكتب: لم يعد طفلًا.. كيف تحمين ابنك المراهق دون أن تخسري قلبه؟
حاولتي قبل ذلك أن تستشيري ابنك في أمورك الخاصة؟
تمر كل أم بلحظة تسرق أنفاسها، لحظة تدرك فيها أن صغيرها الذي كان يركض نحوها بكل شوق ويرتمي في أحضانها، قد كبر،ولم يعد ذاك الطفل الصغير، بل أصبح مراهقًا يشق طريقه نحو حياة جديدة مستقلة، باحثًا عن نفسه في هذا العالم الواسع.
بقلم: ريهام طارق
رغم أن قلب الأم يفيض بالسعادة وهي تسمع نبرة صوت أبنها التي يملؤها حماس الشباب وتشهد كيف أصبح يفوقها طولًا، إلا أن شيئًا من الحيرة يتسلل إلى وجدانها، وتتساءل: كيف تمسك بيده دون أن تعيق خطواته، وكيف تحافظ على قربه منها رغم اتساع المسافة بينهما؟
اقرأ أيضاً: آمال ماهر تُشعل الساحة: “حاجة غير” ألبوم التحدي الأكبر هل ستربح أم تخسر الرهان؟
علينا أن ندرك أن في مرحلة المراهقة، تبدأ التغيرات النفسية والعاطفية في الظهور بشكل واضح، وأن إبنك ليس الطفل الصغير الذي يحتاج إلى رعايتك المستمرة، لكنه في نفس الوقت لا يزال بحاجة إلى دعمك وتوجيهك، ولكن كيف نجد التوازن بين دعم استقلاله وحمايته من المخاطر؟ وكيف نحافظ على العلاقة المتينة بيننا وبين أولادنا في ظل هذه التغيرات؟
اقرأ أيضاً: حسام طنطاوي: ملحنون يرون أنفسهم آلهة وعزيز الشافعي خارج حساباتي للأبد
في هذه المرحلة، يميل المراهق إلى التحفظ، وقد يجد صعوبة في التعبير عن مشاعره وأفكاره كما كان يفعل في طفولته ومع ذلك، فهو بحاجة ماسّة إلى وجودك مستمعة جيدة، دون مقاطعة أو نقد أو مقارنة بينه وبين أي شخص آخر، سواء من أفراد العائلة أو الأصدقاء، أنصتي لهمومه ومشكلاته، مهما بدت لك بسيطة أو غير ذات أهمية، مجرد استماعكِ له بإخلاص قد يكون أقوى وسيلة لتعزيز العلاقة بينكما.
احرصي عزيزتي الأم كذلك على احترام خصوصيته فلا تتجسسي على أغراضه أو تقتحمي عالمه الخاص بحجة الخوف عليه أو بدافع حقك كأم، و تذكري أن غرفته باتت ملاذه الشخصي وعالمه الخاص الذي يحتاج أن يشعر فيه بالأمان بعيدًا عن التدخل أو الاقتحام، وواجبك هنا أن تجعليه يشعر بالأمان.
لا تنزعجي أيضا إذا رغب في قضاء وقت أطول مع أصدقائه، فهذا لا يعني أن حبه لكِ أو حاجته إليكِ قد تلاشت، بل هو ببساطة يمارس قدرًا من الحرية والاستقلال لاكتساب خبرات حياتية جديدة، وهذا بالطبع يجب أن يكون تحت رقابتك الحكيمة ومتابعتك الصبورة.
تعاملي مع هذا التحول الطبيعي بهدوء، ولا تفسريه كرفض لك أو ابتعاد عنك، مع احترام حاجته إلى المساحة الشخصية، مع الحرص في الوقت ذاته على وضع حدود تحميه وتوجهه دون أن تخنق نموه، وعندما يعود إلى المنزل، كوني السند الذي يثق به، بادريه بالحديث و امنحيه مساحة ليتكلم بحرية دون خوف أو تردد، وإذا لاحظتِ أنه لا يرغب في الخوض ببعض التفاصيل، فلا تضغطي عليه اتركي له المجال، و ستجدينه يعود إليكِ من تلقاء نفسه يشاركك كل ما يحمل في قلبه عندما يشعر بالأمان والثقة، فبناء الأمان والثقة بينكما في هذه المرحلة هو حجر الأساس الذي يرتكز عليه احتياجه الحقيقي لأسرته.
حين يبلغ ابنكِ الخامسة عشرة، ستلمحين في عينيه بريق الرغبة في اتخاذ قراراته بنفسه، بل والإصرار عليها، وستسمعين منه آراء قد تختلف عن آرائك أحيانًا، وفي بعض الأحيان قد يختار العكس لمجرد أن يثبت أنه مستقل وحر وله وجهة نظر خاصة، في تلك اللحظة، لا تحاولي أن تفرضي عليه قناعاتك، بل كوني الحضن الذي يستند إليه حين يتردد، واليد التي تشير له برفق إلى الطريق دون أن تدفعه بالقوة نحوه، قدّمي له نصائحك بهدوء، وانثري تجاربكِ أمامه بحب، ثم دعيه يختار، وهو يشعر أن قراره ملكه، وأنك ظله الدافئ الذي يحميه مهما كان.
حاولتي قبل ذلك أن تستشيري ابنك في أمورك الخاصة؟
ولكي تزرعي الثقة في قلبه أكثر، استشيري ابنك في أمورك الخاصة، وتحدثي معه كأنك تتحدثين مع رجلًا ناضجًا يعتمد عليه، اجعليه يشعر أن عقله موضع تقدير، وأن حكمته تستحق أن يُسمع لها، بهذا تغرسين داخله رغبة قوية في ألا يخذلكِ أبدًا، ويحرص على أن يكون عند حسن ظنك به، وتكبر ثقته بنفسه، وتكبرين أنت معه في عينيه حبا و احترامًا لا حدود لهما.
الحب غير المشروط هو الأساس الصلب الذي يبني علاقة صحيه
واعلمي جيداً أن الحب غير المشروط هو الأساس الصلب الذي يبني علاقة صحيه بينكِ وبين ابنك مهما مرت الأيام.
ولكن في خضم العطاء المستمر، إياك عزيزتي الأم أن تنسي كيف تكوني حنونًة مع نفسكِ أيضًا، الأم ليست كائنًا مثاليًا، بل هي بشر، تحمل مشاعر وتواجه تحديات مثل أي شخص آخر إذا شعرتِ بالإرهاق أو الحيرة في لحظات ما، لا تترددي في طلب الدعم من من حولكِ، لأنك تستحقين الراحة والاهتمام كما تستحقين أن تكوني مصدر القوة لعائلتكِ.
وفي النهاية، كوني دائمًا إلى جانب إبنك، و دعيه يخطو أولي خطواته في اكتشاف عالمه الجديد، ولكن تحت رعاية دعمك وحبك الذي لا ينتهي.
اقرأ أيضاً: في ذكرى ميلادها.. كيف جسدت سناء جميل قسوة الواقع في فنها؟
وفي المقال القادم، في الاسبوع المقبل أن شاء الله نتناول موضوعا بالغ الأهمية حول “كيفية التعامل مع المراهق الذي يشعر بالتمرد، وكيفية الحفاظ على التواصل الفعال معه دون صدام”، تابعوني لتكتشفوا نصائح عملية وحلول مبتكرة لمرحلة المراهقة المليئةبالصدامات والتحديات.