«جسم وأسنان وشعر مستعار»… عرض مسرحى يكشف ألم النساء فى صمت المجتمع
«جسم وأسنان وشعر مستعار»… عرض مسرحى يكشف ألم النساء فى صمت المجتمع
تقرير_أمجد زاهر
في تجربة مسرحية جريئة ومغايرة، يطل علينا العرض المصري «جسم وأسنان وشعر مستعار» ضمن فعاليات الدورة الثامنة عشرة من المهرجان القومي للمسرح المصري، ليفتح جرحًا صامتًا طالما تم تجاهله أو تزيينه بأقنعة زائفة… جرح المرأة في مجتمع يصر على رؤيتها من خلال قشرة المظهر، ويتجاهل جوهرها المتمزق.
العمل الذي حمل توقيع المخرج مازن الغرباوي، رئيس مهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، يذهب عميقًا في التنقيب عن صراعات النساء غير المرئية، تلك التي لا تُقال في العلن، لكنها تصرخ في الداخل.
من خلال أربع شخصيات نسائية، تتحول الخشبة إلى مرآة تعكس هواجس المرأة المعاصرة، وتُطلق عبر حواراتهن المختنقة صرخات مكتومة، بعضها يأتي في هيئة مونولوج داخلي حزين، وبعضها يُلقى بتوتر وانكسار كأنه رجاء أخير لفهم ما يدور في النفس.

عندما يصبح الجمال قناعًا من الألم
يحمل العرض عنوانًا مثيرًا ومواربًا: «جسم وأسنان وشعر مستعار»، عنوان قد يثير الدهشة أو النفور، لكنه في الحقيقة مفتاحٌ ذكي لفهم فكرته الجوهرية.
فالمرأة، كما يقول العرض، كثيرًا ما تُحاصَر بصورة نمطية تستنزف طاقتها في السعي وراء الكمال الزائف: شعر مثالي، جسد مشدود، ابتسامة لامعة…
ولكن، ماذا عن الداخل؟ ماذا عن الخوف، القلق، الشعور بالدونية أو الغضب المكتوم؟ العمل لا يمنح إجابات جاهزة، بل يطرح أسئلة مُقلقة، ويترك المتفرج في مواجهة نفسه وأحكامه المسبقة.
المسرح كمساحة للبوح والنجاة
في مشهدية بسيطة لكن مُحكمة، تتحرك النساء الأربع وسط ديكور مكوّن من أبواب مغلقة، وجدران موحية بالحصر، في إضاءة خافتة تعكس الكآبة الداخلية.
وبتدرجات سوداء في الملابس، تصطبغ الأجواء بروح سوداوية تتماشى مع الحكايات التي تُروى، والتي تمزج بين الألم والسخرية، بين الغضب والرغبة في الحياة.
غير أن العرض لا يغرق في اليأس، بل ينتهي بمشهد بالغ التأثير، حيث تغمر الإضاءة وجوه البطلات كأن النور أخيرًا وجد طريقه إلى قلوبهن بعد الاعتراف والتعبير، في لحظة درامية تختزل فكرة التحرر من قيود الصمت.
المرأة التي تخدع العالم… لتبقى
ربما الرسالة الأهم التي يحملها العرض هي أن المرأة حين تخدع العالم بمظهر مزيف، فهي لا تفعل ذلك بدافع الخداع، بل بدافع النجاة.
ففي عالم لا يتقبل الضعف، ولا يرى العمق، تضطر المرأة إلى أن تصبح ما يريده الآخرون… لا ما تريده هي.
المسرحية تقف بشجاعة ضد التيار، لا فقط في عنوانها الغريب والمختلف، ولكن في مضمونها الحاد والجاد،
في وقت تزدحم فيه الساحة بعروض تحاول إرضاء الجمهور دون صدام فكري.
أما هذا العرض، فهو دعوة صريحة للتفكير، وإعادة النظر في كل ما نظنه “طبيعيًا” في تعاملنا مع النساء.
مازن الغرباوي… توقيع يُعزز التجربة
اختيار مازن الغرباوي لهذا المشروع المسرحي الجريء ليس مفاجئًا، فلطالما كان له حضور في الأعمال التي تكسر الصمت ، وهو هنا يُثبت مرة أخرى أن المسرح الحقيقي لا يجمّل الواقع، بل يُواجهه بلا تردد.
«جسم وأسنان وشعر مستعار» هو عرض قد لا يروق للجميع، لكنه بالتأكيد سيترك أثرًا في أعماق من يشاهدونه.
عرض يؤكد أن المسرح لا يزال قادرًا على أن يكون مساحة للصدق، وميدانًا للبوح، وصرخة في وجه الزيف الذي نرتديه كل يوم.