حكايات أبله فظيعه عن بيت العيله … مابين الماضى والحاضر
بقلم: رؤى مصطفى
كان ياما كان عندما كانت لِمّة العيلة زمان حدثًا ثابتًا، لا يحتاج دعوة ولا تنظيمًا ولا انتظارًا. كان الأسبوع يمشي على إيقاع جميل ينتهي دائمًا في بيت الجد أو العم أو الخال. بيت كبير يفتح بابه قبل وصول الناس بوقت طويل، وتفوح منه روائح أكلات تُطمّن القلب قبل المعدة. كل بيت كان يجيء بطبق… وكل طبق له حكاية، وكل حكاية تجمع ضحكة، وكل ضحكة تكمل حلقة “اللمة” التي كانت أقوى من أي ظرف أو مشغوليات.
وفي المناسبات، كان بيت العيله يتحوّل إلى خيمة كبيرة من الفرح.
في الأفراح، تتبدّل البيوت إلى بيوت مفتوحة، يقضي الناس أسبوعًا أو أكثر يحتفلون، يساعدون، يشاركون، ويتحركون كجسد واحد.
ثم يأتي رمضان، شهر اللمة الأعظم. الباب يظل مفتوحًا من الفطار للسحور، والقلوب تتسع للجميع. الجيران يدخلون بلا استئذان، والأطفال ينتقلون بين البيوت وكأنها شوارع صغيرة بلا حدود. كان الشهر كله “عيلة واحدة” فى العبادات والأطباقًا والأجواء.
حتى المناسبات الصغيرة، كعيد الميلاد أو منتصف شعبان أو يوم عاشوراء، كانت تتحوّل إلى احتفالات عائلية. الكل يشارك: من لديه وقت، ومن لا يملك وقتًا، ومن يهرب من ضغط بيته إلى أحضان جدته بحثًا عن الدفء والدلع والراحة. كانت البيوت تتنافس في الطيبة والحب وليس في المظاهر والقدرات.
لكن… ماذا حدث؟
لماذا تغيّر المشهد بهذا الشكل الحاد؟
كيف أصبح الأخ يخاف من حسد أخيه، والأخت تنظر لأختها بمرآة مقارنة، والأم التي كانت تجري على أبواب أولادها عند أقل وجع، أصبحت تكتفي بمكالمة سريعة—وقد لا تتذكرها؟
لماذا صارت زيارة الأحفاد للجدة زيارة رسمية، يجلسون فيها مستقيمين كأنهم في اجتماع، بدلًا من الفوضى المحببة التي كانت تملأ قلب الجدة ضحكًا؟
الأكثر وجعًا أن الناس لم تعد “تفضى” لبعضهم إلا عندما يحدث خبر سيئ… وفاة، مرض، أزمة. فجأة يتوفر الوقت. فجأة نستطيع ترك العمل، والغاء الارتباطات، وقطع المسافات بسرعة.
فإذا كان الوقت يظهر عند الحزن… لماذا يختفي عند الفرح؟
ولماذا ننتظر الفقد لنتذكر أن لدينا عائلة، جذورًا، وذكريات تستحق أن نعود إليها؟
الحقيقة أن الحياة الحديثة سرعت خطواتنا لكنها أبطأت قلوبنا. انشغلنا بمستقبل لم يأتِ، ونسينا حاضرًا كان يمكن أن يكون الأفضل. تركنا الهواتف تُدير العلاقات، واستبدلنا الزيارات بالرسائل الصوتية، والضحكات الحقيقية بوجوه “الإيموجي”.
لكن رغم كل هذا… العودة ممكنة.
لمة العيلة ليست تقليدًا قديمًا انتهى، بل روح يمكن إحياؤها بقرار بسيط:
«يوم الجمعة… عندنا.»
طبق واحد، ضحكة واحدة، زيارة غير مخطط لها، مكالمة صوتية بدل رسالة.
خطوات صغيرة لكنها تعيد بناء الجسر الذي تهدم بين القلوب.
اللمة ليست حدثًا… بل علاج.
علاج للوحدة، للتوتر، للمقارنة، للخلافات الصغيرة التي تكبر بسبب الغياب.
وإذا كانت الحياة أخذت منا الكثير… يبقى بإمكاننا أن نعيد أجمل ما فيها، فقط لو قررنا ألا ننتظر الخسارة والفقد .
فحافظوا عليها لتستمر الحكايات.

