ذكرى وفاة الهرم الرابع فى مثل هذا اليوم

حكايات فنيه

كوكب الشرق المضيئ للابد

كتبت / غادة العليمى

فى مثل هذا اليوم وغادرت دنيانا الست أم كلثوم سيدة الغناء العربى الاولى كوكب الشرق الذى مازال يضيئ سماء الفن وسيظل الى الابد

بضع وأربعون عاما ، انقضت على وفاة ام كلثوم وهى مازالت ملىء السمع والبصر ، وسوف يظل مكانها شاغرا لآمد طويل باقيه ببقاء الفن والعذوبة والرقى والحس المرهف والجمال فينا
لانها اقسمت ان تسحرنا بغنائها ، وقد ابرت بقسمها واوفت بوعدها ( احلفلك برب البيت ، لاسحركم اذا غنيت )
انها ام كلثوم
هرم الغناء المصرى ، الذي يقف جوار اهرام الجيزة ، كما وصفتها الصحافة الامريكية فى الستينات
إنها أم كلثوم
ظاهرة تاريخية مدهشة لم يتوقف ابداعها فقط عند صوتها القادر المتمكن والمعجز بجماله ورقته ودقته وقوته وعذوبته ولا بما قدمته من اغنيات وقصائد حفرت مكانها بالفعل فى تاريخ الغناء المصرى والعربى عن جدارة واستحقاق
ولكننا هنا بإزاء منظومة متكاملة غير مسبوقة من الابداع بدءاً من شخصيتها وما كانت تتسم به من ذكاء اجتماعى حاد ، وخفة ظل وروح دعابة محببة ، وحس فنى راق ، مع امتلاك تام لناصية اللغة العربية ، التى اكتسبتها من حفظها المبكر لاجزاء من القرآن الكريم ، من خلال نشاتها القروية فى بيت من المنشدين للقصائد والمدائح النبوية ، مما كان له اكبر الأثر فى قدرتها الاعجازيه على تذوق الشعر العربى ، مع احساس عميق بالنغمة وباللحن المصاحب للكلمة ، والمقدرة الغير مسبوقة على الارتجال ، والاتقان المتناهى والمحكم فى ترويض القفلات ، التى كانت تنتزع الآهات من قلوب المستمعين ، ويشاء الله ان يتزامن ظهور أم كلثوم بحنجرتها الماسية ، وصوتها الساحر ، فى زمن بزوغ شمس التنوير على أرض مصر مع بدايات القرن العشرين ، فى نفس وقت ظهور فرسان الكلمة مثل رامى وبيرم ، وشعراء الفصحى ، مثل امير الشعراء أحمد شوقى ، وشاعر النيل حافظ ابراهيم ، وغيرهم ، وعباقرة النغم فى الموسيقي والغناء العربى ، مثل السنباطي والقصبجى وزكريا احمد وعبد الوهاب ، وجمهور من المستمعين الذين كانوا يقدرون الكلمة حق قدرها، ويتذوقون عذوبة الالحان وجمالها ،
فقد كانت ظاهرة أم كلثوم صدفة تاريخية اكتملت فيها كل عناصر الابداع على غير اتفاق ، فكانت ولا زالت توقظ فينا بغنائها ارقى وانبل المشاعر والاحاسيس اما عن الشعر العربى وقصائد شوقى وحافظ وناجى وغيرهم ، وتميزت ام كلثوم بأدائها الفريد المبهر الذى لم ينافسها فيه أحد حتى الآن
حيث قدمت أكثر من ستين قصيدة بالشعر الفصيح
و استطاع الناس أن يتعرفوا من خلالها على جماليات وعجائب وإعجاز هذه اللغة ، ولم يكن عجبا ان تسمع الناس يغنون هذه القصائد ، وينطقون كلماتها بطريقة صحيحة وهم لم ينالوا حظا مناسبا من التعليم ، ولكنه صوت ام كلثوم الآسر وفنها العظيم
وقد اطلق على ام كلثوم ألقاب عديدة خلعها عليها جمهورها من المستمعين والصحفيين والنقاد والاعلاميين
مثل الست وثومة وكوكب الشرق
اللقب الذى لازمها طوال حياتها
ويختلف المؤرخون حول من أطلق لقب كوكب الشرق على أم كلثوم، فبينما تشير بعض المصادر إلى أنه فى عام ١٩٢٨ زارت أم كلثوم مدينة القدس وغنت على مسرح «عدن» أمام جمهور غفير من عشاق الطرب والشعر العربي القديم ، حيث حمل اسمها على الحفل لقب ” فاتنة الجماهير ومطربة الشرق الوحيدة، ومنها صارت أم كلثوم كوكب للشرق
والبعض الاخر يذكر انها اثناء زيارتها لحيفا لتحيي ليلتين ، فى عام ١٩٤٦ ، أطلقته عليها سيدة من حيفا اسمها أم فؤاد ، حيث كانت حيفا وقتها مدينة عامرة ثقافيًا واقتصاديًا، مؤكدين أن أم فؤاد صعدت المسرح وقالت لثومة أنت كوكب الشرق بعد أن غنت أغنية «أفديه إن حفظ الهوى»

فيما تشير مصادر أخرى إلى أن المذيع الشهير محمد فتحي والذى كان ينقل حفلات أم كلثوم على الهواء طوال الأربعينات ، هو الذى أطلق عليها هذا اللقب
ومهما تعددت المصادر فإن للشرق كوكب واحد وحيد هو ام كلثوم
السيدة التى عانت كثيرا من الألم والمرض رغم الشهرة والثراء والمكانه والجماهيرية حتى رحلت عن دنيانا فى مثل هذا اليوم
وكانت بداية معاناة السيدة ام كلثوم صحيا مع إصابتها بفرط نشاط الغدة الدرقية ، والذي أدى جحوظ في عينيها ،
ونصحها الاطباء بإجراء عملية جراحية لاستئصال جزء من الغدة لتفادي الأعراض ،
ولكن احتمالية تأثير العملية على أحبالها الصوتية حالت دون إجرائها الجراحه
ومن حينها قررت ارتداء نظارتها السوداء .

وزادت متاعب أم كلثوم مع معاناتها من التهاب الكلى ، وسافرت إلى لندن للعلاج ، وانقطعت عن تقديم الحفلات ،

وكانت أغنية “ليلة حب” آخر ما غنّته من تأليف أحمد شفيق كامل وتلحين محمد عبد الوهاب في حفلتها الأخيرة عام ١٩٧٣م ..
حتى كانت بداية نهاية حياة ام كلثوم مع حلول فجر الخميس ٢٧ يناير ١٩٧٥م ،
حيث تدهورت حالة أم كلثوم وتم نقلها إلى مستشفى القوات المسلحة بالمعادي ودخلت في غيبوبة ،

وبعدها بيومين ، وتحديدا في العاشرة من مساء السبت الموافق ١ فبراير ١٩٧٥م ، أُذيع خبر وفاة كوكب الشرق ،
ومع انتشار النبأ كالنار في الهشيم بشتى أنحاء الوطن العربي ، أصدرت مستشفى المعادي بيانا ذكرت فيه أن سيدة الغناء العربي مازالت على قيد الحياة ، وحالتها كما هي ..

ومع حلول عصر يوم الاثنين الموافق ٣ فبراير ١٩٧٥م ، وتحديدا في الرابعة مساءً ، إنقطع إرسال الإذاعة المصرية ، ثم أصدر مجلس الوزراء بيانا أعلن فيه وفاة السيدة أم كلثوم ..
وفي صباح يوم الأربعاء ٥ فبراير ١٩٧٥ م ، استقبلت رحاب مسجد عمر مكرم بميدان التحرير جثمان كوكب الشرق أم كلثوم ،
وتدفقت جموع المُشيّعين على الميدان من كل صوب واتجاه ، وضاق المكان على سعته ، وأُغلقت كل الشوارع المؤدية إليه ..

وأطلت أم كلثوم إطلالتها الأخيرة على الجموع ،
وهرول كل من في الميدان نحو جثمانها ليُلقي نظرة الوداع ،

ومضى الموكب في طريقه إلى مسجد الإمام الحسين ،
وهناك في أرجائه الطاهرة ارتفعت صلوات الآلاف على روحها الطاهرة ،
قبل أن يُحمل جثمانها إلى مثواه الأخير بمنطقة البساتين ، وانهمرت الدموع في يوم القاهرة المشهود ..

وبجوار مسجد عمر مكرم ، أقيم سرادق ضخم رحب ، على مدخله أبناء أسرتها ،
وفي داخله أبناء قريتها ووطنها وأمتها

ورحلت لكن روحها وفنها ومجدها وقامتها ومحبتها فى القلوب مازالوا باقين ببقاء الهرم والنيل

وسيظل فنها الهرم الرابع فى تاريخ مصر الفنى

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.