سر يغنيك عن طرق أبواب الأطباء النفسيين
بقلم: ريهام طارق
الامتنان… هو سرّ السعادة الغائبة، سر راحة البال والقلب في عصر احتله القلق والخوف والأرق وأمراض نفسية لم نكن نسمع عنها ولا نعرفها والتي احتلت أجسادنا وجعلت الكثير منا أسري أطباء الطب النفسي…
أصبحت السعادة مطلبا صعبا، وصار القلق مشتركا بين الناس، والنوم المنتظم أصبح غاية مستحيلة، ورغم كثرة النصائح ومقالات التنمية البشرية، غاب عنا سرّ روحي، بسيط وعظيم، أهمله الكثيرون منا: وهو الامتنان.
الامتنان سلوك حياة لو اتبعته يفتح لك أبواب الرضا، ويعيد ترتيب الفوضى النفسية، بداخلك ويمنحك طمأنينة لا تجدها عند أي طبيب نفسي، أنها عبادة قلبية، في جوهرها.. هو شكر لكل نعمة مهما كانت صغيرة أو كبيرة في حياتنا.
الامتنان هو إدراك أن ما بين أيدينا من صحة، وستر، وأمن، وعائله، وأولاد وراحة، وصحبه صالحه ليست أمورا عادية، بل منح إلهية تستحق الوقوف عندها و تأملها.
والقرآن الكريم ربط بين الشكر وزيادة النعم ربط مباشر حين قال الله تعالى:
﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾
والنبي ﷺ أكد أن الامتنان قيمة أساسية في حياة المؤمن بقوله:
{من لا يشكر الناس لا يشكر الله}.
إذن الامتنان، يصبح هنا، طريق جذب لمزيد من الخير، ووقاية من القلق والخوف من الغد والمستقبل، وسبب رئيسي لراحة النفس البشرية.
هكذا عاش النبي والصحابة الامتنان في أدق تفاصيل حياتهم
النبي ﷺ: صوره من الامتنان الذي لا ينقطع:
كان رسول الله ﷺ يقوم الليل حتى تتورم قدماه، فلما سألته السيدة عائشة رضى الله عنها:
{لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟}
قال ﷺ:
{أفلا أكون عبدًا شكورًا؟}
هذه الكلمات تختصر معنى الامتنان بأكمله، ليس لأنه ينقصنا شيء، بل لأنه يفيض من داخلنا تقديرا لكرم الله، بل إن النبي ﷺ كان يبدأ يومه بحمد الله، و ينهيه بحمد الله، ويقول إذا استيقظ:
{الحمد لله الذي ردّ عليّ روحي و عافاني في جسدي وأذن لي بذكره}… صدقت يا رسول الله
امتنان لأمور يراها البعض بديهيات… لكنه كان يراها نعمه تستحق الشكر:
أبو بكر الصديق: مثال لـ الامتنان في الشدة قبل الرخاء:
في الهجرة، كان الخوف محيط بهما، ومع ذلك كان أبو بكر يقول للنبي ﷺ:
{إنما نحن في نعم الله ورعايته}.
كان ممتنا لـ الصحبة، والحفظ الإلهي، والرحمة التي غمرتهم رغم الخطر.. الامتنان هنا لم يكن لنعمة واضحة، بل لِسترٍ غير مرئي، وغير ملموس بل يقين بأن الله لا يتخلى عن عباده أبدا، وهذا ما يحتاجه الناس اليوم، رؤية النعم في عز الشعور بالخوف والقلق.
عمر بن الخطاب: الامتنان الذي يعلم القوة:
كان عمر رضي الله عنه يقول:
{ما أصابتني مصيبة إلا كان لله عليّ فيها أربع نعم:
أن لم تكن في ديني، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وأني لم أُحرم الصبر عليها، وأنني أرجو ثوابها عند الله}.
إنه كان نموذج عظيم لقلب يعرف كيف يرى رحمه الله ونوره وسط العتمة، وكيف يحول الشعور بالألم و الابتلاء إلى باب شكر.
الامتنان طريق لـ سكينة القلب.. صور من حياه الصالحين:
يروى عن الإمام الشافعي أنه قال:
{الشكر طريق للمزيد، والرضا يفتح باب السعادة}.
وكان الحسن البصري يردد:
{ما أنعم الله على عبد نعمة فأراد بقاءها وزيادتها إلا بالشكر}.
هذه النماذج العظيمة تؤكد أن الامتنان مفتاح حياة تتحلي بالهدوء والاستقرار النفسي
لماذا نفتقد السعادة اليوم؟
لأن أغلب الناس يعيشون حالياً في سباق لا ينتهي، من صراع ليس له حدود على المادة وكأنها هي سر الأمان، يتسابقون على تحقيق المزيد من الإنجازات، والخطوات نحو مستقبل مجهول، وبين هذا الزحام، ينسون أهم حقيقة، وهي أن اليوم والغد والمستقبل بيد الله سبحانه وتعالى، لا يدركون أن القلق يتغذى علي الخوف، لكن الامتنان يتغذى من الإيمان، ولهذا يفقد الكثيرون طعم الراحة، لأنهم يركزون على ما ينقصهم، لا على ما يملكونه.
الامتنان لا يعارض الطموح… بل يضبط بوصلته:
ليس معنى كلامي هذا أن نتوقف عن الأحلام ورسم مستقبل أفضل لنا و لأولادنا بالعكس تماما، اعني بكلامي هذا أن الامتنان لا يعني الاستسلام ولا يعني ترك الطموح، بل يعني، أن تشكر ما لديك اليوم، وأن تسعى لتحقيق ما تحلم به غدًا، وتترك التوفيق والنجاح لله، لانه بيده وحده ولاتخف ولا تقلق لان رزقك لن يناله أحد غيرك، لانه مكتوب باسمك وسيصلك بعد اجتهادك وسعيك بشرط ألا يكون السعي جحيما، بل رحلة مليئة بالرضا والثقة بالله وقدره.
إن أفكارك حين تمتلئ بالامتنان إلي الله يصبح طريقك أوضح، ونفسك أقوى، و قدرك أقرب للخير.
كيف نعيش الامتنان يوميًا؟
ـ أبدا يومك دائما بقول “الحمد لله”
ـ كتابة ثلاث نعم يومية نغفل عنها عادة: الماء، الصحة، الابتسامة، صحة طفلك، صديق صالح في حياتك، عمل ناجح أو إنجاز بسيط حققته.
ـ تذكر كل يوم أن هناك من يتمنى ما تملكه.
ـ تغيير لغة التفكير من “أفتقد” إلى “أمتلك”.
ـ شكر الناس على أبسط الأفعال.
في النهاية الامتنان ليس عادة صعب أن تعتادها، بل بابا لم نطرق عليه بعد، واعلم أن السعادة ليست حدثا مستحيلا أو حلما بعيدًا، السعادة تبدأ عندما نرى النعمة، ونشعر بها، ونشكر الله عليها.
هكذا عاش النبي ﷺ، وهكذا عاش الصحابة، والصالحون والعلماء وهكذا وصلوا إلى العيش بقلوب مطمئنة.
الامتنان ليس فقط سرّ السعادة الأبديه، بل هو بداية طريق نهايته الرضا، البركة، والتوفيق، ونور يبدد قلق هذا الزمن الموحش، ولو أيقن الناس قيمته، وجدوا أن ما يبحثون عنه طيله الوقت في الخارج… كان يسكن بداخلهم منذ البداية.



