سيدة الزمالك التى قصدها العشماوى فى روايتة

كتب جميل غالي/ بيروت

اقتنيتها من معرض القاهرة كعادتي مع كل اعماله وهيأت نفسي لقراءة مشوقة كعادته معنا ، فعندما يكتب قاض وروائي محترف أدب جريمة مختلطا بالاثارة والتشويق اللازمين مع الحفاظ على اسلوب أدبي راقي فلا شك أن الأمر يكون مختلفا ويستحق التأمل، الروايات التقليدية فى هذا اللون من الأدب تدور حتما حول تيمة واحدة هي من القاتل ؟ من الذي فعلها ؟ لتظل عبر الصفحات تسير لاهثا متشوقا يدفعك الفضول لمعرفة النهاية ، لكن المفاجأة التي يقدمها أشرف العشماوي هنا أنه يخبرك بالقاتل منذ البداية بل يحكي لك تفاصيل الجريمة كلها من اول فصل ويقول لك أيضا بوضوح من الذي فعلها ، هنا تكمن براعته وفهمه الخاص لهذا اللون الأدبي مما جعله يتقن الحبكة لتكتشف أن كل هذه الجرائم التي كشف لك عن فاعليها وطريقة ارتكابها مبكرا ، ما هي إلا واجهة غير حقيقية خادعة تختبئ خلفها جريمة أخطر شارك فيها جميع الأبطال، جريمة كبرى فى حق بلد اسمه مصر، ورثت ميراثا قيما ثم اضاعته عبر السنين باسراف وبذخ واهمال وسرقة وفساد ونفاق سياسي واجتماعي، ايضا غاص العشماوي أكثر فى أعماق مجتمعه عبر شخوصه المتخيلة ليقدم لنا بعدا اجتماعيا وسياسيا عن مصر الملكية التي كانت وهذه الجمهورية التي اصبحت ونعيشها اليوم وترك للقارئ الحكم فى النهاية .

الحقيقة أن الرواية خليط من ألوان كثيرة، أقرب لأن تكون رواية نفسية او رواية شخصيات ان صح التصنيف، خطها الأساسي النفس البشرية مع بعض الاثارة والغموض والتشويق بالطبع ثم تأتي أدبيات الجريمة فى الخلفية لا كخط درامي رئيسي ، ولا تخلو الرواية من مسحة عاطفية رقيقة تلمس أوتار قلب القارئ وتلتصق به ولا تخلو أيضا من سخرية لاذعة على مدار فصولها كعادة المؤلف أشرف العشماوي بأسلوب جذاب وسرد منمق وقوي لم يترهل أبدا حتى السطر الأخير منها .

فى هذه الرواية اعتقد أن العشماوي يُرسخ اقدامه أكثر ، يقول لنا بصوت عال أنا على قمة السرد الروائي والحكي الساحر المشوق ، لي مكاني ومكانتي في مجال سيدة الفنون الرواية ولم يخفت بريقي بعد كما توقع البعض، لم ينضب معيني من الحكي ولازال لدي ما أقوله لكم، يقولها بثقة تظهر فى كل رواية عن الأخري ربما أشفقت عليه بعد البارمان والجائزة الاولى التي حصدها ليفاجئني برواية تاريخية قوية محكمة هي كلاب الراعي ثم أتت تذكرة وحيدة للقاهرة لتجعله يتربع على قائمة الاكثر مبيعا لعام كامل أو يزيد بلا منافس قوي لكن مع اشادة كبيرة من النقاد والصحفيين وقبلهم القراء بابداعه فيها ووقتها خرجت مقالات تقول أنها رقصة التانجو الاخيرة للعشماوي وبيضة الديك ولن يكتب مثلها ، لكن هاهو يفاجئ القارئ برواية مختلفة مثلما يفعل كل مرة ، يذهب لمنطقة جديدة وعوالم مختلفة قد تبدو عادية للكثيرين لكنه أضاف إليها سحر الكتابة وروعة السرد لتبدو بهذا التشويق المذهل والذي يتفوق فيه على الكثيرين ممن يتصدرون الساحة الأن وبرعوا فيه من قبله لكنه الأن تجاوزهم باقتدار .فى هذه الرواية نرى بوضوح شخصيات ضخ فيها العشماوي الدماء وبث من قبلها الروح لتتحرك أمامك وتدهشك بدقة تفاصيلها ، ستتابع وانت تكتم أنفاسك رحلة عباس وزينب المحلاوي ، ربما الاثنان على نفس القدر من القوة والخسة والطموح والجرأة وربما فى تقديري أيضا هما بطلي العمل أكثر من الآخرين وإن كانت ناديا متحكمة فى كل خطوط الحكاية حسبما فاجئنا العشماوي فى النهاية، لكن يظل العنوان محيرا للغاية ، يا ترى من هي سيدة الزمالك ، أهي زينب هانم المحلاوي رأس الأفعى والبطلة الحقيقية لهذه الرواية الشيقة أم ناديا ابنة أخيها أم مايسة هانم سليلة الارستقراطية المصرية كما صورها لنا ؟ سؤال لم يجب عنه العشماوي وأظنه تعمد ذلك وحسنا فعل . فسيدة الزمالك هي بلدنا المجني عليها مثل ناديا من زينب واخواتها ومن مايسة هانم ايضا، من كل الرجال حولها من احبها ومن استغلها، من قانون زينب الجائر الذي ظلم الجميع وأنصفها وحدها لكن كان لناديا رأي أخر فى نهاية المطاف. ورغم أن النهاية مفتوحة كأغلب رواياته الا انه وفق فيها بقدر كبير فالاحداث لا تحتمل أكثر مما روى لنا وحسنا فعل ايضا فخيال القارئ سوف يكمل ما بين السطور التي ابدعها هذا الروائي وما بعدها، تحية لأشرف العشماوي الذي غاب فترة عنا ليكتب لنا فنا جميلا مرة اخرى .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.