صلاح السعدنى رحلة فنية حافلة و ذكريات جميلة لاتنسي .. كواليس جديدة
صلاح السعدنى رحلة فنية حافلة و ذكريات جميلة لاتنسي .. كواليس جديدة
صلاح السعدنى .. تحل الذكرى السنوية الأولى للعمدة سليمان غانم أبو صلاح رحمة الله عليه حيث ودع عالمنا يوم 19 أبريل من العام الماضي 2024 وسط حالة من الحزن الكبير فيعد من الفنانين الكبار الذين سكنوا قلوبنا سنوات طويلة .
كتبت : ماريان مكاريوس
حياة صلاح السعدني: النشأة والبدايات
وُلد صلاح السعدني في 23 أكتوبر 1943 في قرية كفر القرينين بمحافظة المنوفية. نشأ في أسرة متوسطة الحال وكان محبًا للثقافة والفن منذ صغره. رغم تفوقه في دراسته، حيث درس الهندسة الزراعية في كلية الزراعة بجامعة القاهرة، إلا أن شغفه بالفن كان أكبر من أي شيء آخر. في الجامعة، التقى بزميليه وصديقي عمره، الزعيم عادل إمام والفنان الراحل سعيد صالح، وكونوا معًا علاقة قوية على الصعيدين الشخصي والفني.
خلال سنوات دراسته، تأثّر السعدني بحياة الفن والتمثيل، وكان لشغفه بالمسرح دور كبير في توجهه الفني، حيث بدأ في المشاركة في العديد من الأنشطة المسرحية. وأثناء فترة الدراسة، كان له لقاءات ومشاركات مع الفنانين الذين سيصبحون لاحقًا أصدقاءه المقربين، مثل عادل إمام، الذي كان له الدور الأكبر في تقديمه إلى عالم التمثيل.
كان لعادل إمام الفضل الأكبر في دفع السعدني نحو المجال الفني، عندما رشحه للمشاركة في مسرحية “ثورة الموتى”، التي كانت تمثل نقطة انطلاقه الفعلية في عالم التمثيل. انضم بعدها إلى فرق مسرح التلفزيون، مما ساعده على إثبات نفسه في مجال التمثيل من خلال تجاربه الأولى.
ورغم بداياته السينمائية في السبعينيات مع أفلام مثل “الأرض”، “الرصاصة لا تزال في جيبي”، و”مدرستي الحسناء”، إلا أن بريقه الحقيقي أضاء في عالم الدراما التلفزيونية، حيث أصبح أحد أهم نجومها. بدأ السعدني في تقديم أدوار مهمة في المسلسلات التي لاقت نجاحًا كبيرًا.
أبرز أعماله في الدراما المصرية
كان أشهر أدوار صلاح السعدني في مسلسلات مثل “ليالي الحلمية”، حيث جسد شخصية العمدة سليمان غانم، وهو الدور الذي جعل اسمه يلمع في سماء الدراما المصرية، واستمر في تقديم الأدوار المهمة التي تركت بصمة كبيرة في تاريخ الفن المصري. وقد شهد مسلسل “ليالي الحلمية” النجاح الجماهيري الكبير، وحقق أعلى نسب مشاهدة في فترة عرضه.
كما تألق في مسلسل “أرابيسك” الذي جسد فيه شخصية حسن فتح الله النعماني، وهو المسلسل الذي أصبح أيقونة من أيقونات الدراما المصرية، وأدى فيه السعدني دور العمدة صاحب القلب الطيب الذي يواجه العديد من الصعوبات في حياته الشخصية. وكان تتر المسلسل، الذي كان يُذاع في وقت عرضه، سببًا في تفرغ الشوارع من المارة لما يحمله من تأثير موسيقي وجماهيري.
ومن بين أعماله الشهيرة أيضًا مسلسل “الباطنية” الذي قدم فيه شخصية إبراهيم العقاد، وهو عمل فني جريء يتناول قضايا اجتماعية حساسة. إضافة إلى مسلسل “خان الخليلي” و”الرحيل” و”الضحية”، الذي أثبت فيه السعدني قدرته على التنوع في الأدوار والتمثيل في مختلف الأنماط الدرامية.
أعماله السينمائية
رغم تركيزه على الدراما التلفزيونية، قدم السعدني عدة أفلام مميزة، مثل “الأرض”، الذي كان من الأفلام المميزة في السبعينيات، و”الرصاصة لا تزال في جيبي”، الذي تميز بالأداء الفني المتميز والإنتاج الضخم. وفي فيلم “مدرستي الحسناء”، لعب دورًا مهمًا أضاف إلى رصيد أعماله السينمائية، لكنه لم يكن له نفس التأثير الكبير الذي أحدثه في الدراما التلفزيونية.
صلاح السعدني والمواقف السياسية
كان السعدني ليس فقط فنانًا موهوبًا، بل كان أيضًا شخصًا مؤثرًا في الحياة الثقافية والسياسية. في بداية السبعينات، وقع العديد من المثقفين المصريين على بيان يرفضون فيه “حالة اللا سلم واللا حرب” التي كانت تعيش فيها مصر قبل حرب 1973. وكان من بين الموقعين السعدني، إلى جانب كبار الكتاب مثل توفيق الحكيم ونجيب محفوظ، مما أدى إلى تعرضه للعديد من المضايقات.
إضافة إلى ذلك، كان السعدني شقيق الكاتب الساخر محمود السعدني، الذي اشتهر بكتاباته النقدية اللاذعة ضد النظام الحاكم، مما جعل صلاح السعدني عرضة للمنع من التمثيل لفترة طويلة في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات. وعلى الرغم من تلك الفترة الصعبة، لم يتوقف السعدني عن التعبير عن آرائه، بل ظل محافظًا على مبادئه الفنية والوطنية.
النجاح والإرث الفني
ظل السعدني حتى آخر يوم في حياته أحد أبرز نجوم الدراما المصرية، حيث شارك في أعمال اجتماعية ورومانسية، كما كان له تأثير على الأجيال الجديدة من الفنانين. أثر في العديد من الأجيال الشابة، وُعرف بقدرته على تقديم أدوار مركبة ومعقدة.
خلال السنوات الأخيرة من مسيرته الفنية، استمر صلاح السعدني في تقديم أدوار تميزت بالعمق والإنسانية، حيث عمل على اختيار أدوار قريبة من قضايا المجتمع المصري. كان دوره في مسلسل “القاصرات” عام 2013 هو آخر ظهور له في الأعمال الدرامية، حيث تناول المسلسل قضية زواج القاصرات، وناقش قضايا اجتماعية حساسة تهم المجتمع المصري. أدى السعدني شخصية عبد القوي، العمدة السبعيني الذي يتزوج من فتيات صغيرات، مما أثار جدلًا واسعًا حول هذه القضية في ذلك الوقت. ورغم أن هذا المسلسل أثار الجدل، إلا أنه عكس مدى اهتمام السعدني بقضايا مجتمعه ورغبته في تسليط الضوء على القضايا التي لم تُناقش بما فيه الكفاية في وسائل الإعلام.
إلى جانب أعماله الفنية، كان للسعدني دور كبير في تحفيز الأجيال الجديدة من الفنانين، حيث تأثر به العديد من النجوم الذين عملوا معه، مثل فتحي عبد الوهاب الذي قال عن السعدني إنه تعلم منه الكثير خلال مشاركته في مسلسل “الناس في كفر عسكر”. كانت طريقة السعدني في اختيار أدواره وإيمانه بقوة الفن في التأثير على المجتمع سببًا في أن يصبح مثالًا يحتذى به للفنانين الجدد. كما كان السعدني معروفًا بدعمه لزملائه في الوسط الفني، وكان دائمًا يشجع الموهوبين الجدد على صقل مهاراتهم والاستمرار في تقديم أعمالهم بأعلى جودة.
توفي صلاح السعدني في 19 أبريل 2024، لكنه ترك إرثًا فنيًا خالدًا، وسيرة مليئة بالعطاء والفن الراقي الذي لا يُنسى.