عَــلَــقَـــة
بقلم/مرفت البربري
ذات مساء برتقالي الغسق، تأصلت شمسه وأطلت من الغروب، التقيته في لقاء رتبه كي يظهر في ثوب مصادفة،،
كانت إحدى قدميه عرجاء، والأخرى مشدودة بوثاق جريمة ارتكبها، وإحدى عينيه قد جذب الحوّل مقلتها إلى اليسار، وذراعه مكسورة معلقة بعنقه بحبل متراخٍ لا يقيم اعوجاجا نتج عن كسرها، جاء ينشُد في قربي استقامة لهيكله الذي نخر العطب كل أجزائه.
قال : أريد جبرا لكسري، وعين صديق تهديني السبيل، وسند يقيم أود عوجي.
قلت : وما الصديق إلا العون والسند .
لملمت شتات نفسه التي مزقتها يد التيه، سرت معه بضع خطوات في الطريق انتظمت خطواته بنظم خطوتي، كنت في الصباح التالي لذلك اليوم على موعد لسباقات عدة في ميادين أجيدها، سباق عدو، ومسابقة رماية، وأخرى للرسم، رافقني صديقي المشوة في تلك السباقات، وقف غير بعيد يتابع تفوقي، فظن برفقتي انه استقام، وباستناده على قامتي انه سليم، حاول أن يجاريني في سباق العدو فكسرت ساقاه، وفي نزال الرماية أمسك بالسلاح وسدد رميته تجاه وجهه ففقأ عينه المبصرة، وفي مسابقة الرسم نظر في المرآة فرسم خنزيرا مشوها…
تذكرته بينما كنت أُعد قهوتي الصباحية، سمعت أثناء إنشغالي بالمطبخ صوت شيء يتكسر، هرعت إلى مكان الصوت فوجدت قطتي قد اصطدمت بمزهريتي الأثيرة فكسرتها، ابتلعتني غصة الحزن، وأغرقني دمع الأسف، ربتُّ على رأسها وأبعدتها في حجرة أخرى كي لا تتأذى، وعدت ألملم الشظايا الصغيرة، لففتها في ورقة ثم في كيس سميك وآخر شددت وثاق عنقه، ووضعته في قعر سلة المهملات كي لا يؤذى أحدا، أمسكت بالقطع الكبيرة وجلست أجمعها لأرى كيف أرتق البقايا، هي المرة الثانية لإعادة تدويرها، فسيرتها الأولى كانت عندما أُهدتيها.. كبيرة الحجم تسكنها أفنان لأحلى الزهور، فوضعتها في واجهة حجرة الاستقبال، وبعدما ارتطمت بها يد أخي جمعت الكبير من أجزائها فكانت مزهرية تليق لطاولة جانبية في غرفة المعيشة تكفي لزهرات قليلة.
ها أنا أنهيت ترتيب صورتها الجديدة بمادة لاصقة وأشرطة ملونة تخفي آثار الصدمة، ربما تتسع لزهرة أو زهرتين وسأودعها مكانًا قصيًا في غرفتي، ما عاد هناك مجال لإعادة تدويرها، فقد قل عدد ما يمكن تجميعه من جسدها المكلوم، وقلت حيلتي في إعادتها للحياة، تقلص عدد سكانها من الأزهار، فتوارى مكانها، بعد فراغي من عملي رأيت ندوبًا استوطنت راحتي بجوار سابقات كانت نتيجة تضميد القديم من جراح مزهريتي.
رن هاتفي، أمسكت به فوجدت رقم رفيقي الأعرج، آلمني جرحي الذي لن يندمل فقمت بحظر الرقم وألقيت به في غيابات الذاكرة.