مسلسل”وتقابل حبيب”..كشف لحواء سر فارس الأحلام و اعاد تعريف الرجولة الحقيقة
قدم لنا الكاتب عمرو محمود ياسين في موسم دراما رمضان 2025 عملا دراميا متكاملا في مسلسل “وتقابل حبيب” تميز المسلسل بطرحه لقضايا العلاقات الإنسانية بشكل واقعي و ناضج.
كتبت: ريهام طارق
نجح عمرو محمود ياسين في خلق حالة جدلية حول مفهوم الرجولة الحقيقية، ليس فقط من خلال أحداث القصة، بل من خلال بناء الشخصية الدرامية المتقنة لفارس أبو العزم، النموذج المثالي للرجل الذي تحتاجه المرأة في حياتها.
تدور أحداث المسلسل حول ليل الحسيني (ياسمين عبدالعزيز)، امرأة تواجه خيانة زوجها يوسف أبو العزم (خالد سليم)، مما يدفعها لاتخاذ قرار جريء بالانفصال عنه والبحث عن فرصة جديدة للبدء من جديد يضعنا هذا الانطلاق في قلب أزمة نسوية معاصرة، حيث تسعى البطلة إلى إعادة تعريف ذاتها بعيدًا عن الظلم العاطفي والاجتماعي.
كريم فهمي جسد الرجولة الحقيقية في “وتقابل حبيب”
يظهر فارس أبو العزم (كريم فهمي) في حياة البطلة لم يكن مجرد مصادفة، بل جاء كـ تجسيد لفكرة الرجولة الحقيقية التي تتجاوز المفهوم التقليدي القائم على القوة والسيطرة وجسد معنى الرجولة الحقيقية القائمة على الدعم، الاحتواء، والاستماع الفارق الجوهري بين شخصية فارس وبين زوج البطلة السابق يوضح كيف يمكن للدعم العاطفي والفهم العميق للمشاعر أن يكونا أساسًا لعلاقة ناجحة وهو طرح غير مألوف في الدراما التي غالبًا ما تميل إلى تصوير الرجل إما كقاسٍ متسلط أو كحبيب رومانسي مثالي دون عمق.
إحدى أبرز نقاط القوة في مسلسل “وتقابل حبيب” تكمن في البراعة التي أظهرها عمرو محمود ياسين في رسم ملامح شخصية فارس أبو العزم بصورة إنسانية متكاملة، جعلته يتجاوز الصورة النمطية لفارس الأحلام التقليدي.
لم يكن فارس مجرد رجل مثالي بمواصفات خيالية، بل تجسيدًا واقعيًا لنموذج الرجل الذي تمتزج فيه القوة بالحكمة، و الاحتواء بالفهم العميق لمشاعر المرأة قدمه السيناريو كرجل أفعال لا أقوال، قادر على أن يكون سندًا حقيقيًا وداعمًا نفسيًا ومعنويًا، وهو تمامًا ما تحتاجه المرأة في شريك حياتها هذه الصياغة العميقة و المتزنة للشخصية جعلتها تحظى بصدى واسع بين المشاهدات، حيث امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بتعليقات تعبر عن إعجابهن العميق به، بل واعتباره مثالًا للرجل الذي طالما بحثن عنه في الواقع.
ما جعل فارس أبو العزم مختلفا عن غيره من الشخصيات الذكورية في الدراما هو أنه لم يكن رجل وعود، بل رجل أفعال هذا التفصيل يعكس فلسفة درامية ذكية، حيث يتم بناء الشخصية بشكل واقعي بعيدًا عن المثالية الزائفة بدوره، أدى كريم فهمي الشخصية بتلقائية وعمق، متجنبا المبالغة في الأداء، مما أضفى عليها طابعا أكثر مصداقية.
اقرأ أيضاً: دراما الواقع بين سطور الحكاية: من “الهرشة السابعة” إلى “لام شمسية
بصمة عمرو محمود ياسين في الكتابة الدرامية
تميز السيناريو الذي صاغه عمرو محمود ياسين بتقديم حوار واقعي بعيد عن المبالغات يعكس طبيعة العلاقات العاطفية الحديثة لم يكن هناك تكلف في السرد، ولم يقع الكاتب في فخ الميلودراما المبالغ فيها، بل اختار أن يقدم شخصياته من خلال تفاعلات طبيعية تعكس أزمات حقيقية يعيشها الناس يوميًا.
جاءت الحوارات بين ليل وفارس قوية، مؤثره عاطفية دون افتعال ومليئة بالتفاصيل التي تكشف تطور العلاقة بينهما تدريجيًا، ما منح المشاهد فرصة لفهم طبيعة الشخصيات دون الحاجة إلى الإفصاح المباشر عن مشاعرهم هذه التقنية و الاحترافية في الكتابة جعلت العمل أكثر تأثيرًا وأقرب إلى الواقع.
لا نستطيع أن نتجاهل دور الإخراج الذي لعب دورا جوهريا في إبراز قوة القصة، حيث تمكن المخرج محمد الخبيري من تقديم مشاهد حقيقه وصادقة مستخدما زوايا تصوير تعكس الحالة النفسية للشخصيات على سبيل المثال، في المشاهد التي تظهر ضعف ليل في البداية اعتمد المخرج على لقطات قريبة تظهر تعبيراتها بدقة، بينما تحولت اللقطات إلى زوايا أوسع وأكثر انفتاحا مع تطور شخصيتها واستعادتها ثقتها بنفسها، كما كان للإضاءة دور حاسم في خلق الحالة المزاجية للمسلسل، حيث طغت الألوان الدافئة على المشاهد الرومانسية، بينما سادت الألوان الباردة في لحظات التوتر والألم هذه التفاصيل البصرية أضافت عمقا نفسيا للعمل، ما جعله أكثر تماسك من الناحية الجمالية.
لماذا أثار “وتقابل حبيب” كل هذا الجدل؟
لم يقتصر نجاح المسلسل على الشاشة فقط، بل امتد إلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث عبر الجمهور، وبصوره خاصه بنات حواء عن إعجابهن بشخصية فارس أبو العزم، واعتبروه النموذج المثالي للرجل الذي تحلم به أي امرأة هذه التفاعلات تعكس قدرة العمل على لمس قضايا حقيقية تهم المجتمع خاصةً فيما يتعلق بدور الرجل في حياة المرأة، وهي قضية غالبا ما يتم تناولها بشكل نمطي في الدراما.
الأمر اللافت هو أن المسلسل لم يعتمد على الإثارة التقليدية أو المشاهد الصاخبة لجذب الانتباه، بل نجح في خلق حالة نقاشية عبر تقديم شخصيات تمس المشاهد في عمق مشاعره وهو ما يثبت أن الدراما التي تعتمد على الكتابة الجيدة لا تحتاج إلى “ضجيج” لتصل إلى الجمهور.
“وتقابل حبيب” تجربة درامية تستحق التأمل، سواء من حيث البناء الدرامي أو الطرح الفكري الذي يقدمه حول مفهوم الرجولة والعلاقات العاطفية وأيضا العلاقات الإنسانية بمختلف أنماطها، حيث أثبت الكاتب المبدع عمرو محمود ياسين من خلال هذا العمل أنه مؤلف يمتلك رؤية فكرية عميقة وقدرة على إثارة الأسئلة التي تدفع المشاهد لإعادة التفكير في مفاهيمه المسبقة.
اقرأ أيضاً: “تلاوات تذاع لأول مرة” تهديها عائلة الشيخ الشعشاعي لإذاعة القرآن الكريم
الدراما المصرية ليست مجرد وسيلة للتسلية بل قوة إبداعية:
أثبت عمرو محمود ياسين من خلال “وتقابل حبيب” من إعادة رسم ملامح الدراما التلفزيونية المصرية متجاوزًا حدود الترفيه التقليدي ليجعل منها انعكاسًا حقيقيًا لاحتياجات المجتمع وتطلعاته وقدم العمل تجربة درامية تحمل بعدا نفسيا واجتماعيا عميقا، حيث لم يكتفِ بسرد قصة رومانسية، بل نجح في معالجة قضايا إنسانية بطرح فني راقي يجمع بين التأثير العاطفي والتحليل الذكي.
وبذلك، أثبت أن الدراما التلفزيونية المصرية ليست مجرد وسيلة للتسلية، بل قوة إبداعية قادرة على تقديم رسائل مجتمعية تمس الواقع وتثير النقاش بعمق وموضوعية.