فاروق الفيشاوي في ذكراه .. البرنس الذي أضاء دروب الحكايات كالحاوي

 

 

 

طفولة وبدايات من سرس الليان للمعهد المسرحي

 

كتبت /ماريان مكاريوس

 

في الخامس من فبراير 1952، وُلد فاروق الفيشاوي في قرية سرس الليان بمحافظة المنوفية. كان طفلًا هادئًا ينظر إلى الحياة بعين حالمة وفضولٍ لا يهدأ. درس الأدب وحصل على ليسانس الآداب من جامعة عين شمس، و حصل على بكالوريوس الطب لكن قلبه لم يهدأ إلا حين حمله الشغف إلى خشبة المسرح، فالتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وهناك وُلدت ملامح الممثل الذي سيصبح لاحقًا أيقونة الشاشة.

 

المسرح… البذرة الأولى للحاوي

 

اكتشفه المخرج الكبير عبد الرحيم الزرقاني خلال إحدى العروض الجامعية، ففتح له أبواب المسرح. قدم الفيشاوي أعمالًا مسرحية مهمة مثل عيني في عينك والبرنسيسة وشباب امرأة، وهناك تفتحت ملامح “الولد الشقي”، ذاك الذي يجمع بين البراءة والمكر، وبين خفة الظل وعمق الأداء. كانت هذه المرحلة أشبه بتدريب الروح على مواجهة الضوء القاسي للأضواء.

 

انطلاقة درامية… من “أبنائي الأعزاء شكراً” إلى “ليلة القبض على فاطمة”

 

بدأ الفيشاوي مسيرته بأدوار صغيرة في المسلسلات، لكن نقطة التحول الكبرى جاءت عام 1980 عبر مسلسل “أبنائي الأعزاء شكراً” للمخرج محمد فاضل، حيث لفت الأنظار بموهبته الفطرية. ثم عزز حضوره في مسلسل “ليلة القبض على فاطمة”، ليصبح اسمه مرادفًا للجاذبية والتمرد في الدراما المصرية.

 

الثمانينيات… العقد الذهبي للبرنس

 

مع مطلع الثمانينيات، كانت السينما على موعد مع وجه جديد يحمل روحًا مغامرة. تألق فاروق الفيشاوي في أفلام صارت علامات في ذاكرة الأجيال: “المشبوه” إلى جوار عادل إمام وسعاد حسني، “حنفي الأبهة”، “غاوي مشاكل”، و**”المرأة الحديدية”**. لم يكن مجرد ممثل وسيم، بل ممثل يمتلك القدرة على الذوبان في الشخصية حتى يصعب الفصل بين الممثل والدور.

ألقاب صنعت أسطورته

 

أطلق عليه الجمهور والنقاد عدة ألقاب تعكس تنوع حضوره:

 

البرنس: لوسامته ووقاره وهدوئه الآسر.

 

الحاوي: لسحره في تبديل الشخصيات بخفة وصدق.

 

الولد الشقي: لروحه المرحة وميله للمغامرة في اختياراته الفنية.

 

 

قال الناقد طارق الشناوي: “فاروق الفيشاوي ممثل يعيش الشخصية حتى النفس الأخير، لا يمثلها… بل يتنفسها”، فيما وصفته الفنانة إلهام شاهين: “كان أجمل الناس روحًا وأكرمهم قلبًا، يرى الفن رسالة لا مهنة.”

 

أكثر من 130 عملاً… مزيج من التمرد والإنسانية

 

قدّم الفيشاوي خلال مسيرته أكثر من 130 عملًا بين السينما والتلفزيون، من بينها الطوفان، لا تسألني من أنا، غدًا سأنتقم، فتاة من إسرائيل، نساء خلف القضبان، قهوة المواردي. شخصياته تميل إلى التمرد، لكنها تحمل إنسانية تجعل المشاهد يغفر لها مهما أخطأت. لم يسعَ إلى البطولة المطلقة، بل إلى الأدوار التي تترك أثرًا في وجدان الجمهور.

فلسفة فنان عاشق للمغامرة

 

في أحد لقاءاته، قال الفيشاوي: “أنا ممثل أعشق المغامرة، أبحث عن الدور الذي يشعلني من الداخل حتى لو أحرقني”، جملة تكشف جوهر فلسفته؛ لم يسع وراء الأضواء بقدر ما سعت هي إليه، ولم يلهث خلف الجوائز رغم استحقاقه لها، بل كان همه الأكبر أن يصل صدقه إلى القلوب.

 

الرحيل… وبقاء الأثر

 

في الخامس والعشرين من يوليو 2019، أسدل الستار على حياة “البرنس”. رحل الجسد وبقيت الابتسامة، رحل الحاوي وبقي سحره في القلوب. وفي كل مرة يُعرض فيلم له، يتجدد السؤال: كيف لرجل أن يجمع كل هذا الحضور والصدق، ثم يغيب ويبقى أثره؟

قال أحد محبيه يوم وداعه: “الفن يا فاروق لم يفقد ممثلًا فحسب، بل فقد قلبًا ظل يخفق على الشاشة نصف قرن.”

 

كاتبة المقال

الاستاذة/ ماريان مكاريوس

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.