تيسير عبد العزيز في “صفحة بيضا”.. صرخة تكشف قسوة المجتمع على المطلقة
في لحظة درامية مؤثرة من مسلسل “صفحا بيضا”, وقفت شيرين، التي تجسدها ببراعة تيسير عبد العزيز، في مواجهة شقيقها “إياد”، في محاولة يائسة لاستعادة حقها في الحب والحياة.
كتبت: ريهام طارق
المشهد بدا بسيطًا في تركيبه، لكنه زلزال عاطفي يهز قناعات المجتمع الراسخة، حين رد عليها شقيقها بحدة: “أنتِ عايزة إيه يا شيرين؟ مش معاكي بنتك؟”
في جملة واحدة، لخص المسلسل مأساة آلاف النساء المطلقات، اللواتي ينظر إليهن كأن حاجتهن للحب والزواج جريمة، كأن المطلقة يجب أن تعيش للأبد في ظل وضع مفروض عليها دون أن يسمح لها حتى بالتفكير في خيارات جديدة لحياتها.
المرأة المطلقة.. لماذا يحكم عليها المجتمع بالعزلة؟
بأداء عاطفي عميق، استطاعت تيسير عبد العزيز أن تعكس مشاعر كل امرأة تواجه هذا الواقع القاسي، المجتمع الذي يمنح الرجل الحق في الزواج بعد الطلاق، بل ويبارك له، هو نفسه الذي يفرض أحكامه القاسية على المرأة المطلقه، متجاهلًا أنها كائن بشري له نفس الاحتياجات العاطفية والاجتماعية.
من المؤلم أن نري أبناءً يتقبلون زواج الأب بسهولة، بينما يصبح زواج الأم بعد الطلاق كارثة تستحق الثورة والرفض، بل إن الأمر يصل إلى حد أن يتولى الأبناء، أو الإخوة، أو حتى الأهل، مهمة فرض العزلة على المطلقة، وكأنها فقدت حقها في الحب لمجرد أن زواجها الأول لم يكتمل.
شيرين في “صفحا بيضا” ، لم تكن مجرد شخصية درامية، بل كانت تجسيدًا واقعيًا لمعاناة آلاف النساء، اللواتي يعشن في سجن غير مرئي، بلا قضبان، لكنه أشد قسوة من أي سجن آخر.
اقرأ أيضاً:

زوجة الأب.. قدر الفقر أم حكم المجتمع؟
هناك أيضًا مشهد مهم لا يمكن تجاهله، رغم كونه قصيرًا، وأعتقد أنه مر بسرعة على المشاهد ولم يُعطَ حقه الكامل. إنه مشهد فاطمة، زوجة الأب، في مواجهتها مع الضابط إياد عندما سألها عن زواجها من والد ضي، الذي جسده الفنان القدير حسن العدل.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: فن التخلص من الشخص التوكسيك قبل أن يدمر جهازك العصبي!”

هذا المشهد يطرح أسئلة مشروعة عن واقعنا. تجسد فاطمة، التي قامت بأدائها النجمة الصاعدة أميرة حافظ، وهي نجمة أتوقع لها مستقبلاً باهراً بفضل صدق أدائها و احترافيتها، وقد نجحت في ترك أثر قوي في نفوس المشاهدين رغم صغر حجم دورها.
تسرد فاطمة في هذا المشهد الحزين لحظة اكتشفت فيها أنها أصبحت زوجة لرجل في عمر والدها، مشيرة إلى أن الحب لم يكن دافعها، ولا كان لها حق الاختيار، كانت أرملة فقيرة مسؤولة عن خمسة أطفال، ولم يتحمل شقيقها عبء رعايتها، فقرر أن الحل الوحيد هو أن تتزوج من رجل مسن ليزيل عن كاهله مسؤوليتها.
هذه القصة ليست استثناء، بل نموذج يتكرر مع العديد من النساء اللاتي يُجبرن على زواج غير متكافئ، هروبًا من الحاجة، للأسف في مجتمعاتنا، العربيه تُعامل المطلقة والأرملة كسلعة فقدت قيمتها، تُعرض بأقل الشروط ، وكأنها كائن ناقص لا يكتمل إلا بوجود رجل، أي رجل، بغض النظر عن الظروف أو الفارق في العمر أو مدى التوافق، المهم أن تجد من “يتحمل مسؤوليتها”، حتى لو كان الثمن هو عمرها كله.
هذا المشهد إنذار واضح بضرورة تمكين المرأة اقتصاديًا، لأن الاستقلال المادي وحده هو ما يمنحها حق الاختيار، حين تملك المرأة القدرة على إعالة نفسها، لن تجد نفسها مضطرة لقبول حياة لا تريدها، ولن تصبح ظروفها ورقة في يد الآخرين يقررون بها مصيرها. التعليم والثقافة والعمل ليست رفاهية، بل أدوات تحميها من أن تُدفع إلى قرارات لا تليق بها.
كم من فتاة تحلم بالزواج وكأنه طوق النجاة، متناسية أنه شراكة تحتاج إلى وعي واستقلال، لا مجرد عقد يضمن لها سقفًا تعيش تحته؟ كم من فتاة تخلت عن تعليمها، ظنًا أن الزواج المبكر هو الطريق الوحيد للحماية، ثم وجدت نفسها ضحية حياة لم تختارها، و أسيرة ظروف فرضت عليها؟
الحل يبدأ من تربية العقول:
المشكلة لا تكمن فقط في غياب التشريعات التي تحمي حق المرأة المطلقة في الزواج، بل في غياب الفكر الذي يؤمن بأن هذا حقها الأساسي ، والتغيير الحقيقي لا يبدأ من القوانين بل من التربية، و تفكيك تلك الأفكار المترسخة التي تجعل المجتمع ينظر إلى المرأة أنها ملكية خاصة لأهلها وأبنائها، بعد فشل أو انتهاء زواجها الأول لا كـ إنسانة حرة مستقلة.
الأم ليست إرثًا ولا يجوز التعامل معها ككائن منزوع الحق في الحياة:
لابد من غرس مفهوم أساسي في الأجيال القادمة الأم ليست إرثًا، ولا يجوز التعامل معها ككائن منزوع الحق في الحياة العاطفية، و الزواج شراكة إنسانية، وليس مجرد “حاجة جسدية”، كما يختزلها البعض عندما يتعلق الأمر يتعلق بالمرأة ، وأن الحياة المثالية لا تُمنح، بل تُبنى، والزواج ليس خلاصًا، للمرأة بل مرحلة تلي التأكد من أن الفتاة تملك حياتها المستقلة. قبل التفكير في الزواج، فكري في نفسك وفي مستقبلك، و في قدرتك على أن تكوني صاحبة مصيرك. لا تجعلي حياتك رهنًا بأحد، ولا تقبلي أن تكوني في خانة “الأوفر عليها عرض”، لمجرد أنك لا تملكين ما يحميكِ من هذا المصير.
إبداع درامي يستحق الشكر و التقدير:
مسلسل “صفحا بيضا”، لم يكن مجرد مسلسل درامي للترفيه فقط، بل كان مرآة تعكس واقعًا نعيشه و نتهرب من مواجهته. ولولا براعة القائمين عليه، لما وصل بهذه القوة إلى قلوب المشاهدين.
اقرأ أيضاً: مسلسل “شباب امرأة” بين النجاح الساحق والتكرار الباهت لتحفة سينمائية خالدة

أوجه تحية تقدير للكاتب المبدع حاتم حافظ، الذي تناول هذه القضية بجرأة ووعي نادرين، والمخرج أحمد حسن، الذي نقل النص إلى الشاشة بأسلوب احترافي جعل المشاهد يعيش التجربة بكل تفاصيلها.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: الدراما الرمضانية.. بين التكرار والتجديد في السباق المنتظر 2025


ولا يمكن أن نغفل الأداء الاستثنائي للفنان سامي الشيخ في دور “إياد”، الذي أضفى على المشهد بعدا نفسيا عميقا، كشف من خلاله عن وجه آخر للمجتمع الذي يكرس هذا الظلم بصور مختلفة، أداء سنعود للحديث عنه في مقال خاص.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: حذف أغنية أصالة حق أم انتقام؟

و أخيرًا، تبقى تيسير عبد العزيز علامة فارقة في هذا العمل، بأدائها الذي جعلنا نشعر بوجع “شيرين” وكأنها واحدة منا، نعرفها أو نعيش قصتها عن قرب.
سنعود بمقالات أخرى تستعرض جوانب مختلفة من العمل، وتحلله بعمق، لنقترب أكثر من تفاصيله وتأثيره في المجتمع.
مسلسل “صفحا بيضا”، تاليف حاتم حافظ ، ومن اخراج احمد حسن، ومن انتاج تامر مرتضى بطوله:” حنان مطاوع, نور محمود، حسن العدل، ميمي جمال، مها نصار، سامي الشيخ ، عمر الشناوي، أحمد الشامي ، أحمد والي، أحمد ماجد، أحمد الرافعي ، ماجده منير، تيسير عبد العزيز ، اميره حافظ، حنان يوسف ، نبيل علي ماهر، سامح الصريطي ، ايسل محمد رمزي، كريم عبد الخالق ، ايمن الشيوي ، سامح بسيوني، دعاء الحكم ، الطفلة داله” ومعهم مجموعه كبيره من النجوم الشابه.
يعرض حصريا علي شبكه قنوات ON الفضائيه يوميا في تمام الساعة العاشرة مساءً بتوقيت جمهورية مصر العربية.