كريم عبد السلام يكتب المنتحرون على صحراوى الإسكندرية
عادة ما نقرأ فى التقارير الدولية أن مصر من أكثر بلدان العالم فى معدل حوادث الطرق، وفى نسبة الوفيات الناجمة عن هذه الحوادث، كما أننا اعتدنا على إلقاء اللوم فى حوادث الطرق على عاملين اثنين لا ثالث لهما، الأول حالة الطرق السريعة والثانى السرعة الزائدة لبعض السائقين وتهورهم أثناء القيادة، غافلين عن وجود عنصر ثالث يزيد معدلات الحوادث المرورية ويضاعف أعداد الضحايا باستمرار، ألا وهو انعدام الثقافة المرورية لدى الأغلبية العظمى من المصريين، بل إن البعض منا يتعمد كسر إشارات المرور أو يسير عكس الاتجاه، أو حتى يسير على الطرق السريعة دون الالتزام بالمعايير والضوابط المرورية.
وفى هذا السياق أود أن أحكى لكم تجربة مفزعة مررت بها خلال الأيام الأخيرة، فقد تصادف أننى ذهبت للإسكندرية فى مهمة أسرية عاجلة، مما يعنى أننى مررت بالطريق الصحراوى الجديد ذهابا وإيابا، وهنا لن أطيل فى الكلام عن الحفر التى بدأت تظهر فى نهر الطريق بسبب أمطار الشتاء الماضى التى تشى بعدم إجراء صيانة دورية للطريق، فهذا رغم أهميته ليس النقطة الرئيسية التى أود أن أتحدث عنها، فالأخطر والمفزع الذى لفت نظرى هو عبور كثير من أهالى القرى نهر الطريق السريع وسط حركة السيارات التى تسير بسرعات كبيرة تتجاوز المائة كيلومتر!
فجأة تجد اثنين أو ثلاثة ممسكين بأيدى بعضهم ويبدأون عبور الطريق مثل الأمر الواقع المفروض بالقوة، هم قرروا العبور بصرف النظر عن حركة السيارات المسرعة وقدرة قائدى السيارات على التحكم بها، فتجدهم يمشون خطوة خطوة ببطء شديد إلى أن يعبروا الطريق وسط رعب السائقين من أن يتوقفوا فجأة أو يزيدوا حركتهم سرعة أو أن يرتبكوا، وكأننا فى فيلم لهيتشكوك أو سبيلبيرج، وبعد كيلو أو اثنين يتكرر نفس المشهد وندخل فى جولة رعب جديدة، هكذا من حدود العامرية وحتى وادى النطرون ومدينة السادات.
ومن أغرب وأخطر المشاهد فى هذا السياق، رجل فى منتصف العمر عبر حارة الطريق البطيئة ثم توقف عند نهر الطريق السريع لحظات واتخذ قرار المشى عبر الطريق إلى الناحية الأخرى، رغم وجود كوبرى مشاة بالقرب منه عند الكيلو 67 تقريبا، مما يعنى أننا بحاجة إلى برامج توعية مكثفة للمواطنين حتى نغير تلك الثقافة المرعبة، ثقافة الانتحار عبر الطرق السريعة ، وتبنى طريقة حياة مختلفة تلتزم بالقواعد والضوابط المرورية الأساسية.
وليس غريبا إذن أن تتصدر مصر قائمة الدول التى ترتفع بها معدلات حوادث الطرق، ويكشف تقرير الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء للعام الماضى 2017 بوضوح ارتفاع عدد حوادث السيارات، العام الماضى، إلى 14 ألفاً و710 حوادث بخسائر بلغت 21 ألف مركبة تالفة، و18 ألفاً و646 مصابا، و5343 متوفيا، وفى عام 2016 بلغ إجمالى عدد حوادث السيارات على الطرق، وفق تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء 14710 حادثة، ونتج عن هذه الحوادث 5343 متوفيا، و18646 مصابا، و21089 مركبة تالفة.
ضحايا وخسائر حوادث الطرق إذن تشبه إلى حد كبير ضحايا وخسائر الحرب، فمتى تتوقف الحرب على طرقنا السريعة؟ متى يحل السلام فى طرقنا؟ ومتى يتوقف نزيف الأسفلت؟
الحل يبدأ بتغيير العادات والثقافة السائدة، فمهما أنشأنا من طريق آمن وممهد، ومهما أجدنا فى تقديم الخدمات على جانبى الطريق، فالاهتمام بالإنسان وتغيير عاداته البالية وإقناعه بقبول النظام والانضباط يمثل النسبة الكبرى من الحل لقضية نزيف الأسفلت. نقلا عن اليوم السابع