كيف صنعت فنانة سورية ملامح الحملة الأكثر زخمًا في نيويورك؟

كيف صنعت فنانة سورية ..ملامح الحملة الأكثر زخمًا في نيويورك؟

✍️ بقلم: طه المكاوي

في مدينة لا تنام، حيث تُصنع القرارات على وقع أضواء ناطحات السحاب وصخب الجدل السياسي، تظهر شخصية لا تلهث خلف الكاميرات ولا تسعى لتصدر العناوين، لكنها تُغيّر قواعد اللعبة بهدوء الفنان وثقة من يعرف أثر التفاصيل. قبيل ساعات من واحدة من أهم انتخابات كبرى مدن العالم، تتجه الأنظار — ولو بفضول خافت — نحو امرأة لا تقف على المنصة، بل خلفها، تُعيد تشكيل حدود ما يمكن لشريكة سياسي أن تفعله. إنها راما دوجي، الفنانة السورية-الأمريكية التي انتقلت من مرسم الفن إلى مطبخ القرار في نيويورك، لتكتب فصلًا جديدًا في العلاقة بين الإبداع والسلطة، وتُثير سؤالًا غير مباشر: من قال إن السياسة لا تُرسم؟

قبل يوم واحد فقط من انتخابات عمدة نيويورك المقررة في 4 نوفمبر 2025، تتجه الأنظار ليس فقط نحو المرشح الديمقراطي الأوفر حظًا زهران ممداني، بل أيضًا نحو الشخصية الهادئة التي تلازمه من خلف الستار وتُعيد تعريف دور شريكة السياسي في العصر الحديث: الفنانة السورية-الأمريكية راما دوجي.

امرأة خلف الضوء لا خارجه

تفضّل راما الابتعاد عن الكاميرات والأحاديث الإعلامية. لكنها، في الكواليس، صنعت جزءًا مهمًا من مشهد صعود ممداني: من بصمة الهوية البصرية للحملة، إلى نَفَس فني معاصر في أدوات التواصل السياسي جعل اسم المرشح يتردد بقوة بين أجيال الشباب والمجتمع متعدد الثقافات في نيويورك.

جذور عربية وانطلاقة عالمية

وُلدت راما في هيوستن لأصول سورية، وانتقلت إلى دبي في سن التاسعة، قبل أن تعود إلى الولايات المتحدة لدراسة الفن في جامعة فرجينيا كومونولث. ثم تابعت شغفها بالفن المعاصر وحصلت على ماجستير في الفن التصويري من مدرسة الفنون البصرية في نيويورك.

أعمالها الفنية عُرضت في منصات عالمية مثل Vogue وThe New Yorker وBBC وThe Cut، وتتميز بتركيزها على قضايا المرأة في الشرق الأوسط والدفاع عن الفلسطينيين — رسالة سياسية وإنسانية تُترجمها راما بريشتها قبل كلماتها.

فن يصنع هوية سياسية

رغم صمتها الإعلامي، كان حضورها حاسمًا في رسم الصورة البصرية لحملة ممداني؛ إذ اختارت لوحة ألوان تُجسّد روح المدينة:

البرتقالي المستوحى من بطاقات مترو نيويورك

الأزرق المرتبط بفريق “نيويورك ميتس”

الأحمر الناري رمز الطاقة والجرأة

كما ساعدت في تطوير استراتيجية الحضور الرقمي والتواصل الاجتماعي، ما جعل الحملة تُخاطب أطيافًا واسعة من الناخبين بلغة معاصرة تجمع بين الفن والسياسة.

قصة حب من تطبيق المواعدة إلى مشهد سياسي استثنائي

تعرفت راما إلى ممداني عبر تطبيق Hinge عام 2021، ثم أعلنا خطوبتهما في أكتوبر 2024، وتزوجا في فبراير 2025 في مكتب كاتب المدينة بمانهاتن. علاقة عصرية بدأت بهدوء، لكنها اليوم تقف على أعتاب تغيير تاريخي محتمل في أكبر مدينة أمريكية.

فنانة لا تُقلّد.. بل تُعيد التعريف

أفكار راما لا تتماهى تمامًا مع السياسة، لكنها تسير في خط متوازٍ معها: فناً حرًا، ورؤية مستقلة، وصوتًا يعلو دون صراخ. وإذا فاز ممداني، فستكون أول فنانة من جيل زد تتولى دور “السيدة الأولى لمدينة نيويورك”—بدون خطابات رسمية، لكن بحضور فني يحرك الوعي ويعيد تشكيل صورة الشريك السياسي.

بعيدًا عن البهرجة السياسية وملاسنات الحملات، تُقدّم راما دوجي نموذجًا مختلفًا لشريك الحياة في المشهد العام؛ نموذجًا يتجاوز الصورة التقليدية التي تربط “السيدة الأولى” بالابتسامات الرسمية والخطابات المصقولة. هي صوت ثقافي يستخدم الفن كامتداد للفكر، وحضور يوازن بين الدعم والتفرّد، بين التأثير غير المرئي وصناعة الاتجاهات. وفي حال انتصار زهران ممداني، لن يكون الحدث فقط انتخاب أصغر وأول عمدة مسلم لنيويورك، بل ولادة نسخة جديدة من الشراكة السياسية: حيث يصبح الفن جزءًا من هندسة السلطة، وحيث تُكتب ملامح المستقبل بقدر ما تُخطّط. هكذا تكشف راما دوجي أن السياسة الحديثة لم تعد ساحة صخب فقط، بل مساحة تجديد رمزي وثقافي، قد يبدأ بفرشاة، لكنه يمتد إلى مدينة

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.