جورج جرداق عاش أسيراً لرائعته “هذه ليلتي” لأم كلثوم .. حوار نادر قبل رحيله
جورج جرداق .. واحدا من الشعراء العظماء الذين قدموا الكثير والكثير من القصائد والأشعار الجميلة التى أمتعتنا سنوات طويلة ولازلنا نستمتع بها حتى اليوم .
حاورته الإعلامية الكبيرة / أمال علام
في عام 1998 في زيارة للإذاعة اللبنانية، قدمته لي مندوبة العلاقات العامه، في اواخر الستينيات من عمره، يكسو شعره اللون الأبيض هادئ، ببدلة رماديه قالت : الاستاذ جورج جرداق صاحب أغنية ( هذه ليلتي) أعرف أسمه جيدا لكني لم أكن أعرف شكله، طبعا الشاعر الكبير لايحتاج إلي تعريف!!
شعرت بالأنبهار اردت فقط أن أسمعه، وكثيراً الانبهار بالضيف بيضعف الحوار..
ويبدو إني تأثرت بما قالته بدأت الحوار حول لقائه بأم كلثوم وعبد الوهاب ، والحكايات كانت كثيرة منها من يقول إن أم كلثوم هي من طلبت منه أن تغني من أشعاره ، وأخري عبد الوهاب ..
قال الشاعر الكبير إنه التقي بها بالفعل في عام 1965، لكن من طلب منه القصيدة عبد الوهاب الذي أمضي في لبنان عام كامل، أكيد بعد النكسة عبد الوهاب ليس له في الحزن..
في عام 1968 التقي به في فندق امباسادور فاكرة أسم الفندق جيدا، كنت بسمع فقط، والاستاذ جورج كان يشعر بالسعادة وهو يتحدث عن اللقاء، بعدما كتب القصيدة نالت إعجاب عبد الوهاب وقال له إنها السهل الممتنع…
عبد الوهاب في نفس السنة 1968 كان له لحن آخر لقصيدة من أجمل القصائد التي غنتها فيروز للشاعر الكبير سعيد عقل ( مر بي) ..
عرضها علي ام كلثوم طبعا وضعت بعض اللمسات، وكيف أقنعها عبد الوهاب بصعوبة أن يظل مقطع ( يا حبيبي وانت خمري وكأسي)..
كأن الزمن توقف بالأستاذ جورج عند تفاصيل العمل ودقة الوصف لكل شئ، ونشوة النجاح التي كانت تحملها كلماته وهو يعيد علي مسامعي مقاطع من أجمل القصائد التي غنتها أم كلثوم ولحنها عبد الوهاب وأول أغنية تغنيها بعد ٦٧..
هذه ليلتي وحلم حياتي
بين ماض من الزمان وآت
الهوى انت كله والاماني
فأملا الكأس بالغرام وهات
بعد حين يبدل الحب دارا
والعصافير تهجر الاوكارَ
وديار كانت قديما ديارا
سترانا كما نراها قفارا
زمن القصيدة ليله علي لسان الحبيبة التي تطلب صراحة أن تعيش الليلة التي تحلم بها، بعيدا عن الماضي والمستقبل قبل أن يأتي الزمان بتغير الأحوال وعبرت عنها برغبتها في ملء الكأس بالغرام قبل أن تترك العصافير اعشاشها وتخلو البيوت من ساكنيها يعني قبل أن يغدر الدهر، و تلعب بهما الأقدار
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر
فتعال احبك الآن اكثر
والمسا الذي تهادى الينا
ثم اصغى والحب فى مقلتينا
لسؤال عن الهوى وجواب
وحديث يذوب فى شفتينا
قد اطال الوقوف حين دعاني
ليلمّ الاشواق عن اجفاني
فادن مني وخد اليك حناني
ثم اغمض عينيك حتى تراني
وليكن ليلنا طويلا
فكثير اللقاء كان قليلا
صور شعرية بديعة ( حديث يذوب ، خد اليك حناني، اغمض عينيك حين تراني” عندما نغمض نري بقلوبنا فتكون الرؤية أجمل”، كثير اللقاء قليل.. حاجة في ال 13 كده)
الاستاذ جورج كان له كتابات كثيرة ولكنه كان أسيراً( لهذه ليلتي) عندما يلتقي النيل بالجبل الأخضر .. عبارة لأم كلثوم قالتها بعد نجاح القصيدة، رددها أكثر من مرة وهي عبارة بليغة الحقيقة ..
ياحبيبي طاب الهوى ماعلينا
لو حملنا الايام فى راحتينا
صدفه اهدت الوجود الينا
واتاحت لقاءنا فالتقينا
فى بحار تئن فيها الرياح
ضاع فيها المجداف والملاح
كم اذل الفراق منا لقاء
كل ليل اذا التقينا صباح
ياحبيب قدّ طال فيه سهادي
وغريب مسافر بفؤادي
مازالت الحبيبة تسوق المبرارات لاهمية أن تحيا الليلة مع شدة الشوق وتصور ع غرار ( طاب الهوي، الصدفة التي أهدت الوجود، وصورت الأيام بشئ ملموس يحمل في الايدي وقبل أن تأتي البحار بما لا تشتهي السفن )
ويؤكد في ختام كل مقطع أن الحياة سوف تلعب بنا خلينا في الليلة وفي اللحظة نعيشها كما نريد :
سوف تلهو بنا الحياة وتسخر
فتعال احبك الآن اكثر
مقطع ختم بها كل الكوبليهات ليؤكد ان الحياة غير مضمونه وهي كده فعلا ..
لا أتذكر الوقت الذي مضي وهو يتحدث باريحيه عن أيقونته ، حاولت أن أتحدث معه عن عمله في الإذاعة ، أو عن كتبه التي ألفها منها كتاب عن سيدنا علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه) واشعاره الأخري ومشاريعه المستقبليه .. تحدث باقتضاب كأنه كان أسيرا لقصيدته ( هذه ليلتي) ونجاحها مستمتعا بذكري نجاحها .. الحقيقة إنها من أجمل القصائد التي لحنها عبد الوهاب وغنتها كوكب الشرق..
رحل في 2014 والعناوين رحل شاعر هذه ليلتي ..الأستاذ جورج جرداق