محمود ياسين أسطورة ستظل أثرها خالدا في الذاكرة

محمود ياسين: صوت الإبداع والسحر الذي عانق وجدان محبيه

ذكري رحيل محمود ياسين
ذكري رحيل محمود ياسين

كتبت: ريهام طارق 

في مثل هذا اليوم، رحل عن عالمنا فتى الشاشة الأول، النجم الذي خلد اسمه في صفحات السينما المصرية، الفنان الكبير محمود ياسين، صباح الأربعاء، 14 أكتوبر 2020، توقف نبض قلبه بعد صراعٍ طويل مع المرض، ليتوقف معه صوتٌ ملأ الحياة حبًا وشجنًا، ويغيب نجمٌ لطالما أضاء سماء الفن، تاركًا وراءه فراغًا لا يمتلئ وذكريات لا تموت.

تلك كانت رحلة تنتهي بالوداع، لكن ليست كل النهايات هي النسيان كصدى الرياح التي تهمس في آذاننا، يبقى صوته يتردد بين جنبات المسارح وقاعات السينما، صوتٌ كان يعرف كيف يسرق القلوب بنبرة حزينة وأداء صادق، لم يكن مجرد فنان، بل كان نبضًا ينبعث في أدواره، وملامحه الحزينة كانت مرآة لعواطفٍ عميقة تستقر في قلوب من شاهده.

في ذكرى رحيله، نستذكر شريطًا طويلاً من اللحظات التي زرعها في نفوسنا، حين كان الحب يتدفق من عينيه بلا كلمات، وحين كان الحزن ينساب من ملامحه في مشاهد أبدع فيها تمثيل الألم والشجن كان محمود ياسين، بروحه الهادئة وابتسامته الحزينة، يمثل رمزية للفن الصادق الذي يلامس قلوب الجميع.

اقرأ أيضاً: “نص فيتو” يعلن عن ميلاد الطفلة المعجزة تمارا حجاج

غاب جسده، لكن روحه بقيت تتجول بيننا من خلال إرثه الفني، تلك الأفلام والمسلسلات التي لا تزال تعيد نفسها في ذاكرتنا، لم يكن محمود ياسين ممثلًا فحسب، بل كان شاعرًا بصوته، ورسامًا بنظراته، وأسطورةً سيبقى أثرها خالداً في كل قلب عشق فنه وتأثر بإبداعه.

رحل محمود ياسين، لكن حكاياته لا تزال تنبض بين السطور، تمامًا كدموعٍ لم تجف بعد، وابتساماتٍ ولدت من رحم الألم.

ذكري رحيل محمود ياسين
ذكري رحيل محمود ياسين

بدايه الرحله ومشوار فني طويل:

في مدينة بورسعيد العريقة، وُلد النجم محمود ياسين عام 1941، وكأن السماء أهدت تلك المدينة فناناً من طرازٍ نادر، تحمله الرياح على أجنحة الأحلام بعيداً عن بساطة العيش إلى عوالم الفن الخالدة، نشأ بين أزقة المدينة وشوارعها.

كان والده موظفاً بسيطاً في هيئة قناة السويس، لكن داخل قلب محمود اشتعلت نيران الشغف المبكر بالفن، وكأن القدر كان يدفعه نحو عالمٍ يتجاوز حدود الواقع.

في مدرسته الإعدادية، كان المسرح هو تلك النافذة الصغيرة التي تطل على قلبه، يعبر فيها عن أحلامه وكلماته التي تفيض بالمشاعر الجياشة، وعندما حان وقت الرحيل إلى القاهرة، ليكمل دراسته في كلية الحقوق، كان يعلم أن قلبه لن يهدأ إلا على خشبات المسرح، تلك الخشبات التي يشعر فيها بأن كلماته ليست مجرد كلمات، بل نغمات تحملها نبضات قلبه إلى جمهور يعشق الفن كما يعشقه.

لم يكن اختيار التمثيل سهلاً في مجتمعٍ يقدّر المهن التقليدية، لكن محمود ياسين كان فنانًا بالفطرة، يجسد الجرأة والإصرار في قراره بأن يتبع حلمه، تاركاً خلفه قاعات المحاكم، و يجد ملاذه في أضواء المسرح والشاشة الكبيرة، بدأ طريقه الفني بأدوارٍ صغيرة في السينما عام 1968، لكن تلك البداية كانت بمثابة البذور التي نمت لتصبح شجرة شاهقة الجذور في عالم الفن.

اقرأ أيضاً: غدر الحبيبة .. مشاعر الجرح والخيانة ونتائجها المدمرة وأفضل طرق النسيان

المسرح عشق محمود ياسين الأول والأبدي:

كان المسرح عشق محمود ياسين الأول والأبدي، المكان الذي احتضن أحلامه وبث فيها الروح من جديد، هنا، وعلى خشبة المسرح القومي، وجد نفسه أخيرًا، قدم أروع الأدوار المسرحية التي حملت في طياتها مشاعره المتدفقة، وآلام جيله، وحبه الأبدي للوطن والحياة، وقدم أكثر من 20 مسرحية، كل واحدة منها كانت تروي حكاية عشق خاص به، حيث جسد الحب والمأساة والحلم في “ليلى والمجنون”، واستدعى في “وا قدساه” روحه المحاربة لأجل الكرامة، وفي “الخديوي” استعاد مجد التاريخ، وكأن الزمن نفسه ينحني أمام أدائه المبهر.

اقرأ أيضاً: فيلم “نص فيتو” يشهد نجاح وانطلاقة مصطفى حجاج كمخرج سينمائي

محمود ياسين في عالم السينما
محمود ياسين في عالم السينما

محمود ياسين الفتي الأول في عالم السينما المصرية:

تحوّل محمود ياسين في عالم السينما إلى أيقونة لا يُمكن ذكر الشاشة المصرية دون وجوده فيها. يمتلك رصيدًا من أكثر من 150 فيلمًا يشهد لها، بين عامي 1968 و2012، عناوين تلك الأفلام تُعيد إلى الأذهان وجوه الزمن وتجاربه، مثل “الرجل الذي فقد ظله”، و”شيء من الخوف” حيث كانت هذه الأفلام بمثابة بوابات تُدخلنا إلى عوالم الحب والدراما، وكل ما يتصارع داخل النفس البشرية، كان محمود ياسين يتحدث في كل دور بصوت الملايين، مُعبرًا عن مشاعر الناس، بما في ذلك أفراحهم وآلامهم.

بصوته العميق، الذي كان يتردد في الفضاءات الفنية والوطنية، لم يكن محمود ياسين يمثل فقط أمام الكاميرا أو الجمهور، بل كان يعبر عن أحلام أمة ومشاعرها، يتحدث عن الحنين، الوطن، والفن الذي يتجاوز كل الحدود.

اقرأ أيضاً: مسلسل “وتر حساس”..البوستر الرسمي قبل عرضه على “ON” 

في فترة السبعينيات، حاز محمود ياسين على لقب “فتى الشاشة الأول”، حيث تعاون مع أبرز نجمات السينما في تلك الفترة، مقدّمًا أعمالاً أصبحت أيقونات في ذاكرة السينما المصرية، في عام 1970، شارك بدور ثانوي مع الفنانة شادية في فيلم “شيء من الخوف”، ليحقق معها انطلاقة حقيقية في رائعة “نحن لا نزرع الشوك” عام 1971، بعد أن اكتشفه المخرج حسين كمال.

عمل مع معظم نجمات تلك الحقبة، وكانت أبرز هذه التعاونات مع سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة، حيث قدّم معها أفلامًا ناجحة تُعد من كلاسيكيات السينما كما تعاون مع نجلاء فتحي في أكثر من 20 فيلمًا، من بينها “حب وكبرياء” عام 1972، و”بدور عام” عام 1974.

مع الفنانة القديرة ميرفت أمين، قدّم محمود ياسين أكثر من 13 فيلمًا، منها “لا تتركني وحدي” عام 1975، و”الشيطان” عام 1978. وفي نفس العام، شارك مديحة كامل بطولة فيلم “الصعود إلى الهاوية” ضمن 7 أفلام أخرى، كما تعاون مع سعاد حسني في 3 أفلام، منها “على من نطلق الرصاص” عام 1975. كما قام ببطولة أفلام غنائية واستعراضية مثل “مولد يا دنيا” عام 1976.

وفي الثمانينيات، قدّم محمود ياسين أكثر من 50 فيلمًا، منها “الباطنية” عام 1980، و”السادة المرتشون” عام 1983، و”الجلسة سرية” عام 1986، و”موعد مع القدر” عام 1987.

في التسعينيات وحتى اعتزاله، قدّم محمود ياسين 22 فيلمًا، من أبرزها “تصريح بالقتل” عام 1991، و”امرأة تدفع الثمن” عام 1993، و”ثلاثة على مائدة الدم” عام 1994، واستمر في التألق حتى دوره في فيلم “الجزيرة” عام 2007، والوعد” عام 2008، قبل أن يُنهي مسيرته الفنية التي امتدت لأكثر من نصف قرن بفيلم “جدو حبيبي” عام 2012.

محمود ياسين مع حفيده
محمود ياسين مع حفيده
أشهر جندي في السينما المصرية
أشهر جندي في السينما المصرية

محمود ياسين من أبرز من قدموا شخصية الجندي المصري في السينما المصرية:

يُعتبر محمود ياسين من أبرز من قدموا شخصية الجندي المصري في السينما حيث تألق في أفلام مثل “أغنية على الممر” عام 1972، و”الرصاصة لا تزال في جيبي”، و”الوفاء العظيم”، و”الظلال في الجانب الآخر” عام 1974، و”حائط البطولات” عام 1998، و”فتاة من إسرائيل” عام 1999.

الدراما التلفزيونية: 

أيضا قدم محمود ياسين العديد من الأعمال التلفزيونية، العظيمة حيث قدم حوالي 65 مسلسلًا حققت نجاحًا كبيرًا، بدءًا من “المطاردة” عام 1969، مرورًا بـ”غدًا تتفتح الزهور” الذي أهدى فيه الأطفال أغنية بصوته، و”جمال الدين الأفغاني”، و”محمد رسول الله” عام 1984، و”العز بن عبد السلام” عام 1987، و”أيام المنيرة” عام 1994.

واصل نجوميته في “الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان” عام 1997، و”خلف الأبواب المغلقة” عام 1999، وصولاً إلى “سوق العصر” عام 2001، و”العصيان” و”ثورة الحريم” عامي 2002 و2003، وكان “ماما في القسم” اخر مسلسل قدّمه مع سميرة أحمد عام 2010.

محمود ياسين
محمود ياسين

اكثر ثلاث شخصيات أثرت علي الفنان محمود ياسين:

بعد أكثر من 140 فيلمًا وحوالي 65 مسلسلاً تلفزيونيًا و12 مسرحية و14 مسلسلاً إذاعيًا، صرح محمود ياسين في أحد لقاءاته الصحفية عام 2014 إنه يتوقف أمام ثلاث شخصيات في ثلاثة مسلسلات أثرت فيه بشكل خاص وهم: “حامد الغرباوي، رمز الحكمة في “العصيان”، وأبو حنيفة، رمز التقوى في “الإمام أبو حنيفة النعمان، و حلمي عسكر، رمز الشر في سوق العصر”.

محمود ياسين مع زوجته الفنانه شهيره
محمود ياسين مع زوجته الفنانه شهيره

قصة حب محمود ياسين وشهيرة رمز الرومانسية والتحديات والوفاء: 

تنمو أحيانًا قصص حب تحمل طابعًا خاصًا، حيث يتقاطع الفن بالحياة، وتذوب النجومية في ظل العلاقة الإنسانية، هذا ما تجسد في قصة الحب الخالدة بين الفنان الكبير محمود ياسين وزوجته الفنانة شهيرة، حيث امتدت علاقتهما لأكثر من خمسين عامًا، كانت رمزاً من الوفاء والعطاء رغم كل التحديات.

الفنانه القديرة شهيره زوجه الراحل محمود ياسين
الفنانه القديرة شهيره زوجه الراحل محمود ياسين
محمود ياسين
محمود ياسين

قصة حب تثبت أن الفن قد يجمع القلوب، لكن الإخلاص هو ما يبقيها نابضة حتى النهاية:

عام 1969 كان عامًا فارقًا، ليس فقط لـ محمود ياسين الذي كان على أعتاب النجومية المسرحية، بل أيضًا لشهيرة، الشابة التي بدأت تشق طريقها في عالم الفن، كانت المصادفة التي جمعتهما داخل أروقة معهد السينما بداية لقصة حب خالدة.

رأي محمود ياسين في شهيرة أكثر من مجرد ممثلة، بل وجد في شخصيتها القوة والثقة، رغم حداثة تجربتها وصغر سنها.

ولكن الحب لا ينمو دون محفزات، وهنا كان للنجم الراحل أحمد زكي رحمه الله، زميل شهيرة في المعهد، دورًا محوريًا، تدخل أحمد زكي وشجع محمود ياسين على اتخاذ خطوة الخطوبة، وبعدها بدأ ميلاد علاقة كان مقدرًا لها أن تتحدى الزمان

محمود ياسين مع زوجته شهيره
محمود ياسين مع زوجته شهيره

زواج يحمل في طياته الفن والحياة:

في عام 1970، وعلى هامش تصوير فيلم “الخيط الرفيع”، تمت مراسم الزواج، كانا ثنائيًا متكاملًا، تعاونا في العديد من الأعمال الفنية، في ما يقرب عن 14 فيلمًا، لعل من أبرزها :”سؤال في الحب، الجلسة سرية”، لم تكن تلك الأفلام مجرد أعمال فنية، بل كانت إشارات إلى تناغم عميق بين شخصيتين استثمروا حياتهم في الفن والحب على حد سواء.

وبالرغم من النجاحات التي حققها الزوجان في حياتهما المهنية، شعرت شهيرة بأن الحياة الأسرية جاءت على حساب طموحاتها الفنية، كانت تتحدث في أكثر من مناسبة عن تضحياتها من أجل الأسرة، وكيف أنها اختارت الابتعاد عن النجومية الكبيرة التي كانت في متناول يدها، ومع ذلك، لم يكن هناك مرارة، بل كان هناك فهم عميق لأهمية العائلة في حياة كل منهما.

لم تكن الحياة خالية من التحديات، فقد مرت العلاقة بفترة قصيرة من الانفصال، تلك الفترة، وإن كانت غامضة بالنسبة لكثيرين، كانت نتيجة لتدخلات من الآخرين ومحاولات زرع الشكوك والغيرة بينهما، ومع ذلك، لم يكن هذا الشرخ إلا موجه قصيرة في بحر عميق من الوفاء، إذ سرعان ما تصالحا وعادت المياه إلى مجاريها، لتكمل الحكاية بوفاء حتى رحيل محمود ياسين.

عائله محمود ياسين
عائله محمود ياسين

، أغلقت صفحة حياة محمود ياسين برحيله، ولكن قصة الحب التي جمعته بشهيرة ظلت حية في قلبها، لم تكن قصتهما مجرد علاقة بين نجمين في سماء الفن، بل كانت ملحمة إنسانية عن الحب، الوفاء، والصمود أمام رياح الزمن، إنها قصة حب تلهم الجميع، ثبت أن الفن قد يجمع القلوب، لكن الإخلاص هو ما يبقيها نابضة حتى النهاية.

عائله الفنان محمود ياسين
عائله الفنان محمود ياسين

نهايه الرحله..وداعاً محمود ياسين.. لروحك السلام الذي لا ينتهي.

يبقي محمود ياسين رغم الغياب، تاركا أثراً يتحدث عنه الزمن ويخترق حدود النسيان، سيظل محمود ياسين، رمزاً من رموز السينما المصرية، وأيقونة للبراعة والتفاني، وصدق الإحساس، سيظل صوته يتردد في قلوبنا، محمود ياسين لم يكن نجماً فحسب، بل كان علامة في تاريخ السينما المصرية.

رحل محمود ياسين عن هذه الحياة في أكتوبر 2020، لكن إرثه الفني لا يزال حيًا، واليوم، ونحن في ذكرى رحيله سيظل محمود ياسين في قلوب كل محبيه، وستبقى صورته عالقة في أذهاننا، ترافقنا كلما اشتقنا لزمن الفن الجميل.

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.