مدارس الادب ما بين الثريا وحتى عناق الثرى.. بقلم وائل جنيدى

نظرة الى مدارس الادب فى العصر الحديث

 

مدارس الادب ما بين الثريا وحتى عناق الثرى.. بقلم وائل جنيدى

بسم الله الرحمن الرحيم

على مر عصور العرب كانت لآداب العر ب مدارس وطرائق يتبعها التابعون ويؤثث لها الاساتذة المتقنون ولم يكن يوما لمدرسة من مدارس العرب في الادب مثل ما لأدبنا الحالي من شح وهزال بادي لكل عائن فكما قال القدامى (هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وسامها كل مفلس) .. وللمفارقة ان هذا القول المأثور قيل في الاصل في الادب والتدريس في عصور كان اقل الناس علما يصلح نابغة من نوابغ الادب والعربية. وان الناظر المدقق لحالنا الادبي اليوم والذى بات في حال من التردي نخجل امامه من انا نحن من نحمل مشعل ادب هذه الحقبة ولسنا حتى اهل لان نكون طلاب علم في اول الطريق جدا .

ولنعد الى الخلف سنوات يسيرة بمنظور التاريخ وقت ان كان على الساحة الادبية شوقي وحافظ ابراهيم ومحمود سامى البارودي في طرف والعقاد والمازني وشكري في طرف وغير هؤلاء ممن يجنح الى احد الفريقين العظيمين حين دارت بينهم المعارك الادبية الطاحنة والتي لم تزد الادب العربي إلا بهاءً وجلالاً فكان هجاءهم لبعضهم دروس جديدة في الادب العربى وطرائق الكتابة الناقدة وقد اسسوا في الوقت ذاته لعلم النقد الادبي الحديث لذات الغرض وكانت امداحهم في بعضهم البعض ما بلغ الغاية فى الرقى وجمال التعبير واستخدام ادوات اللغة وتطويعها لتناسب كل مطلب ادبى ممكن

وتوالت من بعدها المدارس المجددة تدفع بالأدب الى عنان السماء ثم على حين غرة او على حين غفلة من كل متعن دارس للأدب انهار كل شيء .

فاردنا هنا ان نضع بين ايدى القارء الكريم شيئا يسيرا من تاريخ الادب الحديث فنبدأ

الإحياء والبعث وهى المدرسة التي ظهرت في مصر في أوائل العصر الحديث، والتزم فيها الشعراء بنظم الشعر العربي على النهج الذي كان عليه في عصور ازدهاره، منذ العصر الجاهلي حتى العصر العباسي. ويعد رائد هذه المدرسة محمود سامي البارودي ومن أشهر شعراء هذا النهج: أحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأحمد محرم وعلي الجارم وغيرهم.

وقد حافظ شعراء هذه المدرسة على نهج الشعر العربي القديم في بناء القصيدة؛ فتقيدوا بالبحور الشعرية المعروفة ، والتزموا القافية الواحدة في كل قصيدة. و تابعوا خطى الشعراء القدماء

كما أقدموا على استعمال الألفاظ على شاكلة  القدماء فجاءت بعضها غريبة على عصرهم نوعا ما لكنها على كل حال كانت مفهومة مقبولة

وأقدم كثير منهم على مناظرة روائع الشعر العربي القديم، وقلدوها بقصائد مماثلة وزناً وقافية أو موضوعاً وكانت تسمى هذه بـالمعارضة على نحو ما فعل شوقي في قصيدة نهج البردة التي عارض بها قصيدة البردة للإمام البوصيري.

ورغم كل ما قدموه من تقليد وانتهاج لما هو قديم إلا أنهم استحدثوا أغراضاً شعرية جديدة لم تكن معروفة من قبل في الشعر العربي، كالشعر الوطني ، والشعر الاجتماعي ،والقصص المسرحي، ونظموا الشعر في المناسبات الوطنية والسياسية والاجتماعية. واعتمدوا في نظمهم على الأسلوب الخطابي الذي يلائم المحافل. وكان شعرهم في مجمله هادفاً، جاداً في معناه، تنتشر الحكمة والموعظة بين ثناياه.

المدرسة الرومانسية -الرومانسية، الرومانطيقية، الرومانتيكية ،-كلمات ثلاث  لمعنى واحد، وينصرفن إلى ذلك المذهب الأدبي الذي ظهر في أوروبا- وبخاصة في فرنسا- بعد قرن ونصف من ظهور الكلاسيكية وذلك في الربع الأخير من القرن الثامن عشر، والرومانسية يقابلها الواقع وقد عرفت الرومانسية “بالابتداعية أو الإبداعية” بسبب أنها تعد ابتداعاً في المذهب الكلاسيكي،

وقد ظهر الأدب الرومانسي في الوطن العربي في الربع الأول من القرن العشرين، وذلك لأسباب كثيرة منها:

هجرة كثير من الأدباء العرب أوروبا نظراً لسوء الحالة الاقتصادية. وسفر البعثات العربية إلى أوروبا العلم .ونشاط حركة الترجمة من الآداب الأوروبية إلى الأدب العربي مما أدى إنشاء جيل من الأدباء العرب اختلطوا بأدباء الغرب وأسسوا جمعيات أدبية ظهر فيها هذا الأثر.

وبتأثير ذلك ظهر الاتجاه الرومانسي في الأدب العربي الحديث، وكان أول من دعا إليه “خليل مطران”.

وكانت هناك المدارس التي عززت الاتجاه الرومانسي في الشعر العربي الحديث:

أولها: مدرسة شعراء الديوان-شكري والمازني والعقاد-، وقد دعوا إلى شعر الوجدان وأكدوا وحدة القصيدة على طريقتهم.

ثانيتها: مدرسة أبولو التي كونها الشاعر الكبير الدكتور أبو شادي وقد دعا إلى الأصالة والفطرة الشعرية والعاطفة الصادقة.

ثالثتها: مدرسة المهجر وقد أكدوا الدعوة إلى التجديد بين الرومانسية الغربية والعربية وقد اتخذوا سبيلهم بين هذا وذاك

فالرومانسية الغربية كانت ذات رسالة تنطوي على “ثورة اجتماعية فنية” في مواجهة الكلاسيكية،

– الرومانسية العربية تحاكي الرومانسية الغربية بعدما أدت دورها، فاعتنت الرومانسية بالأمور الذاتية وتناولت اغتراب الإنسان العربي عن واقعه، وسيطرة جنسيات غربية عنه في وطنه، والتعبير عن موقف الرومانسية واحد، ألا وهو “العاطفة ” التي تحمل المفارقات من ( الحزن- الألم- الاغتراب- الفراق- الهجر- النجوى-..وغيرها من المشاعر الداخلية للكاتب ذاته)ولا نغفل دور هذا الاتجاه الادبي في مساندة الحراك الشعبي زمن الزعيم سعد زغلول حتى ان هذا التوجه الادبي قد وصم بالطابع الثوري الوطني

ومن ملامح وخصائص المدرسة الرومانسية  غلبة الخيال والعاطفة. والتجديد والابتكار في الأسلوب والألفاظ .والوحدة العضوية (الأفكار والعاطفة والموسيقى .وظهور شخصية الشاعر ،فهي تعبير عن ذات الأديب ونوازعه .

مدرسة الديوان هي حركة تجديدية في الشعر العربي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين على يد عباس محمود العقاد وإبراهيم المازني وعبد الرحمن شكري. سميت بهذا الاسم نسبة إلى كتاب ألفه العقاد والمازني وضعا فيه مبادئ مدرستهم واسمه “الديوان في الأدب والنقد”. حُددت أهداف المدرسة كما يقول العقاد في الديوان: «وأوجز ما نصف به عملنا إن أفلحنا فيه أنه إقامة حد بين عهدين لم يبق مال يسوغ اتصالهما والاختلاط بينهما، وأقرب ما نميز به مذهبنا أنه مذهب إنساني مصري عربي».

ومما تدعو إليه المدرسة التمرد على الأساليب القديمة المتبعة في الشعر العربي سواء في الشكل أو المضمون أو البناء أو اللغة.

نهجت هذه المدرسة النهج الرومانسي في شعرها ومن أبرز سمات هذه المدرسة الدعوة إلى التجديد الشعري في الموضوعات و الاستفادة من الادب الغربي والاطلاع على الشعر العربي القديم والاستعانة بمدرسة التحليل النفسي

وقد تكونت من الشعراء الثلاثة (العقاد، المازني، شكري)، الذين كانوا متأثرين بالرومانسية في الأدب الإنجليزي، ولديهم اعتزاز شديد بالثقافة العربية. وسميت مدرسة الديوان بهذا الاسم نسبة إلى كتابهم (الديوان في الأدب والنقد) الذي أصدره العقاد والمازني فسمى الثلاثة (جماعة الديوان، أو شعراء الديوان، أو مدرسة الديوان)، والواقع أن آرائهم الشعرية قد ظهرت قبل ذلك ، وقد نظر هؤلاء إلى الشعر نظرةً تختلف عن شعراء مدرسة الإحياء، فعبروا عن ذواتهم وعواطفهم، وما ساد عصرهم، ودعوا إلى التحرر من الاستعمار وتحمُّل المسئولية،

وكان مفهوم الشعر عند جماعة الديوان أن الشعر تعبير عن الحياة كما يحسها الشاعر من خلال وجدانه ؛ فليس منه شعر المناسبات والمجاملات، ولا شعر الوصف الخالي من الشعور، ولا شعر الذين ينظرون إلى الخلف ويعيشون في ظلال القديم، ويعارضون القدماء عجزا عن التجديد والابتكار

وقد شاع في تعبير جماعة الديوان أن القصيدة كائن حي، وهم يقصدون بذلك الوحدة العضوية المتمثلة في وحدة الموضوع، ووحدة الجو النفسي ؛ بحيث لا يكون البيت وحدة القصيدة، بل هي وحدة متماسكة في موضوع واحد، فلا تتعدد الأغراض، ولا تتنافى الأجزاء، بل تأتلف (تتجمع) تحت عنوان للقصيدة، فلا يجوز حذف بيت منها أو نقله من

و يرى شعراء الديوان أن شعر المناسبات يسمى نظما وليس شعرا؛ لأنه يفتقد صدق الشعور،

وهنا ناتي على مدرسة المهجر حيث يقول الكثير من المؤرخين إن الولادة الحقيقية لشعــر المهجــر تعود الى أواخر القرن التاسع عشر حيث تعتبر الأندلس  ” اسبانيا حالياً ” الحاضنة الحقيقية للجماعات القادمة من البلاد العربية أولئك كانوا من الرعيل المثقف الواعي الذي عز عليه أن يعيش أسيراً للظلم والعوز فانطلقوا باحثين عن الحرية والاكتفاء .

واستطاع أدباء المهجـر أن يبدعوا في أكثر من ميدان عنوانه الأدب حيث أغرموا بالأدب العربي وجعلوه مملوءً  بأساليب فنية وشقوا طرقاً وفنوناً جديدة حتى لتُعد مؤلفات بعضهم أحداثاً لها قيمتها الكبرى في حياة النهضة الأدبية في الشرق العربي .

مدرسة أبولو الشعرية هي أحد المدارس الأدبية الهامة في الأدب العربي الحديث. و مؤسسها هو الشاعر الكبير أحمد زكي

أبو شادي وقد تشكلت هذه الجماعة في فترات من إحدى أصعب الفترات التاريخية و اقساها في تاريخ مصر حيث الاستبداد السياسي والقهر الفكري و الخراب اقتصادي والظلم اجتماعي الفادحين كما تأخرت حركة التعليم وتعثرت كثير من الصحف والمجلات والنوادي الثقافية في ذلك الوقت.

وفي وسط هذا الاطار المتأزم والملتهب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ظهرت جماعة أبولو وقد وجد هؤلاء الرومانسيون على اختلاف ابداعاتهم في صورة الحب الحزين والمحروم الذي ينتهي اما بفراق واما بموت معادلا موضوعيا ليأسهم في الحياة وعجزهم الاقتصادي وعجزهم عن التصدي للواقع. وكانت صورة الانسان في أدبهم فرد سلبي حزين نجد واضحا في أشعار إبراهيم ناجي و علي محمود طه وروايات محمد عبد الحليم عبد الله و محمد فريد أبو حديد و يوسف السباعي وازدهار المسرح والرواية في هذه المرحلة يدل دلالة واضحة وأكيدة على الرغبة الواعية في الهروب من الواقع.

ثم ومن بعد هذا التدافع والتتابع الرائع للمدارس الادبية والشعرية في العصر الحديث وبعد دراستها دراسة حثيثة لم نستطع ان نقف على النقطة التي تم فيها التحول من الاتقان الذى بلغ الغاية من الجودة وارقي الى الركاكة والانحدار الذى نحن نعيشه الان

والحمد لله على كل حال…

وائل جنيدى

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.