مناسك العمرة بين التأملات والروحانيات
مناسك العمرة بين التأملات والروحانيات
كتبت /مروه أبوسوسو
سياحة دينيَّة من الطراز الرفيع، ومِنْحة قُدسيَّة من البصير السميع، ورحلة ربانيَّة للحرمين الشريفين ولو على السريع، خدمة للعمار لا تنتهي، وتطوير للحرمين لا يتوقَّف، وسِباق من العبَّاد لا يَضعُف، مشاعر لا تُوصف، وأحاسيس لا تُكتَب؛ إنما يستطعِمُها الذي يؤدِّيها، ويُحِسها الذي يُلبِّي نداءها، ويستشعرها الذي يحضُرها، فينظر الكعبة، ويُعانِق الحجر، ويصلي عند المَقام، يسعي كما سعت هاجر، ويضحِّي كما ضحى إبراهيم، ويُطيع كما أطاع إسماعيل، ويطوف كما طاف محمد – عليهم جميعًا أزكى الصلاة وأتم السلام – ويُقبِّل الحجر كما قبَّل عمر – رضي الله عنه – فقط عن حبٍّ ورغبة وإخلاص، لعل قدَمًا تأتي مكان قدمٍٍ، وطوافًا يأتي مكان طواف، وسعيًا يأتي مكان سعي، فيَزدان المكان، ويزداد الإيمان، ويَتنزَّل الغُفران، وينتشر الأمن والأمان، إنها قوة سياسيَّة بالتشاور والتحالف، وقوة اقتصادية بالبيع والشراء، وقوة اجتماعية بالاتحاد والإخاء، وقوة رُوحية بالذِّكر والدعاء.
أخلاق عظيمة، وقِيم عالية، وآداب رفيعة، هناك يتأدَّب الإنسان مع ربه فلا يعصيه، ومع الكون من حوله فلا يَرميه، كيف؟! أدبٌ مع الحجر فيُقبَّل، وأدب مع الشجر فلا يُقطَع، وأدب مع الطير فلا يُروَّع، وأدب مع الصيد فلا يُقتَل، وأدب مع الإنسان فلا يُسَب أو يُشتم، وأدب مع المكان فلا يُلحَد فيه أو يُظلَم؛ ﴿ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الحج: 25]، ((مَن أتى هذا البيت فلم يرفُث ولم يَفسُق، رجَع كما ولدته أمه))؛ تحقيق الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 5943 في صحيح الجامع.
مَحفِل من محافل الطاعة، وعمود من أعمدة الدين، وركيزة من ركائز الإسلام، شعائر ومشاعر، يجب أن يعيشها المسلم، ويحياها المؤمن؛ ليأخذ منها الدرسَ والعِبرة، ويستخلِص منها السلوكَ والتطبيق، هناك تَزدان الأرض بوفود العمَّار، وتُضيء السماء بنور القرآن، وتتألَّق الكعبة بزي الإيمان، ويَبرُق الحجر في سرة الأرض، ويتلألأ المقام في مركز المعمورة، وتلتقي الوفود المتعطِّشة في بؤرة التُّقى والصلاح، نعم إنها أخلاق تُكتسَب؛ ﴿ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 197]، وشعائر تُعظَّم؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ [الحج: 32]، وحُرُمات تُبجَّل؛ ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج: 30].
مكان يجمع كلَّ العبادات؛ فيه الصلاة، وفيه الزكاة، وفيه الصوم، وفيه شهادة أن لا إله إلا الله، محمد رسول الله.
صلاة ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، والصلاة هناك بمائة ألف صلاة، وزكاة، فهو ((جهاد لا شوكة فيه))؛ صححه الألباني، وصوم عن الحلال؛ فلا يأخذ من ظُفره، ولا يقص من شعره، ولا يقرب زوجَه إلا بعد أن يتحلَّل، والشهادة في كل أعمال الحج، أماكن مباركة، ممتلئة بالرحمات والنفحات، بالعِبَر والعِظات، جزى الله خادم الحرمين والقائمين على راحة العُمار والزوار خير الجزاء، وجزى الله نقابة معلِّمي “أبو حمص” التي هيأت لنا هذه الفرصة العظيمة وتلك الزيارة الكريمة، اللهم ارزق المشتاقين حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.