نور الشريف يتحدث من قلب السينما: الفن الجاد لا ينجح بسهولة.. لكنه يصنع الوجدان
نور الشريف يتحدث من قلب السينما: الفن الجاد لا ينجح بسهولة.. لكنه يصنع الوجدان
تقرير_أمجد زاهر
رغم مرور سنوات على رحيله، لا تزال كلمات نور الشريف – أيقونة التمثيل المصرى وأحد أعمدة الدراما والسينما المصرية – تحتفظ ببريقها وقيمتها، خصوصًا حين يتحدث بصدق وعمق عن معايير النجاح الفني، وجوهر العلاقة بين العمل الفني والجمهور.
وفي حوار سابق له، أضاء النجم الراحل العديد من الزوايا المهملة في فهم جمهور السينما، وعلّق على أسباب فشل بعض أعماله رغم قيمتها الفنية العالية، مثل فيلم “قلب الليل”.

“قلب الليل”.. فكر بلا جمهور؟
قال الشريف: “فيلم قلب الليل مانجحش في السينما”، ورغم ما يحمله هذا الاعتراف من صراحة مؤلمة، إلا أنه يمثل رؤية فنان خَبِر الجمهور جيدًا.
يوضح أن هناك نوعين من الأعمال الفنية لا يلقيا رواجًا كبيرًا، الأول هو العمل الذي يتطلب جهدًا فكريًا من المشاهد، حيث يميل الجمهور – حسب تعبيره – إلى مشاهدة السينما للراحة والهروب من الواقع، لا لمواجهته أو التفكير فيه.
والثاني، هو العمل الصادق الذي يجسّد الفقر والمعاناة بشكل مباشر دون تجميل، قائلاً: “الناس مش عايزة تشوف المأساة تاني، هما داخلين السينما عشان يحلموا مش علشان يتقهروا”.
السينما.. من الترفيه إلى التنوير؟
ينطلق الشريف من تجربته الغنية ليشرح كيف بدأت السينما كوسيلة ترفيه، ثم حاول بعض المخرجين والكتّاب إدخال الفكر والرسالة، لكنه يصرّ على أن هذا التحول لا يلقى استجابة واسعة من الجمهور في الأغلب.
ويضرب مثالاً بمسلسله الشهير “لن أعيش في جلباب أبي”، الذي نجح لأنه قدم الحلم للمشاهد، لا مرآةً تعكس بؤسه.
وأضاف: “المشاهد البسيط لما يشوف بطل يشبهه، بيخرج محبط ويقول ده فيلم مقبض”. تجربة فيلم سكة سفر خير دليل، حيث قابل الجمهور العمل بالفتور، وردوا على الفنان: “إحنا فينا اللي مكفينا، جاين السينما ننسى المشاكل مش نعيشها مرتين!”
لكن… هل يتخلى الفنان عن الرسالة؟
رغم إدراكه لتلك التحديات، يرفض نور الشريف أن يكون الحل هو تجاهل الفن الجاد.
يؤمن أن السينما التي تضع الإنسان والمجتمع في بؤرة الضوء قد لا تنجح تجاريًا فور صدورها، لكنها تترك أثرًا عميقًا في الوجدان الجمعي على المدى الطويل.
ويقول: “تخيلي مصر من غير أفلام زي بداية ونهاية، واللص والكلاب، وباب الحديد، والارض… صحيح ما نجحتش جماهيريًا بس لما اتعرضت في التلفزيون بعدها بسنين، كونت وجدان الناس بجد.”
السينما السريعة.. أزمة جيل؟
في نهاية حديثه، يضع الشريف يده على تحول نوعي في الذوق العام، قائلاً: “النهارده الفن بقى زي الـ Fast Food، وجبة سريعة وسهلة، لكن مش بتغذّي ولا تعيش، والناس للأسف اتعودت على السهل”. ويشبّه جمهور اليوم بالأطفال الذين يطلبون “سندوتشات” رغم وجود وجبة صحية في البيت، في دلالة على ميل الجيل الجديد للمحتوى الخفيف على حساب العمق والجودة.
رسالة فنان تجاوز حدود الشاشة
نور الشريف، الذي لم يكن ممثلًا فحسب، بل مفكرًا فنيًا، يرى أن الفنان الحق لا يتخلى عن تقديم الفن الجاد رغم صعوبته.
قد لا يحصد الملايين من الإيرادات، لكنه يصنع ضميرًا، يخلق سؤالًا، ويفتح نافذة للوعي.
وما أجمل أن نعيد اليوم، وسط ضجيج المحتوى الخفيف، الاستماع لصوت من آمن بأن الفن لا يُقاس فقط بعدد التذاكر، بل بعدد القلوب التي حرّكها.