وادي الملوك
وادي الملوك
قصة قصيرة…..بقلم مصطفي حسن محمد سليم
السلام عليك أيها الإله الأعظم إله الحق، لقد جئتك ياإلهي خاضعا لأشهد جلالك، جئتك ياإلهي متحليا بالحق، متخليا عن الباطل، فلم أظلم أحدا ولم أسلك سبيل الضالين، لم أحنث في يمين ولم تضلني الشهوة فتمتد عيني لزوجة أحد من رحمي ولم تمتد يدي لمال غيري، لم أقل كذبا ولم أكن لك عصيا، ولم أسع في الايقاع بعبد عند سيده إني (ياإلهي) لم أجع ولم أبك أحدا، وماقتلت وماغدرت، بل وماكنت محرضا علي قتل إني لم اسرق من المعابد خبزها ولم أرتكب الفحشاء ولم أدنس شيئا مقدسا، ولم أغتصب مالا حراما ولم أنتهك حرمة الأموات، إني لم أبع قمحا بسعر فاحش ولم أطفف الكيل، أنا طاهر، أنا طاهر، أنا طاهر، ومادمت بريئا من الأثم، فاجعلني ياإلهي من الفائزين- النص 125 كتاب الموتي
لندن 23 أبريل 1914
تنفس مستر ريوردان بأين الصعداء وهو يتطلع في عصبية إلي البوابة المعدنية الخاصة بالفندق الذي يمتلكه في أحدي أرقي أحياء لندن تلك المدينة الأنجليزية العريقة، إلي الرجل الذي يعبر بوابتة وهو ينهض لمقابلته. مستنداً بيده علي عصاه في قوة، ومد الرجل يده ليصافحه وهو يخرج بيديه الأخري منديل يجفف به عرقه في توتر، وهو يقول له معذرة مستر ريوردان لقد تأخرت عن الموعد كثيراً ولكن السبب في ذلك هو تلك البردية اللعينة، أشار له ريوردان بيده بالصمت عندما شاهد النادل يقترب منهم ليقوم بتنظيف الطاولة التي بجانبه بعد أن تركها من كان يشغلها وهو ينهض من مكانه بصعوبة معتمداً علي العصاة التي يمسكها جيداً في يده في قوة، وهو يقول له في هدوء أرجوك أتبعني إلي مكتبي مستر توماس، وأدار له الرجل ظهره قبل أن ينبس ببنت شفه حتي لايترك له مجال للأعتراض وهو يتقدم بخطوات ضعيفة نحو مكتبه. وعندما دلف مستر توماس من الباب أشار له ريوردان بأن يغلق الباب خلفه، وهو يشعل ضوء أباجورة موجودة علي سطح المكتب، وعلي ضوئها الشحيح أقترب بوجهه منه وزجاج نظارته يلمع في ذلك الضوء الشحيح، وهو يقول له هل جننت يارجل أو يبدو أنه أصابك الجنون بالفعل؟ كيف تتحدث معي في مثل هذه الأمور بصوت عالي هكذا، إلاتعرف خطورة ماتحمله معك يارجل، أبتلع توماس لعابه في صعوبة وهو يقول له معذرة مستر ريوردان يبدو أن مايقولونه عن لعنة الفراعنة حقيقي بالفعل، لقد تعرضت لحادث سير مرتين منذ خروجي من منزلي منذ قليل وأنا أحمل معي هذه البردية اللعينة، ولولا حرصي علي الحضور في موعدي مهما كلفني ذلك الأمر كنت تراجعت ركضاً إلي منزلي مرة أخري، ضحك ريوردان بصوت عالي في أستهزاء وهو يقول له تباً لكل الهراءات التي يروجها العامة عن الفراعنة، اللعنة الوحيدة التي ستصيبك مني يارجل هي إذا لم تكن تلك البردية تحوي معلومات مهمة كما تحدثت معي في رسالتك، التي أرسلتها منذ ثلاثة أيام قبل وصولك إلي لندن، مد الرجل يده المرتعشة في جيب معطفه وهو يخرج البردية، وهو يقول له صدقني مستر ريوردان أن ماستراه سيذهل عقلك بالتأكيد، وسيجعلك تمنحني مبلغ من المال أضافي أكبر مما أتفقنا عليه، أنا أعرف مدي شغفك بشراء كل مايخص الآثار المصرية، لذلك أسرعت إليك بمجرد حصولي علي تلك البردية، ولقد دفعت فيها مبلغ مادي كبير، أمسك ريوردان البردية بعناية شديدة منه وهو يتطلع إلي حروفها الواضحة، وترك الرجل في الغرفة وهو يقول له أنتظرني هنا عدة دقائق، وفتح باب جانبي في غرفة المكتب وهو يبتسم عندما وجد الرجل الجالس علي المقعد ينهض من مكانه ليستقبله وهو يأخذ منه البردية، ويقرب منها عدسة مكبرة ويتفحص محتوياتها لعدة دقائق، قبل أن يبتسم مرة أخري، وهو يقول له أهنئك علي ذلك مستر ريوردان لقد حصلت علي كنز ثمين تحويه تلك البردية الصغيرة….
الأقصر 26 يونيو 1914
عزيزي هربرت سوف أصل غداً ريوردان بأين، تفحص هربرت البرقية وهو يمر علي كلماتها بعينيه في سرعة وهو يلتفت إلي مساعده، قائلا له سيصل مستر ريوردان غداً، أرجو أن تكون قد أعددت كل شيء كما أتفقنا عليه من قبل مستر كتشنر؟ فقال له مساعده في ثقة أطمئن مستر هربرت سوف يسر مستر ريوردان كثيراً منك، خاصة بعد ماحصلنا علي موافقة مصلحة الآثار المصرية بالتنقيب عن المقبرة، ولقد أعددت فريق من العمال الأقوياء المحترفون لمساعدتنا في ذلك العمل، ولكني حتي الآن لا أعرف بعض التفاصيل الكاملة عن المهمة التي كلفتني بها، وتلك البردية التي تضعها في خزانة ملابسك وأراك تتفحصها دائماً بكل عناية، ربت هربرت علي كتفيه وهو يقول له لاتقلق من ذلك. الأمر ستعلم ياعزيزي مستر كتشنر كل شيء في وقته لاتستعجل الأمور أن الغد دائماً قريب …..
الأقصر 27 يونيو 1914
طرق مستر ريوردان باب غرفة هربرت في عصبية، قبل أن يقتحم الغرفة ليجد هربرت ينظر من النافذة إلي غروب الشمس وهو يحتسي كأس صغير من الخمر بين يديه، وعندما شعر بصوت الطرقات وحركة فتح الباب، ألتفت للخلف في عصبية ولكن سرعان مازالت عصبيته وهو يبتسم عندما طالع وجه مستر ريوردان من خلفه، والقي مستر ريوردان عصاه والقبعة التي كان يرتديها علي المقعد المجاور له في عنف، وهو يجلس علي أحد المقاعد وهو يغمغم في عصبية لماذا لم تحضر لأستقبالي في محطة القطار مستر هربرت، لقد أنتظرت كثيراً أمام محطة القطار قبل أن أجد وسيلة تقلني إلي الفندق، مد هربرت يده ليصافحه ولكن ريوردان تلاشي مصافحته وهو يخرج بيده من جيب قميصه قداحة ليشعل سيجارته في عصبية، وقبض هربرت كف يده وهو يقول له معذرة مستر ريوردان، أنا لاأجد هناك داعي لكل تلك العصبية التي تتحلي بها الآن، لقد كان لدي موعد مع رئيس العمال، وكان من المهم مقابلته قبل أن نستأنف العمل في الغد وكانت هناك بعض الترتيبات الأخري يجب عملها، ثم أخرج من درج بجواره ورقة مطويه وهو يناولها إلي ريوردان وهو يستطرد وهذا كشف بجميع المصاريف التي أنفقتها منذ وصولي إلي مدينة الأقصر ذات الجو الساحر، يجب أن تتفقد المدينة جيداً في الأيام القادمة مستر ريوردان سوف تشعر بالسعادة عندما تري كل هذا الكم الهائل من المعابد الفرعونية، ومشاهدة تلك الحضارة الرائعة، نفث ريوردان دخان سيجارته في الهواء وهو يتفحص ملامح هربرت جيداً، قبل أن يقول له هل قرأت البردية جيداً مستر هربرت؟ وهل قمت بتحديد المنطقة التي سوف نقوم بالحفر فيها ؟ أحضر هربرت البردية من خزانه ملابسه وهو يضعها أمام ريوردان قائلا له لقد قمت بتحديد منطقة الحفر في وادي الملوك، ولقد حصلت علي تصريح من مصلحة الآثار المصرية بالتنقيب فيها، صدقني مستر ريوردان لقد قمت بعمل رائع أنا ومساعدي كتشنر سوف ينال أعجابك كثيراً، وبخصوص البردية هذه البردية كتبت باللغة الهيراطيقية، ويعود تاريخ تلك البردية إلي العام التاسع والعشرين من حكم أمنمحات الثالث (1825 ق. م. )، وتلك الفترة كانت مهمة في تاريخ مصر الفرعوني، لقد أعددت فريق كامل من العمال المهرة الذين قاموا بالتنقيب من قبل مع العديد من البعثات الأجنبية، والآن أري أنه يجب أن تخلد للراحة مستر ريوردان، لأنه أعتقد أن الغد سيكون بداية يوم عمل شاق للجميع…..
الأقصر 28 يونيو 1914
أشتدت حرارة الشمس في السماء في ذلك اليوم، وتعالت كثافة الأتربة الناتجة عن الحفر، وشعر ريوردان بالضيق من كل ذلك وأيضا من ضجيج العمال الذين يقومون بالتنقيب وحركتهم المستمرة حوله، وأخرج منديل ليجفف به عرقه، في حين أقترب منه هربرت وهو يقول له الجو خانق اليوم مستر ريوردان، ولكنك ستعتاد عليه بمرور الوقت، ثق في ذلك تماماً ، أشعل ريوردان سيجارته وهو ينفث دخانها في عصبية قائلا له لم أكن أتوقع أرتفاع حرارة الجو لذلك الحد، لقد كنت أظ… وقطع حديثه تعالي صوت أحد العمال وهو يصيح بصوت عالي عتبة سلم، أسرع إليه هربرت وهو ينحني لرؤية ما أكتشفه العامل، ورئيس العمال يقول له هذه عتبة سلم ولكن هناك ترسيبات من طين النيل تحيط به، وأيضًا هناك بعض الصخور الحجرية، يجب علينا تنظيف تلك الأشياء التي تحيط به حتي تظهر درجات السلم بشكل كامل، شرع العمال في العمل علي تنظيف الحجارة التي تحيط بمدخل السلم، فوصل إلي باب عليه عدة أختام ملكية من العهد القديم، وبدأ الظلام يحل علي المكان في سرعة، وقام رئيس العمال بتعيين أثنين من العمال لحراسة المكان، في حين أسرع ريوردان وهربرت إلي الفندق، وعند عبور ريوردان مدخل الفندق تنفس الصعداء لشعوره بالتعب الشديد في ذلك اليوم، ثم توجه إلي غرفته، وعندما أغلق الباب خلفه، سمع صوت طرقات علي باب حجرته وصوت هربرت يطلب الإذن بالدخول للأهمية، شعر ريوردان بالضيق وهو يقرأ البرقية التي أحضرها هربرت، وهو يقول له يبدو أن الحرب قد أشتعلت مستر هربرت، ومن الخطر البقاء هنا فقد تصبح طرق السفر مغلقة بشكل كامل في الأيام القادمة، فقال له هربرت ولكننا توصلنا اليوم لنتيجة رائعة في البحث عن المقبرة، يمكنك السفر مستر ريوردان وأرسال الأموال التي تلزمني في تكملة البحث عن الكنز حتي إذا توصلت لشيء أرسلت إليك بالحضور، فقال له ريوردان ربما يكون بقائك هنا خطر عليك أنت أيضًا مستر هربرت، لأنه قد لايمكنني أرسال مايلزمك من أموال بسبب الحرب، لذلك سوف نقوم بغلق المدخل بالرمال والحجارة مرة أخري، وسوف نعود إليها في أقرب وقت ممكن عندما تستقر الأمور.