وردة أيقونة الطرب العربي .. أسرار جديدة في الذكري الثالثة عشر لرحيلها
وردة .. من المؤكد إننا حينما نذكرها لا نذكر فقط صوتًا طربيًا من الطراز النادر، بل نروي سيرة إنسانة صنعت مجدها بالأمل، وخلّدت نفسها في وجدان الشعوب العربية، دون أن تتخلّى لحظة عن، بساطتها وعذوبتها وإنسانيتها.
كتب: ماريان مكاريوس
بدايات ودة الجزائرية
وُلدت وردة فتوكي في باريس عام 1939، في بيت جزائري لبناني يجمع بين النضال والموسيقى. والدها كان وطنيًا جزائريًا من ولاية سوق أهراس، ووالدتها لبنانية من عائلة “يمّوت”، وقد كان والدها يدير مطعمًا اسمه “تام تام” في الحي اللاتيني بباريس. هناك، وفي أجواء الغناء والمقاومة، كانت بداية وردة. غنت وهي لم تتجاوز العاشرة من عمرها، فلفتت الأنظار، وبدأت رحلة من التدرج الطبيعي في سلّم الفن، من باريس إلى بيروت، ومنها إلى مصر التي احتضنتها بقلبها الكبير، ومنحتها لقب أميرة الغناء العربي.
المجطة الأهم في حياة الراحلة وردة الجزائرية
في بيروت، غنت وردة لأول مرة في الإذاعة اللبنانية، لكن القاهرة كانت المحطة الأهم في حياتها. هناك التقت رياض السنباطي، محمد عبد الوهاب، ثم بليغ حمدي الذي صار زوجها وشريكها الفني الأهم. في كل أغنية قدّمتها وردة، كانت تصنع مشهدًا دراميًا صوتيًا، وتلعب دور العاشقة، المكسورة، الثائرة، والمسالمة، دون أن تفقد صدقها لحظة واحدة.
اقرأ ايضا: ماما نوال الدجوي رائدة التعليم الخاص في مصر لا تسرقها المحن
خليفة أم كلثوم
أغنياتها صارت جزءًا من الذاكرة السمعية للشعوب. من “بتونس بيك” إلى “العيون السود”، ومن “في يوم و ليلة” إلى “خليك هنا”، مرّت وردة بكل حالات الحب، وصنعت موسيقى لا تموت. يقول عنها الموسيقار بليغ حمدي: “كانت تغني وكأنها تعيش القصة، وردة لا تمثل، وردة تحب”. لم تكن الكلمات تدخل فمها عبثًا، بل تعبر وجدانها أولًا، ثم تخرج بنبرات عذبة، تلامس قلوب المستمعين مهما اختلفت أذواقهم و بعد وفاة السيدة ام كلثوم كانوا يلقبوها بخليفتها و هي التي غنت اغنية “أوقاتي بتحلو” التي كانت معدة للغناء بصوت كوكب الشرق قبل أن توفيها المنية.
تحديات قاسية
لكن ما لا يعرفه كثيرون، أن حياة وردة لم تكن دائمًا مكلّلة بالورد. فقد تعرضت لتحديات قاسية، منها منعها من الغناء في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بسبب أغنية سياسية، وابتعادها لفترة عن الساحة الفنية، ثم عودتها المفاجئة في فيلم “ألمظ وعبده الحامولي”، الذي أعاد تقديمها للناس كصوت لا يمكن تجاهله.
وردة، التي أحبّها الجمهور على المسرح، كانت محبوبة أيضًا في بيتها. ففقي إحدى الحوارات مع ابنها رياض و زوجته اظهرت جانبًا غير مألوف من شخصية وردة
قالت: “كانت تحب الاكل المصري و خصوصا الفسيخ الت كانت تأكله خلسة لأنها ممنوعة منه بأمر الأطباء”.
وأضافت: “كانت جدة رائعة تهتم باحفادها و تطهو لهم الطعام بنفسها تحضر حفلات مدارسهم و تفتخر بتكريمهم”.
فلسفة حياة
هذه الحميمية لم تكن مجرد مشهد عائلي، بل فلسفة حياة. وردة، برغم كونها نجمة عالمية، لم تتخلّ عن دورها كأمّ، ولم تسمح لمجدها الفني أن يعزلها عن البسطاء.
وفي إحدى المقابلات القديمة على التلفزيون المصري عام 1992، قالت وردة في لحظة عفوية:
” الشهرة حلوة بس الوحدة وحشة… بحب الناس اللي بيحبوني من قلوبهم مش علشان شهرتي”
في يوم 17 مايو 2012، رحلت وردة، لكن صوتها لم يرحل، وحضورها لم يخفت. أُقيمت لها جنازة رسمية وشعبية في الجزائر، وحظيت بتأبين على أعلى مستوى.
وردة قلب الجزائر
وقال عنها الرئيس الجزائري حينها: “وردة ليست فقط صوت الجزائر بل قلبها ايضا”
لم يكن غريبًا أن تحصل وردة على وسام الاستحقاق الوطني الجزائري، وعلى درع الإذاعة المصرية، وعلى عشرات الجوائز العربية، لكنها كانت تؤمن، كما صرّحت أكثر من مرة، أن أكبر جائزة هي محبة الناس، معبرة: “تكفيني محبة الناس ديه أعظم جائزة”
اغانيها مادة دراسية
وبعد وفاتها، تم إطلاق اسمها على شوارع في الجزائر والقاهرة، بل وجرى تحويل أغانيها إلى مادة دراسية في بعض كليات الموسيقى، تكريمًا لتاريخها.
في ذكراها الثالثة عشر، يبقى السؤال مطروحًا: ما سرّ خلود وردة؟ هل هو صوتها؟ أم شخصيتها؟ أم جمعها بين المجد الفني والحنين الإنساني؟ الإجابة الأصدق ربما في قلوب من بكوها، وفي أرشيفها المسموع الذي لم يبهت، بل يزداد توهجًا عامًا بعد عام.
وردة الجزائرية… لم تكن فنانة فقط، بل حالة وجدانية كاملة. بين مجد الغناء، ودفء العائلة، تركت إرثًا لا يُشبه أحدًا.