آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ..
آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ..
. بقلم: د. رحاب أبو العزم
في كثير من أمور حياتنا نتخذ القرار السليم الذي لا ينجم منه إلا النجاح والرقي الإنساني والاجتماعي أو الثقافي أو التعليمي أو المالي، وعلى صعيد آخر نتعرض في بعص أمور حياتنا إلى اتخاذ القرار الخاطئ في وقت خاطئ فتتفاقم المشكلة، ويتملكنا ذاك الشعور القاسي القائم على جلد الذات؛ الشعور بالندم كإرث طبيعي لتطور الخبرات الحياتية، والعلم بخطأ القرار والإبصار بالصواب الذي يأتي -غالب الأحيان- متأخرًا؛ حينها نرى وكأن الشباب صار شيخوخة، وصار القلب الحيوي قلب شيخ تهالكت أوصار عمره من الندم في وقت نفذ العمر فيه، وانتهت الفائدة من الشعور بالخطأ. وقد نرى ذلك متجسدًا في أشد مراحل الندم على أكثر الخطأ هلاكًا؛ حينما يتعلق الخطأ بالعقيدة والتوحيد فيتعلق المخطئ بآخر موجة لكنه يموت كافرًا فما نفعه الندم ولا نفعته التوبة؛ هو فرعون الذي ندم على معصيته لله تعالى في وقت غرقه فنزل فيه العتاب الرباني والعقوبة الإلاهية في قول الله تعالى: (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ)
علاقة الندم بالمشاعر والغضب
حينما نتخذ القرار أثناء الغضب سواء إن كان قولًا أو فعلًا حتمًا ويقينًا يوجانبنا الصواب؛ فالغضب يُعمي بصيرة القلب ويهلك رزانة العقل وحكمته فنندم ساعة لايفيد الندم على ما أضعنا وما فقدنا. وإننا في بعض أحوال حياتنا نصدر القرارات القولية والفعلية تحت وطأة الحب الجارف والمشاعر الطاغية على كل ذي لُب؛ حب الأم لأبناها، وحب الأبناء لآبائهم، وحب الصديق لخليل عمره، وحب الزوجة لزوجها، وتلك المشاعر التي تضرب العقل فتفقده الرجاحة والاتزان الفكري؛ فلا نغضب وإنما نحكم ونقرر بمشاعرنا، ومع مرور السنوات تلاصقها خبرات اجتماعية وثقافية وإنسانية نكتشف خطأ القرار ونندم ساعة ضياع ما لم ينبغي إضاعته حتى تعلن التعاسة عن وجودها الفعلي كفطرة بشرية ليست جاحدة لأقدار الله تعالى، وتتجلى لنا قاعدة مهمة وهي: من الحماقة اتخاذ القرار حال الغضب والأكثر حُمقًا هو اتخاذ القرار حال طغيان المشاعر.
كل خطأ يهون إلا كبائر الأخطاء
إن كبائر الأخطاء هي تعدي الخطوط الحمراء وهذه مع الله تعالى لا تغفر إلا بإقامة الحد، والتوبة النصوح والندم على الإتيان بالذنب، والعزم الأكيد على عدم العودة إليه، وأما تلك الخطوط الحمراء التي يتعداها المرء مع البشر فيتسبب بخطإ جسيم في حق العلاقة الإنسانية التي تربطه بمن حوله، ولأننا بشر؛ فمن الصعب أن نعفو ونسامح مادام الخطأ قد تجاوز -وعن قصد- قدرة الآخرين على النسيان؛ لذا فقد نصل إلى قاعدة أخرى مهمة وهي: من البلاهة اتخاذ القرار فعلًا أو قولًا حال الغضب لأننا سنعتدي على الآخرين وبعد الهدوء هيهات قبولهم للندم والاعتذار؛ فكل خطأ يهون إلا عظيم الأخطاء.