أحفادي ” بين ارسطو وكانط .. يا إلهي كم انت عظيم وستجبر بخاطري
أحفادي ” بين ارسطو وكانط
.. يا إلهي كم انت عظيم وستجبر بخاطري
ارسطو وكانط.. إن أكثر ما يعذبني في حب الاحفاد .. أنني لا أستطيع أن أحبهم أكثر من ذلك .. ربما لان حواسي خمس .. وأكثر ما يضايقني في حواسي الخمس أنها لا تكفي لحب الله لهذا يلجأ المحب المتصوف ان يوقظ كل جوارحه في حب من هو اعظم من الحب.
بقلم الكاتب الصحفي الكبير / طه أمين
من قال ان الحب قيد ؟! .. ومن قال ان الحب خلق من اجل امرأة استثنائية ، بل حب الله هو الذي يحتاج إلى مشاعر استثنائية.. وأشواق استثنائية.. ودموع كرستالية.. وربما هذا سبب واضح انني اضع الحفيد الرضيع علي حجري تقربا الي الله واصلي به الفرض قاعدا ، هل لان الطفل حبيب الله .. هل افعل ذلك لان الحفيد هو أجمل ما في الوجود .. هو حبيب الرحمن يصنع الجمال للجد ، والحب والسعادة للجد .. أينما حل الجد فهو عمره الممتد ، وجمال حاضره وروعة مستقبله !!
الواقع انني مرتبط باحفادي ارتباطا غير عادي ، كلما خرجت اقضي حاجة اشعر انني مشدود اليهم بخيط من المطاط ، اذا ابتعدت عنهم او باعدت نفسي فإنني ارتد اليهم بقوة ..
لقد رزقنا الله بمولود جميل اسمه ريان .. يخطف قلبي هل لانه آخر عنقود .. ربما !
الواقع ان احفادي علموني كيف ابسط المفاهيم الحياتية ، وأحدثوا
انقلابًا في حياتي الفكرية شبيهًا بالانقلاب الذي أحدثه ” كوبرنيق ” او نيكولاس كوبرنيكوس في علم الفلك، تماما مثل هيوم في حياة الفيلسوف كانط الذي قال: لقد أيقظني هيوم من سُبات الاعتقادات.

نعم
الاحفاد غيروا اعتقاداتي ، وجعلوني مجرما .. افكر باسلوب فلسفي مشوق وبسيط .. واشرح لهم قدر ما استطيع ، وهكذا اتحدث مع الاصدقاء والقي محاضرات بعيدا عن تقنيات الفلاسفة وتعاليم ” افلاطون ” .. باسلوب مبسط ، ودروسا عظيمة دون مبالغة في ان السمع لدي الطفل يولد من السكون .. تماما مثل العدم .. ولا اقول مثل الزرقة الغامقة ، ومن السمع نلتقط الكلمات فتتشكل الجمل والمعاني ، وان اللغة لدي الطفل تسبق التفكير !!
تصوروا ان هناك مسافة زمنية بين الصوت والتفكير .. وان هذه المسافة الزمنية بين اللغة والتفكير متلازمتان تلازما مطلقا
يا إلهي كم يلهمني الحفيد الرضيع !!
اقرأ أيضا يا قرة العين بقلم الكاتبة منى فتح الله
ويعلمني عظمة السمع وأهميته وان اتفرغ لافهم دلالات ذلك مع اولادي الثلاثة ، وان الطفل الرضيع لابد ان يسمع وتلك قدرة الله ان يسمع لنعلمه الكلمات كما علمها الله لآدم عليه السلام ، ولابد ان آدم خلقه الله كبيرا ليختزل عقلة كلمات مثل العربية وكل مرادفاتها والتي تبلغ نحو مليون كلمة .. مليون كلمة ..نعم ..فكر بها آدم ليعبده بتلك الكلمات ويخطط بها ويعمر في الارض !
يا إلهي كم انت عظيم وستجبر بخاطري ليسمع حفيدي الرضيع كلماتي !!
الهي .. تعلمت ان حنجرة الطفل تبدأ بالحرف الواحد وان اي حرف في اللغة ليس له معني ، لكن حرفين جعلتهما يكونان جملة مفيدة ، هما الالف واللام ” لا اله إلا الله ” .. وكأن الطفل يصرخ بحرف العلة “ألفا ” ، ” أو ” وهما فونيك phonic عجيب ونحن نمد معه الالف العجيب !
ما أعظمك يا إلهي ..
ما اعظمك في قدرتك وعلاك .. ما ارحمك.. ما اكرمك للعبد لو ناداك جلت صفاتك يا من لا اله سواك !!
فعلا .
اقرأ أيضا الشاعر أحمد محمد أسود يكتب : حبيبتي (حنطاوية) جدا
آمنت انه لا تفكير للطفل بدون لغة ، وانه ينبغي ان نحسن من لغتنا حتي نحب بها عندما نكبر وتنضج حواسنا فلا ممارسة للحب بدون لغة .. فانا احب ليلي واحب سوسو ” كمننا ” .. نعم .. كمننا .. نعم نحب زوجتنا واولادنا بلغة البيئة .. نحب بالفرنساوي .. ونحب باللاتيني كمننا ..
اقرأ أيضا يوميات مهاجر في بلاد الجن والملائكة (31 )
واذكر انني سألت صديقي الصعيدي حسن المصري الذي تزوج من روسية حسناء : بأي لغة تحب زوجتك يابو علي فقال لي دون خجل : بالروسية مع الاسف وعندما تظن انها لكي تؤجج مشاعري تقول لي :
ياخبيبي .. ها ها
ده حب ملوخية يابو علي
ياريت دي حتي الملوخية محتاجه طشه .. نفسي يا طه

نفسك في ايه
كمننا ..اتجوز مصرية وتحبني بالمصري مثل كلمات وأنوثة شادية وتقوللي :
يا روحي انا
حاول تعلمها ” الفونيك ” بالمصري
حاولت مافيش فايدة
شربها فودكا
مافيش فايدة
ماهي ياهبل عشان تقولك ياحبيبي علمها تنطق الحاء كويس
والله علمتها اقصي حاجة قالتلي :
يا هبيبي
طب فرجها علي فيلم حاحا وتفاحة !!
ها ها
ويعلمنا الفيلسوف الالماني “كانط ” مدي علاقة الكلمة التي لها معني باللغة ، وبالعقل ، والتفكير ، ونظرية المعرفة والأخلاقيات وانه إذا كان التفكير يتم بواسطة اللغة، فإن اللغة لا يُمكنها أن تكون نتيجة لتفكير. ولا يُمكن أن يكون البشر قد فكَّروا لكي ينتجوا اللغة، لأن التفكير غير ممكن قبل وجود لغة يتم التفكير من خلالها !!

والحقيقة ان الفيلسوف كانط وتجربتي العملية مع الاحفاد اكدت لي عمق نظرياته سواء هو او ” ابن الجني” النحوي الموصلي ، وهي ان اللغة ليست ناتجة عن تفكير، بل التفكير ناتج من لغة.. هكذا يلهمني حفيدي آسر ابن 12 ربيع ، واخته رهف وهما يستعدان الان للعرض المسرحي في الموسم الصيفي الثاني علي التوالي في مدرستهما الانجليزية.. قيمة البروڤة المسرحية
كمال يونس
كما يعلمنا الصديق الطبيب الدكتور كمال يونس المؤلف المسرحي الشهير بأن البروڤة ضرورية لتطوير العمل المسرحي على كافة المستويات
والتفكير ، ومن المدهش ان حفيدي الكبير يفكر بالإنجليزية كما يفكر بالعربية ..
وتلك رياضة ذهنية تحتاج للياقة ولممارسة ، وعندما قرأ حفيدي آسر الصفحات الاولي من مقدمة روايتي ” بنت الدولتلي ” بكي في حضني قائلا :
مش عاوزك تموت با جدوو !! .. ولم اشأ ان اقول له ان الموت هو استدعاء من ملك الملوك … ولكني ادركت ان حفيدي استوعب وقع كلماتي علي عقله ومشاعره
انها اللغة التي نحب بها ونتدبر معانيها ، ومن المدهش انني وجدت الفيلسوف سقراط يغوص في اعماق الطفل ويطرح لنا نظرية ” فظيعة ” .. فظيعة بجد .. تقول ان كل المعاني تتشكل في وجدان الجنين ويولد بها وان دورنا ان نوقظها فقط .. والواقع انني لم اجرب هذه النظرية علي كل احفادي منذ ولادتهم وحتي الان لدواعي سفري دائما انا وزوجتي ..
سقراط
ولكني جربت نظرية سقراط وبالذات مع احد احفادي الذي يذهب الي الحضانة كل يوم فاقول له ونحن علي مائدة الطعام عبارات “ضخمة .. فخمة .. ومصطلحات سياسة واقتصادية ” .. ربما أرفه عن نفسي او روحي فبدون روح بغيب العقل واصبح في حالة عدم كما هي بروڤة النوم او الموت كل يوم .. لهذا احب ان اداعب حفيدي لأنشط عقلي او استفز عقل طفلي كما هي
نظرية سقراط مثل :
الاكل “ حضارة “ فيضحك الحفيد ويقول لي : لا ياجدو الاكل حضانه.. ونظل علي هذا السجال كثيرا ..
ويظن الحفيد انني امزح معه وانا اكرر .. لا الاكل حضارة يا زين ؟!
ياجدو انا اكلت مكرونة في الحضانة واكلت حاجات كتير .. وادركت انه في حاجة الي وقت ليفرق بين المعنيين : الحضانة والحضارة
ولا اعرف لماذا فعلت ذلك مع الحفيد ” الزين ” فقد تحينت الفرصة لاجرب في حفيد الحضانة الذي يعشق الفك والتركيب نظرية سقراط .. ووضعت امامه كيس الدقيق
دقيق ياجدو
ايوه دقيق
وقلت له ببساطه : عارف المكرونه ال أكلتها في الحضانة دي هي من الدقيق .. وان في عمال شاطرين يعجنو الدقيق ويحطوه في مكن كبير اوي عشان يبقي مكرونه .. وشعرية .. ولسان عصفور
نظر لي الحفيد وإناء شوربة العصفور الذي امامه دون اكتراث وانشغل بشيئ آخر بعد ان قلت له الاكل حضارة.. وانا علي يقين ان معني حضارة قد وقر في عقله وانه حتما لابد ان هذا المعني سينتعش في عقله كلما نشأ وارتقي ..
وربما يساعدني فهمي لفلسفة الكلمات واللغة وعلاقتها بالتفكير ان اداعب اطفالي علي طريقة الفيلسوف سقراط وكانط وبومجارتن حيث لغة الجمال وفنون الالوان وحب الذوق والموسيقي وحفظ القرآن العظيم .. ولابد ان دراساتي في الموسيقي هي التي جعلتني الحن لهم حصريا اغاني مرتبة النظم والكلمات ، والنمو والارتقاء وبكلمات بسيطة ليرددوها ثم يفهموها فلحنت للحفيدة ” روحة الروح ” سدرة :
والله كبرت .. اكلت شربت.. وقفت مشيت .. جريت نطّـت .. سدرة الحلوة والله كبرت
قالت سدرة انت يابابا
كل حياتي وكل مناي
لما بكبر تبقي معاي
الدنيا دي حلوة واحلي حكاية
والله كبرت
( لتصبح هذه الاغنية الحصرية واحدة من اغاني ملتقي الجمعة الاسبوعي التي يرددها الاولاد والأزواج والاحفاد )
واظن ان تفاوت اعمار الاحفاد يجعلني اري نتائج الفهم المتلاحق في نظرية سقراط .. قطعا يفكرون في الاغنية بالعامية المصرية
عادل السلاموني
كما يفكر احفاد صديقي عادل السلاموني باللغة الهولندية وهي مشكلة اعربها لي صديقي السلاموني وانه مهما تعلم اللغة بصعوبة من اجلهم فلن يفكر بالهولندية مثلهم
ان الله عز وجل قد خلق اللغة وربطها بالاسماء ثم خلق آدم وعلمه الاسماء ” كلها ” .. نعم كلها .. وكلمة كلها احتاجت مني وقتا طويلا للتفكير العميق وان اتسائل :
هل علم الله آدم كل اللغات ، ام هي لغة واحدة جامعة وتفرعت منها كل اللغات ؟!
يااه .. أهكذا ؟! :
” الاحفاد يُلهمون .. يُفكرون .. يتهامسون في جنون : هو جدو طه مشغول بينا كده ليه” !!
الكاتب الصحفي طه امين