أحمد أمين: الملحن المهووس بالتفاصيل الأقرب إلى قلبي… والنجاح لا يُقاس بالأرقام
أحمد أمين: نجاح المطرب لا يحتاج صوتًا قويًا… بل يحتاج مطربًا ذكيًا
هو العقل الموسيقي الذي يقف خلف كل نغمة تُحرّك المشاعر، ولمسة تُكمل تفاصيل الحكاية.. في هذا الحوار نبحر في العالم الخاص للموزّع الموسيقي الموهوب أحمد أمين لنتعرف عليه جانب آخر من شخصيته لم يكشف بعد.
اعداد وحوار: ريهام طارق
تعاون أحمد أمين مع كبار نجوم الغناء في الوطن العربي يحول الألحان إلى لوحات فنيه مسموعة لا تنسى.. وفي هذا الحوار، يروي لنا أحمد أمين أسرار وتفاصيل لأول مرة، ونستمع إلى رأيه في آخر تطورات الساحة الغنائية اليوم… ونعرف أيضا متى يقول للمطرب “اعتزل!”؟ وماذا يفعل إذا خيّره الجمهور بين النجاح السريع أو الإشباع الفني؟ أسئلة جريئة وإجابات أجرأ، من موزّع. موسيقى يراهن دائمًا على القيمة الفنية لا على المادة أو الشهرة.

في البداية نرحب بالموزع الموسيقي أحمد أمين في جريدة أسرار المشاهير ونشكره على إتاحة الفرصة لإجراء هذا الحوار:
دعني أبدأ حواري منذ بداياتك الأولى.. من هو أحمد أمين؟
أنا أحمد أمين، مؤلف موسيقي من مواليد نوفمبر عام 1989، ولدت في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، حصلت على ليسانس الحقوق من جامعة الزقازيق، وبعد انتهاء دراستي الجامعية، بدأت رحلتي في المجال الفني موزع موسيقى، ثم انتقلت إلى القاهرة عام 2011 عقب ثورة يناير، حتى الآن.

أحمد أمين: أغنية “و بتسأليني” لوائل جسار كانت جواز مرور إلى الوسط الفني
ما هو العمل الذي ساهم بشكّل رئيسي في شهرتك في الوسط الفني؟
العمل الذي شكّل انطلاقتي الحقيقية كانت أغنية “و بتسأليني” للنجم اللبناني وائل جسار، حيث قدّمت من خلالها تجربة موسيقية جديدة ومختلفة عليه، ابتعد فيها عن الطابع الشرقي التقليدي، وهو ما لفت الأنظار إليّ كـ موزّع وفتح لي أبواب الوسط الفني بقوة.
أحمد أمين: التوزيع لا يُخفي ضعف الألحان بل ينجح حين يُبنى على أساس فني قوي.
هل ترى أن التوزيع الموسيقي احيانا يخفي ضعف اللحن؟ وهل ترى أن الموزع الموسيقي يمكن أن يطغى دوره على دور الملحن؟
صناعة الأغنية منظومة جماعية لا يكتمل نجاحها إلا بتكامل أدوار فريق العمل من الشاعر.. الملحن.. الموزّع.. مهندس الصوت، والجهه الإنتاجية ، لذلك لا أؤمن هناك مقارنة بين الموزع والملحن، فلكل منهما دورا يؤديه بشكل محترف الملحن يرسم الخط الأساسي، والموزع يحوله لـ تجربة موسيقية متكاملة تظهر اللحن بأفضل صورة، لذا، اؤكد أن التوزيع لا يمكن أن يخفي ضعف لحن، بل ينجح فقط حين يبنى على أساس فني قوي.
أحمد أمين: “أستعين في عملي 10% فقط من استخدام البرامج الجاهزة، و أرفض الاعتماد عليها بشكل كامل..
في ظل الاعتماد المتزايد حاليا على البرامج الجاهزة والـ Samples في التوزيع الموسيقي، هل ترى ذلك أفقد الموسيقى هويتها؟
هذا سؤال مهم للغاية، وأود التأكيد أن البرامج الجاهزة والـ Samples هي أدوات مساعدة فقط، تكمل عمل الموزع الموسيقي أو المؤلف الموسيقي، وتعمل على تسهيل تنفيذ العمل، وتتيح تقديم أفكار الموزع الموسيقي وإبداعه بشكل أكثر حرفيه، مع توفير في عامل الجهد والوقت، كما أنها قد تفتح آفاق جديدة و تلهم الموزع بأفكار موسيقية غير تقليدية.
لكن الخطورة تكمن في الاعتماد الكلي عليها، والموزع الذي يعتمد على هذه البرامج بشكل كامل دون لمسة شخصية غالبًا بيكون صاحب موهبه ضعيفه، والنتيجة بتكون أعماله متكررة ومتشابهة، لا تحمل بصمة مستقله تحمل اسمه، وبالتالي لا يستمر طويلا علي الساحة الفنية.
أما بالنسبة لي، فأنا أستخدم Samples، بنسبة لا تتجاوز 10%، فقط لتسريع تنفيذ الفكرة وضمان تقديم عمل محترف ودقيق تقنيًا.
أحمد أمين: سماع جمله “هذا التوزيع مكرر أو يشبه عملاً آخر” كابوس لأي موزع موسيقي
نلاحظ أن كثيرًا من الأغاني أصبحت متشابهه، وبعض الموزعين يكررون نفس القوالب الموسيقية… هل ترى أن التميز والإبداع في التوزيع الموسيقي تراجع؟
هذه حقيقه للاسف، بعض الموزعين يكررون استخدام، Samples ناجحة بطلب من المطرب نفسه، وليس اختيارهم، وبالنسبة لأي موزع موهوب حقيقي، تشبيه عمله بتوزيع آخر كابوس يجرح إبداعه، وأنا شخصيا، أرفض تكرار القوالب الموسيقية، واعتبره فقرا فنيا يهدد ثقة النجوم في، لذا أحرص دائمًا على أن يحمل كل عمل بصمتي و هويتي الخاصة.
أحمد أمين: أؤمن بضرورة وجود جلسات عمل مشتركة بين كل صناع الأغنية من الشاعر، والملحن، والموزع.
هل للملحن دور فعلي في اختيار الطابع الموسيقي أو الأسلوب النهائي للحن أثناء مرحلة التوزيع؟
هناك نوعان من الملحنين، الأول يكون حريصا على التواجد أثناء تنفيذ الأغنية، ويشارك بشكل فعّال في اختيار الشكل الموسيقي، ويكون هناك تواصل مستمر بينه وبين الشاعر والموزع، وهذا النوع من التعاون ينتج عنه أعمال ناجحة وأكثر احترافية.
اما النوع الثاني من الملحنين يفضل أن يترك تنفيذ التفاصيل النهائية بالكامل للموزع، أما أنا، أميل بشدة إلى النوع الأول، واؤمن بضرورة وجود جلسات عمل مشتركة بين جميع صنّاع الأغنية الشاعر، والملحن، والموزع .. هذا التواصل هو ما يمنح العمل شكل فني محترف حتى ظهوره للنور.
اقرأ أيضاً: لماذا خاف إسماعيل ياسين من حسن اتله.. ومنع هند رستم من التمثيل
أحمد أمين: النجاح لا يحتاج إلي صوتا قويا فقط… بل يحتاج أكثر إلي مطرب زكي
كم مرة وأنت تعمل على توزيع أغنية شعرت برغبة شديدة أن تقول للمطرب: “حرام عليك ارحمنا من صوتك واعتزل أحسن”؟
لم أتعرض لهذا الموقف بشكل مباشر من قبل، وصعب أجد نفسي في موقع يسمح لي أن اقول هذا لمطرب، لكن دعيني أكون واقعي: لا يوجد ملحن أو موزع موسيقي يستطيع أن يقول لمطرب “اعتزل” فقط لأن صوته ضعيف، فـ الصوت، وحده، لم يعد المعيار الأساسي للنجاح في الوقت الحالي.
هناك مطربون يمتلكون خامات صوتية محدودة جدًا، ومع ذلك استطاعوا أن يصلوا إلى الجمهور، و يحققوا شهرة واسعة، بل احتلوا مكانة مؤثرة على الساحة الفنية.
وعلى الجانب الآخر، هناك أصوات قوية جدًا لم تنجح أو لم تجد طريقها إلى الجمهور، وهذا يؤكد أن النجاح في عالم الغناء لا يرتبط فقط بقوة الصوت، بل بذكاء الفنان، وحضوره، وقدرته على اختيار الأعمال التي تُناسبه من حيث الكلمة والموسيقى.
لكن… إذا صادفت يومًا مطرب لا يمتلك لا صوتا ولا ذكاء فنيا، في تلك اللحظه سأقول له بمنتهى الصراحة: “أعتزل… ارحمنا حرام عليك”

أحمد أمين: تعاونت مع نجوم الصف الأول مستمرة… وأتمنى أن يجمعني عمل قريبًا بالهضبة
من هو المطرب الذي لم يجمع بينكم عمل حتى الآن وتتمنى أن يحدث هذا قريبا ؟
لم يجمعني عمل فني حتى الآن مع الهضبه عمرو دياب وأتمنى أن يتحقق هذا الحلم قريبًا.

من بين كل الأعمال الفنية التي قدمتها، ماهو العمل الأقرب إلى قلبك وتعتز به ؟
لي مدار مشواري الفني تشرفت بالعمل مع أسماء لامعة مثل رامي جمال، تامر عاشور، جورج وسوف، وائل جسار، الراحل جورج الراسي، أصالة، إليسا، وآمال ماهر، وكل منهم أضاف لي على المستوى المهني والإنساني لذلك، أعتز بكل خطوة فنية خضتها، لأنها شكلت محطة مهمة في مشواري، حملت معها تحديًا مختلفًا و كانت لها أثر خاص في مسيرتي، ولا يمكنني أن أُفضل عملًا على آخر، لأن كل تجربة لها بصمة لا تنسى.

أحمد أمين: جورج وسوف مدرسة فنية قائمة بذاتها.. متعة العمل معه لا تتكرر
ولكن إن طلبت منك اختيار عمل واحد فقط يحمل مكانة خاصة في ذاكرتك الفنية ما هو؟ ولماذا؟
دون تردد، أختار أغنية “ياه ع الزمن” التي جمعتني بأسطورة الغناء العربي سلطان الطرب جورج وسوف، هذه التجربة كانت بالنسبة لي حالة فنية وإنسانية استثنائية لا تتكرر.
الأغنية من كلمات صديقي الشاعر أحمد المالكي، ومن ألحان الموهوب مصطفى شكري، إنتاج شركة لايف ستايلز ستوديوز، لكن ما منحها التفرد الحقيقي هو صوت جورج وسوف… فالتعامل معه ليس مجرد تعاون فني، بل حلم يتحقق لأي موزع أو صانع موسيقى.
جورج وسوف مدرسة فنية قائمة بذاتها، يحمل في صوته تاريخًا و وجدانًا يلهم أي فنان يعمل معه، ولا أبالغ إن قلت إن متعة العمل معه لا تتكرر.
اقرأ أيضاً: عزيز الشافعي ومحمدي يجددان اللقاء مع حماقي… ألحان تحمل توقيع النجاح المنتظر
هل مررت بمرحلة في حياتك شعرت فيها بـ الإحباط و فقدت شغفك؟
بالتأكيد، مررت بـ فترة شعرت فيها بـ الإحباط ، ولكن لم تكن حالة شخصية فقط، بل كانت أشبه بحالة عامة عاشها الوسط الموسيقي كله، وذلك خلال الفتره التي اجتاحت فيها أغاني المهرجانات الساحة الفنية بشكل مفاجئ، و أحدثت خللا في التوازن الفني، وأثارت الكثير من التساؤلات حول الذوق العام واتجاهات السوق.
وبصراحة، لم يكن الأمر مريحا بالنسبة لي كـ صانع موسيقى يهتم بجودة العمل ، لكنني اخترت أن أتمسك بقناعاتي الفنية، ولا استسلم وأقدم محتوى موسيقي يحمل قيمة وجودة، مهما تغيرت الظروف من حولي.
أحمد أمين: لا أرفض أغاني المهرجانات و لكن أرفض الأغاني التي تفتقر إلى أبسط مقوّمات الجودة الفنية
افهم من ذلك أن أحمد أمين يرفض هذا اللون من الموسيقى والغناء؟
أنا لا أرفض هذا اللون الغنائي بشكل مطلق، لكن الموجة التي اجتاحت الساحة آنذاك كانت أغلبها تفتقر إلى أبسط مقومات الجودة الفنية، سواء من حيث الصوت أو اللحن أو الكلمة، و رغم ذلك لا أستطيع أن أنكر ظهور بعض التجارب القليلة الجيدة ضمن هذا الاتجاه، لكن النسبة الأكبر من الأعمال كانت دون المستوى، ولا تليق بذوق الجمهور العربي الذي تعود على موسيقى عربية تحمل إحساسا وفنًا حقيقيًا.
لذلك ما احبطني وقتها هو أن هذا اللون فرض نفسه على السوق، مما جعل صناع الموسيقى الجادين يشعرون أن المساحة تضيق أمامهم.
أحمد أمين: الإصرار على تقديم موسيقى تليق بثقافتنا وتاريخنا لم يكن عبثًا، بل كان رهانًا رابحًا على المدى الطويل
وكيف تمكنت من تجاوز تلك المرحلة واستعادة شغفك بالموسيقى؟
ما أنقذني، و أنقذ الكثير من الزملاء في المجال، هو إيماننا الراسخ بوجود جمهور عربي واعٍ، يمتلك القدرة على التمييز بين الفن الحقيقي والعمل التجاري السطحي، ويعيد الثقة في الأغنية الجادة، التي تحترم الذوق العام وتحمل رسالة فنية.
وبالفعل، انتهت هذه الموجة، وبدأ المستمع العربي يميل مجددا إلى الأعمال الموسيقية الراقية، في تلك اللحظة، تأكدت من أن الإصرار على تقديم موسيقى تليق بثقافتنا وتاريخنا لم يكن عبثًا، بل كان رهانًا رابحًا على المدى الطويل.
لو عُرض عليك توزيع لحن ضعيف من مطرب يتمتع بجماهيرية طاغية، وفي الوقت ذاته جاءك لحن عبقري من فنان صاعد مجهول… أي الخيارين تختار؟ بمعنى هل تميل إلى النجاح الجماهيري أم إلى الإشباع الفني؟
سؤال ذكي، ويطرح علينا كثيرًا كـ موزّعين موسيقيين، بل وقد نجد أنفسنا أمامه في مواقف واقعية تُجبرنا على اتخاذ قرارات دقيقة، لكن بالنسبة لي، الأمر محسوم: أنا دائمًا أُراهن على القيمة الفنية، لا على الشهره، لذلك أنا لا أقيم العمل بناءً على اسم المطرب، بل على مدى ما يمكن أن يضيفه هذا العمل لي فنيا، وما إذا كنت سأتمكن من تقديم شيء مختلف من خلاله، قد يكون المطرب مشهورا، لكن اللحن لا يحمل أي طاقة فنية أو مساحة إبداع لي، فما الجدوى منه؟ في النهاية ، العمل الذي يحمل فكرة، ولحنًا وإحساسًا صادقًا، هو الذي يعيش و يخلد في ذاكرة المستمع، حتى لو لم يحقق أرقام لحظية كبيرة.
أحمد أمين: الملحن المُتعب.. اعتبره شريكاً حقيقيا في النجاح
من هو “الملحن المتعب” من وجهة نظرك؟ وما الذي يدفعك لتصنيفه كذلك؟
كلمة “متعب” قد تحمل وجهين، الأول ملحن شغوف ودقيق لا يرضى إلا بالكمال، وهذا النوع يُلهمني واعتبره شريكًا حقيقيًا في النجاح، أما الوجه الآخر، فهو الملحن غير الملتزم، الذي يُرهقك بسوء التنظيم وغياب الجدية. وبالنسبة لي، الفن التزام قبل أن يكون إبداعًا، والانضباط المهني أساس نجاح أي عمل.
هل واجهتك مواقف اختلفت فيها رؤيتك الفنية مع رؤية الملحن والمطرب؟ ومن ينتصر في النهاية؟
الخلافات تظهر غالبًا عندما يتمسك المطرب بلون موسيقي تقليدي اعتاد عليه، خوفا من فقدان جماهيريته، ومن وجهة نظري، هذا التردد في التجديد قد يكون خسارة فنية على المدى البعيد، لكني أحرص دائمًا على طرح رؤيتي مع احترام قرار المطرب، وفي النهاية، الكلمة الأخيرة تعود لجهة الإنتاج وفقًا لمتطلبات السوق.
بين الموزع ومهندس الصوت… من ينقذ المطرب الضعيف فنيا؟
أحمد أمين: صوت المطرب يجب أن يمتلك الحد الأدنى من الموهبة لأن التقنية تستطيع أن تُجمل لكنها لا تصنع الإحساس
إذا كان صوت المطرب يمتلك صوت ضعيف هل يستطيع الموزع الموسيقي تحسين أدائه أثناء التسجيل؟
أؤمن أن الصوت يجب أن يمتلك الحد الأدنى من الموهبة، فـ التقنية تُجمّل لكنها لا تصنع الإحساس، وتحسين جودة الصوت هو بالأساس دور مهندس الصوت، لكن في ظل ضعف الإمكانيات الإنتاجية، قد أضطر أحيانا لتولي هذه المهمة.


من هو الملحن الذي تشعر أن بينكم درجة كبيرة من التفاهم في العمل؟
أعتز بالتعاون مع عدد كبير من الملحنين الذين تربطني بهم علاقة صداقة وتفاهم فني حقيقي، وفي مقدمتهم محمدي، محمد يحيى، رامي جمال، مصطفى شكري، ومحمد عبية. وقد شكلت أعمالنا معًا محطات ناجحة ومؤثرة في مسيرتي، وكل تعاون معهم أعتبره إضافة فنية أفتخر بها.


ما هي الاغنية التي ترى أن التوزيع الموسيقي كان العنصر الأبرز في نجاحها؟
يصعب اختزال الإجابة في أغنية واحدة، فهناك أعمال كثيرة كان فيها التوزيع الموسيقي هو العنصر الحاسم، أبرزها ألبوم “أكتر واحد بيحبك” لعمرو دياب، الذي شكل نقلة نوعية في الصوت والتكنولوجيا بفضل رؤية المايسترو طارق مدكور، إلى جانب ألبوم “علم قلبي“، و البوم “قادر وتعملها” لـ محمد محيي، حيث لعب التوزيع دور البطولة في نجاحها.
هل مرّ بك يوم شعرت فيه أن اسمك أو موهبتك تعرضت للاستغلال ولم تنال التقدير الذي تستحقه؟
للأسف، هذا الشعور لازمني منذ بداياتي، وهو واقع يعيشه معظم الموزعين في السوق المصري، نتيجة غياب الفهم الحقيقي لدور الموزع الموسيقي كعنصر إبداعي أساسي في صناعة الأغنية، لا يسلط عليه الضوء كما ينبغي و نادراً ما يحصل على التقدير الكافي، لا معنويا، ولا ماديا، ولا حتى فنيا رغم تأثيره القوي في نجاح العمل أو فشله.
هل حدث أن استمعت إلى أحد توزيعاتك بعد طرحها، وشعرت بأنها لم تخرج كما كنت تتمنى؟
مررت بهذا الشعور أكثر من مرة، وهو من أكثر الأحاسيس الذي يسبب إحباط لأي موزع موسيقي، فأنت تعلم تمامًا إلى أين كان يمكن أن يصل العمل فنيا، لكنك تصطدم أحيانا بـ عوائق خارجة عن إرادتك.
تقصد أن المشكلة في ضعف جهة الإنتاج ؟
بالضبط، في كثير من الأحيان، الميزانية المحدودة تفرض قيودا كبيرة، قد لا يتمكن المطرب من تسجيل آلات حية أو الاستعانة بـ عازفين محترفين، ما يعيق تنفيذ التوزيع كما تصوّرته تمامًا.
وهل يؤثر ذلك فعليًا على النتيجة النهائية؟
بالتأكيد، التوزيع ليس مجرد تركيب أصوات على لحن، بل هو بناء موسيقي متكامل، كل تفصيلة تصنع الفارق: نوع الوتريات، جودة المكساج، كفاءة العازف… وعندما تفتقد إحدى هذه العناصر، يبقى هناك نقص ملموس، قد لا يشعر به المستمع العادي، لكنه واضح لكل من ساهم في صناعة العمل.

من هو المطرب الذي شعرت معه بأن العمل يسير بانسيابية وسلاسة استثنائية؟
بدون تردد… رامي جمال، التعاون معه غاية في السلاسة والاحترافية، لأنه من القلائل الذين يدركون جيدًا ما يريدون، ويعرفون كيف يقدّمون أنفسهم فنيًا بذكاء.
هل يعود ذلك إلى وعيه الموسيقي؟
بالتأكيد، رامي يمتلك وعيا موسيقيا حقيقيا، وثقافة فنية عالية، تجعله دائمًا دقيقا في اختياراته، التواصل معه سلس للغاية، لا حاجة للتفسيرات المطولة أو نقاشات مرهقة.

وهل هناك مطرب آخر تضعه في نفس المرتبة من حيث الراحة والتفاهم الفني؟
بالطبع تامر عاشور، لديه نفس الوعي والعمق والرؤية الفنية، و التعامل معه يمنحني شعورا بالثقة، فنان مثقف يتفاعل ويتدخل في كل تفصيلة، ويشارك في بناء العمل من بداية ولادة فكرة الكلمات حتى اكتمال تسجيل اللحن.
هل سبق وأن قررت عدم تكرار التعاون مع مطرب معين؟
بالتأكيد، حدث ذلك.. ولكن من الصعب ذكر الاسم احتراما للعلاقات الإنسانية، و تفاديا لأي إحراج، فالمسألة في النهاية لا تتعلق بخلاف شخصي، إنما بتجربة فنية لم تكن مريحة بالشكل الكافي وتكرارها مرة أخرى.

أحمد أمين: أعترف بهذا الاسم فقط… موزّع عالمي هو قدوتي و ملهمي الأول.
من وجهة نظرك، من هم أبرز الموزعين الموسيقيين على الساحة العربية والعالمية اليوم؟
في مصر، بلا تردد أضع الأستاذ طارق مدكور في الصدارة، فهو اسم له تاريخ طويل ومبتكر ومتجدد دائما ، أما في لبنان الأستاذ هادي شرارة فهو معاصر دائما لكل جديد.

وعلى مستوى الشرق الأوسط، لا يمكن تجاهل اسم المنتج والموزع والشاعر والمطرب المغربي نادر خياط، المعروف عالميا باسم RedOne، فهو حالة استثنائية في الموسيقى العربية والعالمية، ونجاحه سببه سعيه المستمر لمواكبة التطور، وحرصه على تقديم صوت معاصر يليق بالمنصات العالمية.

أما عالميًا، اعتبر الأمريكي دكتور دري “Dr. Dre“، رمزًا حقيقيًا في عالم الموسيقى، ليس فقط كمنتج بل كصانع اتجاهات ومؤسس مدرسة كاملة في موسيقى الهيب هوب، فهو الأب الروحي لهذا النوع الموسيقي، و سبب ظهور عدد كبير من نجوم الصف الأول عالميًا، ويمتلك تأثيرًا واسعًا وجمهورًا ضخمًا يمتد في كل أنحاء العالم.
هل هناك عمل موسيقي من توزيعك ارتبط في ذاكرتك برحيل شخص عزيز، وترك داخلك أثرًا لا يُنسى؟
هناك أكثر من عمل فني ارتبط بداخلي بلحظات إنسانية مؤلمة، من أبرزها أغنية “كنت فين” لتامر عاشور، و”عايش في ضباب“، و”نفسي أفوق“، للمطرب نبيل، هذه الأعمال لم تكن مجرد توزيعات موسيقية بالنسبة لي، بل كانت انعكاسًا صادقا لحالتي النفسية حينها، وكل واحدة منها تحمل بين نغماتها ذكرى موجعة، و انكسارًا خاصًا لم يشعر به أحد سواي.
هل ترى أن مهنتك كموزّع موسيقى تُرهقك نفسيًا وعصبيًا؟ وإن خُيّرت يومًا بتغيير مسارك المهني، ما الذي قد تختاره؟
العمل في المجال الفني عمومًا، وخاصة في الموسيقى، مرهق جدًا من الناحية النفسية والعصبية، بل يُعد من أكثر المجالات استنزافًا للطاقة الذهنية والجسمانيه، و رغم ذلك الموسيقى هي عشقي الأول والأخير، لم أفكر يومًا في الابتعاد عنه أو تغييره، حتى في أصعب اللحظات، فهو ليس مجرد مهنة بالنسبة لي، بل حياة كاملة أتنفّسها، ومصدر سعادتي الحقيقية، مهما واجهت من ضغوط أو تحديات.
متى تشعر بالراحة الحقيقية؟ وما الشيء الذي يعيد إليك السلام النفسي؟
أشعر براحة عميقة وسلام داخلي حقيقي عندما أنتهي من توزيع عمل موسيقي صعب ومعقد، تلك اللحظة التي يُعجب فيها المطرب بالنتيجة، بعد مجهود طويل، تكون بمثابة مكافأة نفسية كبيرة لي.
فـ الأغاني التي تتطلّب مني تركيزًا عاليًا وجهدًا مضاعفًا، تمثل لي تحديًا شخصيًا، وحين أنجح في تجاوز هذا التحدي و يخرج العمل بالشكل الذي اتمناه، أشعر بانتصار خاص يمنحني سعادة وراحة لا توصف.
لو أُتيحت لك فرصة توزيع آخر عمل موسيقي في مسيرتك… لمن تختار أن يكون هذا العمل؟
لو كان لي مطلق الحرية في الاختيار، سأختار دون تردد السيدة فيروز أو العندليب الراحل عبد الحليم حافظ.
كلاهما أيقونة خالدة، ما يجعل أي موزّع يحلم بأن يضع لمساته الأخيرة على أي عمل لهما… عمل يُختتم به مشواري الفني، و يُخلّد اسمي بجوارهما في ذاكرة الموسيقى العربية.
أحمد أمين: سعيد أن الحوار أتاح لي الفرصة للتعبير عن مواقف كثيرة يعيشها الموزع الموسيقي خلف الكواليس
كيف ترى هذا الحوار الصحفي؟ وما هو أكثر سؤال لفت انتباهك ونال إعجابك؟
بصراحة، أعتبر هذا الحوار من أكثر اللقاءات التي استمتعت بها، لأنه لم يكن تقليديًّا، بل حمل عمقًا في الأسئلة واهتمامًا حقيقيًّا بتفاصيل الرحلة الفنية.
أما أكثر سؤال لفت انتباهي ونال إعجابي، فكان السؤال عن “الاختيار بين النجاح الجماهيري والإشباع الفني”… لأنه سؤال يختبر قناعات الفنان الحقيقية، ويضعه أمام مرآة قراراته المهنية.
وأنا سعيد أن الحوار أتاح لي الفرصة للتعبير عن مواقف كثيرة يعيشها الموزع الموسيقي خلف الكواليس، لكنها نادرًا ما تُطرح بهذا الشكل الواعي والاحترافي.
وفي ختام هذا الحوار، نكتشف أن الموسيقي مشوار طويل به محطات مهمة تبدأ من الحلم.. الشغف.. الاجتهاد، ومجموعه من القرارات و الاختيارات الصحيحة التي تصنع الفرق بين عمل يُنسى وآخر يخلد في الذاكرة.
واتضحت لنا الصورة جيداً ورأينا أن الموزّع الموسيقى هو شريك أصيل في بناء الهوية الصوتية للأغنية، وركن أساسي في نجاحها.
رحلة ضيفنا اليوم تُثبت أن الإبداع لا يُقاس بعدد الأعمال، بل بقيمتها وتأثيرها… وأن التمسك بالمبدأ الفني والصدق مع الذات هما مفتاح الاستمرارية الحقيقية.
في النهاية نشكر المؤلف والموزع الموسيقي أحمد أمين على هذا الحوار الأكثر من رائع علي وعد بحوار آخر مع نجم جديد ونجاحات جديدة مع.. ريهام طارق

ريهام طارق صحافية متخصصة في الشؤون الفنية والثقافية، تمتلك خبرة واسعة في إجراء الحوارات الصحفية مع كبار نجوم الفن في الوطن العربي، تعمل مدير قسم الفن في جريده اسرار المشاهير.
بدأت حياتها المهنية في عدد من الصحف والمجلات الرائدة، من بينها جريدة “إبداع” بالمملكة العربية السعودية، وجريدة “الثائر” في لبنان، وجريدة “النهار” في المغرب، ومجلة “النهار” في العراق، كما شاركت بكتابات تحليلية في مجال السياسة الدولية، ما يعكس تنوع اهتمامها المهني وقدرتها على الجمع بين الرؤية الثقافية والتحليل السياسي في آن واحد، كما عملت عضو اللجنه الاعلاميه في المهرجان القومي للمسرح المصري.