أحمد زكي: النمر الأسمر الذي حفر اسمه في قلب السينما المصرية

أحمد زكي: النمر الأسمر الذي أضاء شاشة السينما المصرية

كتب باهر رجب

سيرة ذاتية شاملة من الميلاد إلى الوفاة

18 نوفمبر 1946 27 مارس 2005

في تاريخ السينما المصرية، قليلون هم الفنانون الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم بحروف من نور في ذاكرة الجمهور العربي. وإذا كان هناك فنان واحد استطاع أن يجسد روح الشعب المصري بكل تناقضاته وآماله وآلامه، فهو بلا شك الفنان الراحل أحمد زكي، الذي عرف بلقب “النمر الأسمر” و”فتى الشاشة الأسمر“. هذا الفنان العصامي، الذي جاء من أعماق الريف المصري، أصبح رمزا للموهبة الفذة والإصرار، محولا ألمه الشخصي إلى إبداع فني خالد. في هذا المقال الصحفي التفصيلي، نستعرض سيرة حياته الكاملة، من الميلاد حتى الوفاة، مستندين إلى وقائع تاريخية وشهادات، لنرسم صورة شاملة لهذا العبقري الذي غير وجه السينما العربية.

الميلاد والنشأة: طفولة مسروقة وبدايات قاسية

ولد أحمد زكي متولي عبد الرحمن بدوي في 18 نوفمبر 1946 في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وكان الابن الوحيد لأبيه الذي توفي بعد ولادته بفترة قصيرة. هذا الفقدان المبكر للأب ترك أثرا عميقا في نفسية الطفل أحمد، والذي سيؤثر على شخصيته وفنه لاحقا. بعد وفاة والده، تزوجت والدته مرة أخرى، مما جعل أحمد يترعرع في كنف جده. هذه التجربة المؤلمة في الطفولة المبكرة شكلت شخصيته و أكسبته نضجا مبكرا، حيث يحكي أحمد زكي عن طفولته قائلاً: “في العاشرة كنت و كأنني في العشرين“. ظل يحمل داخله طفلا حزينا لم يشف من اليتم، ولم يجد كلمة أمي التي حرم من قولها في الصغر.

كان لأحمد أخت شقيقة واحدة تدعى صباح أنجبتها والدته من والده في أواخر الأربعينيات، لكنها توفيت وعمرها أربع سنوات فقط. أما من جهة الأم، فكان له أخوة غير أشقاء من زواج والدته الثاني، ومن بينهم أخته منى عطية التي ظهرت في السنوات الأخيرة تطالب باستعادة مقتنيات شقيقها. بعد حصوله على الشهادة الإعدادية، التحق أحمد بالمدرسة الصناعية، حيث شجعه ناظر المدرسة الذي كان يحب المسرح على الالتحاق بمعهد الفنون المسرحية. في حفل مدرسي، التقى أحمد بمجموعة من الفنانين من القاهرة الذين نصحوه بدخول عالم التمثيل. جئت إلى القاهرة وأنا في العشرين، المعهد، الطموح والمعاناة والوسط الفني وصعوبة التجانس معه، عندما تكون قد قضيت حياتك في الريف.

المسيرة التعليمية و البدايات الفنية

في عام 1973، تخرج أحمد زكي من المعهد العالي للفنون المسرحية قسم تمثيل وإخراج بتقدير امتياز، وكان الأول على دفعته. ضمت دفعته مجموعة من الموهوبين منهم الفنانة شهيرة، عفاف شعيب، أحمد عبد الوارث، مصطفى متولي، منى قطان، وآمال الزهيري. هذا التفوق الأكاديمي كان بمثابة الأساس المتين لمسيرته الفنية اللاحقة. بدأت بداياته الفنية أثناء دراسته في المعهد، حيث كان أول ظهور له في مسرحية “حمادة ومها” عام 1967، وكان يقلد الفنان محمود المليجي في هذا العمل. أما أول ظهور سينمائي له فكان في فيلم “ولدي” عام 1972 أمام الفنان الكبير فريد شوقي.

المسيرة الفنية: من “شفيقة ومتولي” إلى “حليم”

حقق أحمد زكي أول بطولة مطلقة له في فيلم “شفيقة ومتولي” عام 1978 أمام السندريلا سعاد حسني، وهو الفيلم الذي فتح له أبواب النجومية على مصراعيها. قدم أحمد زكي على مدار مسيرته الفنية أكثر من ستين فيلما سينمائيا، حقق من خلالها نجاحا جماهيريا و نقديا كبيرا. من أبرز أعماله السينمائية: “البريء” (1986)، “زوجة رجل مهم” (1988)، “الحب فوق هضبة الهرم” (1986)، “إسكندرية ليه“، “أحلام هند وكاميليا” (1988)، “أبناء الصمت“، “الإمبراطور” (1990)، “كابوريا” (1990)، “الهروب” (1991)، “ضد الحكومة” (1992)، “ناصر 56” (1996)، “استاكوزا” (1996)، “أيام السادات” (2001)، “معالي الوزير” (2002)، وآخر أفلامه “حليم” (2006) الذي لم يكمل تصويره بسبب وفاته.

كانت شراكته مع المخرج الكبير عاطف الطيب من أهم المحطات في مسيرته، حيث قدما معا خمسة أفلام أصبحت من العلامات الفارقة في تاريخ السينما المصرية: “التخشيبة” (1984)، “الحب فوق هضبة الهرم” (1986)، “البريء” (1986)، “الهروب” (1991)، و”ضد الحكومة” (1992). برع أحمد زكي في تجسيد الشخصيات التاريخية بحرفية عالية، حيث جسد شخصية الرئيس جمال عبد الناصر في فيلم “ناصر 56“، وشخصية الرئيس محمد أنور السادات في فيلم “أيام السادات“، وشخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في فيلم “حليم” الذي كان آخر أعماله. في عام 1996، تم تصنيف أحمد زكي كثالث أكثر الممثلين ظهورا في قائمة أفضل 100 فيلم مصري، حيث شارك في ستة أفلام من هذه القائمة المرموقة وهي: “البريء”، “زوجة رجل مهم”، “الحب فوق هضبة الهرم”، “إسكندرية ليه”، “أحلام هند وكاميليا”، و”أبناء الصمت”.

أعماله في المسرح

عمل أحمد زكي في المسرح بأعمال جماهيرية ناجحة شملت “مدرسة المشاغبين” و”أولادنا في لندن” و”العيال كبرت” و”هاللو شلبي“. هذه الأعمال المسرحية ساهمت في صقل موهبته وتطوير قدراته التمثيلية، رغم أن دوره في هذه المسرحيات الكوميدية لم يكن بارزا كما كان في الأعمال الدرامية.

أعماله التلفزيونية

تألق أحمد زكي في التلفزيون من خلال مسلسلات مهمة، أبرزها مسلسل “الأيام” الذي جسد فيه شخصية عميد الأدب العربي طه حسين، ومسلسل “هو وهي” الشهير عام 1985 مع النجمة سعاد حسني، وهو المسلسل الوحيد الذي عرض في شهر رمضان، وحقق نجاحا جماهيريا واسعا حتى أن الشوارع كانت تخلو من الناس وقت عرضه.

الحياة الشخصية و العاطفية

الزواج و الأبناء

تزوج أحمد زكي من الممثلة الراحلة هالة فؤاد، و أنجبا ابنهما الوحيد هيثم أحمد زكي. التقى الثنائي لأول مرة أثناء تصوير فيلم “الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين“، و قررا الزواج بعدها، لكن زواجهما لم يستمر سوى عامين فقط بسبب كثرة الخلافات بينهما. قال أحمد زكي عن زوجته: “كانت حب عمري، اللي ضيعته من أيدي بسبب عصبيتي“. كان السبب في انفصالهما أن أحمد زكي طلب من هالة فؤاد اعتزال الفن والتفرغ للحياة الزوجية، لكنها رفضت وطلبت الطلاق. لم يتزوج أحمد زكي بعد طلاقه من هالة فؤاد حتى وفاته.

أنجب أحمد زكي من زوجته هالة فؤاد ابنه الوحيد هيثم في الثالث من أبريل عام 1984. بعد انفصال الوالدين، عاش هيثم مع والدته ثم مع زوجها عز الدين بركات وشقيقه رامي بركات. كان أحمد زكي يحب ابنه حبا جما ووصفه في أحد اللقاءات قائلا: “هيثم طول عمره حنون و بيحب بجد، وأنا مربيه على العطف والحنان، أنا بطبطب على أحمد زكي من خلاله، وهو شبه والدته في حاجات كتير”.

دخل هيثم أحمد زكي عالم الفن صدفة عندما استعان به صناع فيلم “حليم” ليؤدي شخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ في مرحلة شبابه، بينما كان والده يجسد الشخصية في آخر مراحلها العمرية. شارك هيثم في عدة أعمال سينمائية و درامية منها “البلياتشو“، “كف القمر“، “دوران شبرا“، و”كلبش 2“. توفي هيثم أحمد زكي في السابع من نوفمبر عام 2019 إثر هبوط حاد في الدورة الدموية عن عمر يناهز 35 عاما، وهو نفس العمر الذي توفيت فيه والدته هالة فؤاد. عاش هيثم حياة قاسية بعد فقدان والدته وهو طفل، ثم والده، و عبر عن معاناته من الوحدة في رسالته الأخيرة لوالده التي كتبها بخط يده: “يا بابا، أنا مليش غيرك وأنت ملكش غيري“.

النساء الأخريات في حياته

إلى جانب زوجته هالة فؤاد، كانت هناك عدة نساء مؤثرات في حياة أحمد زكي:

رغدة: ربطتهما علاقة صداقة قوية قامت على الحب والتفاهم، و شاركا في 4 أعمال سينمائية معا. كان الوسط الفني يعرف هذه العلاقة ولا يزال يضرب بها المثل حتى الآن.

عفاف شعيب: ربطتها بأحمد زكي علاقة صداقة قوية بدأت أثناء دراستهما في المعهد، وكان يأخذ برأيها و نصيحتها دائما. كان أحمد زكي يقول لابنه هيثم عنها “دي عمتك”، حتى أنه صدق بأنها أخت أبيه.

سعاد حسني: جمعتهما علاقة من نوع خاص، حيث تشاركا في العديد من الأعمال السينمائية معا، وعلى الرغم من نجاحهما إلا أن سعاد حسني كانت شاهدة على أول رفض له في فيلم “الكرنك” عام 1975.

شهيرة: بدأت صداقتهما قبل شهرة كل منهما في بلدتهما بمحافظة الشرقية، حيث قدما سويا مجموعة من العروض المسرحية بقصر ثقافة المحافظة. سافرت شهيرة أولا إلى القاهرة، وعندما لحق بها أحمد زكي ساندته و عرضته على عدد كبير من المخرجين.

نجلاء فتحي: كون علاقة صداقة قوية معها بعدما شاركها بطولة فيلم “سعد اليتيم“، وانتشرت شائعات عن وجود علاقة حب بينهما بسبب ظهورهما معا في أكثر من مناسبة، لكن أحمد زكي نفى هذه الشائعات.

الحياة الاقتصادية والثروة

رغم شهرته الواسعة ونجاحه الفني الكبير، فإن ثروة أحمد زكي عند وفاته كانت متواضعة مقارنة بمكانته الفنية. تكونت ثروته من: 50 ألف جنيه مصري نقدا فقط، شقة تقع في بيلفي هيلز بمنطقة المهندسين تقدر بـ 3 مليون جنيه، شقة في الهرم بالجيزة كانت مقر شركته وتقدر بـ 850 ألف جنيه مصري، 3 سيارات: اثنتان من نوع “مرسيدس” والثالثة من فئة “بيجو“.

هذا التواضع في الثروة يعكس شخصية أحمد زكي البسيطة وتركيزه على الفن أكثر من المال، كما يظهر أيضا عدم اهتمامه بالجانب التجاري بقدر اهتمامه بالجودة الفنية. لم تكن حياة أحمد زكي الاقتصادية مستقرة في بدايته، فقد جاء إلى القاهرة وهو فقير لا يملك شيئا. لكن بعد نجاحه الكبير، أصبح من أعلى النجوم أجرا في السينما المصرية.

كان أحمد زكي كريما جدا مع عائلته، حيث كان يرسل كل شهر مظاريف مغلقة لكل فرد من العائلة باسمه، وفي الأعياد كان يرسل لهم امولا وهدايا وعيديات قبل العيد بأسبوعين. أنفق على والدته لتحج مرتين و عمرات كثيرة، هي وبناتها و كثيرين من العائلة، وكان مخصصا للعائلة يوما في كل شهر يزورونه فيه في بيته، وكان يسأل كل فرد منهم على حدة: “عايز حاجة؟”، وكان يحل مشاكل أي فرد من العائلة دون أن يخبر أحدا عن مشكلة الآخر. بعد وفاة أحمد زكي ثم وفاة ابنه هيثم، أصبح رامي بركات (شقيق هيثم من والدته) هو الوريث الشرعي الوحيد لممتلكات أحمد زكي وابنه.

نشبت خلافات بين أسرة أحمد زكي و ورثة هيثم حول مقتنيات الفنان الراحل، حيث اتهمت منى زكي (شقيقة أحمد من الأم) رامي بركات ببيع مقتنيات شقيقها، لكن والد رامي نفى ذلك وأكد أن جميع المقتنيات سلمت لوزارة الثقافة.

العلاقة بالسياسة والمواقف السياسية

كان أحمد زكي حريصا على عدم الخوض في السياسة، حيث قال في أحد الحوارات: “أنا فنان ولا يجب أن أتكلم في السياسة“، وأثناء الحوار قطع كلامه أكثر من مرة ليؤكد: “أنا مش محلل سياسي“. ومع ذلك، فإن اختياره لتجسيد شخصيات سياسية مهمة مثل جمال عبد الناصر والسادات يعكس رؤيته الفنية للتاريخ المصري المعاصر. كما أن هناك من يرى أن السياسة كان لها دور في منع وصوله للعالمية. كان الرئيس محمد حسني مبارك قد أصدر قرارا بسفر أحمد زكي لفرنسا للعلاج على نفقة الدولة عندما اكتشف مرضه بالسرطان في يناير 2005.

آراء النقاد والمخرجين

آراء النقاد

وصف الصحفى خالد فؤاد رئيس التحرير أحمد زكي بأنه “نحات“، وقال: “النحت في التمثيل أو التمثيل المنحوت أو التشخيص بالإزميل كل هذه يمكن أن تكون عناوين للمدرسة التي ينتمي إليها أحمد زكي“.

كما وصفه أيضا بأنه “صائد الإحساس” و”نموذج عصامي مصري وعربي فريد للنجاح والتحقق، والصعود إلى القمة، بالعرق والدم والدموع، وتحقيق المجد بالعمل والاجتهاد وحده.

كذلك يراى فؤاد : أن أحمد زكي لا يقل أهمية عن الممثلين العالمين ، لانه يتشارك نفس القلق الداخلي الذي يميز الفنانين الحقيقين. كما شبهه خالد فؤاد : شبهه بمزيج من سيدني بواتييه في قدرته على أداء الأدوار الصعبة، وآل باتشينو في إحساسه العالي، و داستن هوفمان في تلقائيته وحضوره الطاغي أمام الكاميرا.

الناقد طارق الشناوي: قال: “جيل محمد خان وعاطف الطيب وخيري بشارة وداود عبد السيد، كان أحمد زكي بمثابة الملهم في الشعر لهذا الجيل فهو الحلم الذي يتجسد أمامهم”.

الناقد مجدي الطيب: وصفه بـ”صائد الإحساس”، قائلاً: “أن زكي أثبت للجمهور قبل النقاد أن الممثل الجيد ليس أبداً ذلك الممثل الوسيم الذي يجسد النموذج المثالي للجمال في صورته السطحية”.

آراء المخرجين

أكد المخرج داود عبد السيد أن “أحمد زكي ينتمي لجيل مهم في تاريخ السينما المصرية ويقصد تحديدا على مستوى التمثيل، جيل أحمد زكي يختلف في أسلوبه”. وتؤكد المخرجة إيناس الدغيدي أن “أحمد زكي كان يتأثر بالشخصية و يتعايش معها بشكل لافت”، مما كان يخيف الفنانات أحيانا أثناء مشاهد الضرب بسبب انغماسه الكامل في الدور. المخرج شريف عرفة قال عنه: “أحمد زكي موهبة، لكنه لم يكن يمتلك التكنيك، يعني ممكن يعمل المشهد أول مرة حلو جدا، لكن عند الإعادة لا يقدمه بالقوة نفسها مرة أخرى”.

الإيجابيات والسلبيات

الإيجابيات

القدرة الاستثنائية على تقمص الشخصيات: كان يمتلك موهبة فذة في تجسيد أي شخصية مهما كانت معقدة.

البحث عن الصدق الفني: رفض أحمد زكي أي عمل لا يجد فيه الصدق و الإقناع.

التنوع الفني: برع في السينما والمسرح والتلفزيون والغناء أيضاً. الالتزام بالجودة: لم يقبل بالأعمال التجارية على حساب الفن.

التواضع والبساطة: رغم شهرته، حافظ على طبيعته البسيطة. كان كريما جدا مع عائلته وأصدقائه، ولم يبخل عليهم بأي شيء، وكان يحل مشاكلهم ويساعدهم دون أن يطلبوا منه. كما كان إنسانا رقيقا يهتم بالحيوانات، كما ظهر في موقفه الشهير مع الكلب الذي دافع عنه واشترى له كيلو كباب و كفتة.

السلبيات

العصبية الشديدة: اعترف بأن عصبيته كانت سببا في فقدانه لحب عمره.

صعوبة في التعامل أحيانا: كان معروفا بتشدده في العمل مما خلق خلافات مع بعض المخرجين.

الانطوائية: لم يكن يحب التجمعات والظهور الاجتماعي.

عدم الاستقرار العاطفي: لم يستطع الحفاظ على زواجه وظل وحيدا معظم حياته. كان يخاف من مشاهدة أعماله بعد الانتهاء منها، وكان يهرب من العروض الخاصة قبل عرض الفيلم بلحظات بسبب الخوف والقلق من مصير العمل.

الطموحات والأهداف

الطموح الفني

كان هدف أحمد زكي الأساسي هو “أن يحقق ذاته فنيا وماديا، ماديا للتخلص من ذل الحاجة ومعنويا، لإثبات التفوق والصمود بوجه عالم لا يرحم”. كان يسعى دائما لتقديم أعمال فنية راقية تليق بموهبته وتخدم الفن المصري.

علاوة على ذلك كان يؤمن بضرورة تقديم الشخصيات الإيجابية والسلبية أيضا، حيث قال: “لابد أن أقدم الشخصيات الإيجابية والسلبية أيضا“، مما يعكس رؤيته الفنية الشاملة للحياة بكل تناقضاتها. كذلك كان طموحه في الحياة الفنية لا حدود له، حيث كان يحلم بتقديم شخصيات كثيرة معروفة وغير معروفة، مثل طه حسين و العقاد والمهندس حسن فتحي وعبد العاطي صائد الدبابات والمهندس عبد المتعال الذي عمل في بناء السد العالي. كان يريد أن يقدم شخصية الشيخ الشعراوي، لكن هذا الحلم لم يتحقق.

الطموح الشخصي

على المستوى الشخصي، كان أحمد زكي يسعى لإثبات ذاته كفنان عصامي نجح بموهبته فقط. كان يحلم بتكوين أسرة مستقرة، لكن طبيعته المعقدة وتجربة اليتم المبكرة جعلت هذا الهدف صعب التحقيق. في حياته الشخصية، كان يطمح للاستقرار العاطفي و الأسري، لكن هذا الحلم لم يتحقق أيضا. ندم كثيرا على تطليق هالة فؤاد وقال إنه لن يتزوج مرة أخرى.

العلاقات والصداقات

كانت أبرز صداقة في حياة أحمد زكي هي مع الفنان الراحل ممدوح وافي، والتي وصفت بأنها “أعظم صداقة في الوسط الفني“. هذه الصداقة المتينة والقوية استمرت حتى النهاية، و تجاورا حتى في القبر. تشاركا بطولة عدد كبير من الأفلام مثل “البيضة والحجر“، “سواق الهانم“، “ناصر 56“، “استاكوزا“، و”أبو الدهب“. عندما علم ممدوح وافي بمرض صديقه أحمد زكي بالسرطان، شعر بصدمة كبيرة وتفرغ ليلازمه في رحلة العلاج، و أوصى بأن يدفن بجواره بعد وفاته.

المفارقة الغريبة أن ممدوح وافي اكتشف هو الآخر أنه مصاب بالسرطان، ورحل قبل أحمد زكي في 17 أكتوبر 2004، أي قبله بخمسة أشهر فقط، و نفذت وصيته و دفن في مقبرة أحمد زكي.

كما كانت له علاقة صداقة قوية مع نجلاء فتحي، بعدما شاركها بطولة فيلم “سعد اليتيم“، ثم تكررت تجاربهما الفنية في كثير من الأعمال. بحسب ابن خاله، كانت تربط أحمد زكي بسعاد حسني “علاقة صداقة خاصة، وكانت تكتمل كيمياء كل منهما في العمل أمام الآخر”.

ارتبط أحمد زكي بعلاقة صداقة في طفولته مع مصطفى عراقى ابن حي الحسينية بمدينة الزقازيق، حيث اشترك معه في تمثيل مسرحية في بداية حياته الفنية بقصر ثقافة الشرقية، وكان اسمها “البرواز“.

كان أحمد زكي يرسل المال لكل المحتاجين من جيرانه، وكانت تربطه مودة بكل من يعرفهم. قدم أحمد زكي نصائح ذهبية لعدد من الفنانين الشباب الذين عملوا معه، ومن بينهم:

نصائحه 

محمد لطفي: قال له أحمد زكي: “إنت جواك ممثل جبار، خلي بالك أحسن يضحكوا عليك و يخلوك تعمل أفلام أكشن ضعيفة وتبقى نمطي. اشتغل على نفسك و هيبقى ليك باع كبير في التمثيل”.

ماجد المصري: نصحه قائلا: “لما تيجي تمثل متحطش في دماغك تمثل عشان تدخل مهرجان، أنت تمثل وبس“.

الفنان نور الشريف: قال عنه: “أحمد زكي موهوب بنسبة 100%، أما أنا، فموهبتي لا تتجاوز 70%“. وعندما سمع أحمد زكي هذا الكلام، رد بتواضع: “نور الشريف فنان كبير، وده حال الكبار“.

السيناريست وليد سيف: قال: “آخر فن التمثيل في مصر حتى الآن في رأيي ورأي الكثيرين هو أحمد زكي.. يقف أحمد بأدواره المتنوعة وإمكانياته الفنية واجتهاده لأداء شخصياته إلى أعلى الدرجات”.

الجوانب الرياضية

كان أحمد زكي يشجع النادي الأهلي بحكم أن خاله كان أهلاويا، بينما كان ابنه هيثم يشجع الزمالك لأن جده (والد هالة فؤاد) كان زمالكاويا. لكن أحمد زكي توقف عن تشجيع كرة القدم بعد حادثة كادت أن تكلفه حياته، حيث كان يتابع مباراة للمنتخب المصري مع تونس في التصفيات المؤهلة لكأس العالم، وبعد خسارة المنتخب صرخ و أغمي عليه وكان بمفرده في المنزل، ومن وقتها لم يتابع كرة القدم إلا مباريات المنتخب فقط. قدم أحمد زكي شخصية اللاعب الرياضي في أكثر من عمل، منها فيلم “النمر الأسود” الذي جسد فيه لاعب ملاكمة، وفيلم “كابوريا” الذي قدم فيه نفس الرياضة، وفيلم “مستر كاراتيه” الذي قدم فيه هذه الرياضة القتالية.

الوفاة والجنازة

توفي أحمد زكي في 27 مارس 2005 عن عمر يناهز 58 عاما في مدينة السادس من أكتوبر. بعد صراع مع مرض سرطان الرئة. في بداية يناير 2005، ذهب أحمد زكي لإجراء بعض الفحوصات الطبية في مستشفى دار الفؤاد ليكتشف إصابته بسرطان في الرئة.

سافر للعلاج في فرنسا في فبراير 2005 وخضع لمزيد من الفحوصات والتحاليل الطبية تحت إشراف الطبيب الفرنسي لوشوفالييه. أثناء تصوير فيلم “حليم”، أصيب أحمد زكي بوعكة صحية. ودخل المستشفى. في صباح يوم الأحد الموافق 27 مارس 2005.

لفظ أحمد زكي أنفاسه الأخيرة داخل غرفته في مستشفى دار الفؤاد بمدينة السادس من أكتوبر. بعد صراع مع مرض السرطان.

أفاد التقرير الطبي أن سبب الوفاة كان نتيجة الجلطات المتكررة في المخ وإصابته بضيق حاد في الشعب الهوائية. عند وفاته، لم يكن قد انتهى من تصوير فيلمه الأخير “حليم” الذي جسد فيه شخصية العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ. و عرض الفيلم بعد وفاته في عام 2006.

كان أحمد زكي قد أوصى قبل وفاته بأن تشيع جنازته من مسجد عمر مكرم في ميدان التحرير بالقاهرة. غير أن الظروف الأمنية حالت دون ذلك. وكان من الطريف أنه طلب تصوير جنازته لتوضع في فيلم “حليم”.

مما يعكس تفانيه في الفن حتى النهاية. لم ينتبه أحد لسبب رغبة الفنان الراحل أحمد زكي في أن تصور جنازته و توضع في فيلم حليم آخر أفلامه. تقرر أن تشيع جنازته من أمام مسجد مصطفى محمود ظهر يوم الاثنين 28 مارس 2005. وذلك بدلا من مسجد عمر مكرم لدواع أمنية.

توافدت جموع الفنانين إلى المستشفى وأصيب بعضهم بحالة انهيار وبكاء مستمر منهم فاروق الفيشاوي وحنان ترك ومحمد هنيدي. كانت جنازته مهيبة حضرها كل مشاهير مصر من الوسط الفني والثقافي. في وداع مؤثر لواحد من أعظم ممثلي السينما المصرية والعربية.

الإرث والتأثير

ترك أحمد زكي إرثا فنيا عظيما يتمثل في عشرات الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التي لا تزال تعرض حتى اليوم. مدرسته في التمثيل التي تعتمد على “التقمص الانفعالي” أثرت على جيل كامل من الممثلين العرب. كان أحمد زكي “كتلة المشاعر والأحاسيس.

عبقري الفن الذي لم يأت الزمن بمثله. المبدع القادر على أن يقنعك بأنه الرئيس والزعيم والوزير و البواب و الغفير”. حيث فى أثناء تصوير فيلم البيه البواب قام أحد السكان. بطلب توصيل الشنطه الخاصه به وقام الفنان احمد زكى. بإحضار الشنطه وإيصالها كما طلب صاحبها وقام بإعطائه بقشيش. لكن المفارقة أن احمد زكى اعتبر أن هذا البقشيش هو وسام له.

يذكر أن ابنه هيثم أحمد زكي حاول اتباع خطى والده في عالم التمثيل. وشارك معه في فيلم “حليم” مجسدا شخصية عبد الحليم الشاب. لكن القدر لم يمهله طويلا حيث توفي في عام 2019. ترك أحمد زكي بصمة لا تمحى في تاريخ السينما المصرية. حيث غير مفهوم ومواصفات “الفتى الأول“. التي كانت تتبلور في الوسامة والرشاقة ومقاييس الجمال المثالية.

الموهبه

أثبت أن الممثل الجيد يقاس بموهبته وأدائه وليس بمظهره الخارجي. وفتح الباب أمام جيل جديد من الممثلين الذين لا يمتلكون مقاييس الجمال التقليدية. جسد أحمد زكي في أعماله الشخصية المصرية الأصيلة البعيدة عن شخصية الأفندي. وقدم في كل مرة وجها أكثر صدقا للمصري الأصيل من الطبقات الشعبية والفقيرة. أصبح رمزا للأدوار الواقعية و الدرامية.

كما ترك مدرسة فنية متفردة في التمثيل عرفت بـ”مدرسة الفن المنحوت“. عند مقارنة أحمد زكي بنجوم العصر الحالي. يتضح الفارق الكبير في المستوى الفني والثقافي. كان أحمد زكي يدرس شخصياته بعمق شديد ويعيش داخلها لأشهر قبل التصوير. بينما يعتمد الكثير من نجوم العصر الحالي على الشكل والإثارة أكثر من الموهبة.

كان أحمد زكي يختار أدواره بعناية شديدة ويركز على القضايا الاجتماعية والسياسية المهمة. بينما يركز الكثير من نجوم اليوم على الأعمال التجارية والكوميديا الخفيفة. كان يهتم بأسلوبه في الحوار وشكله وملابسه بما يناسب الشخصية التي يؤديها. وليس بهدف الظهور بشكل جذاب فقط. من حيث الثقافة،

كان أحمد زكي مثقفا واسع الاطلاع يقرأ كثيرا ويهتم بالتاريخ والأدب. بينما يعاني الكثير من نجوم اليوم من ضعف الثقافة العامة. كان يحترم فنه و يقدسه ويعتبره رسالة سامية. بينما يعتبر الكثيرون اليوم الفن مجرد وسيلة للشهرة والثراء. هيئته كانت بسيطة، ملابسه عادية تعكس الشخصية أما اليوم فالنجوم يتبعون الموضة العالمية. أسلوبه في الحوار كان طبيعيا عميقا، مقابل السرعة و الإيقاع اليوم.

النصائح الذهبية

ترك أحمد زكي العديد من النصائح الذهبية في أفلامه و حواراته، منها: “شوية جنان عشان نعرف نعيش” – من أحد أفلامه. “كلنا فاسدون، لا أستثني أحدا حتى بالصمت العاجز المتواطئ” – من فيلم “ضد الحكومة”. “أنا عايز انصحك نصيحة تحافظي بيها على جمالك وعلى شبابك. أوعي تحاولي تفهمي أي حاجة” – من فيلم “أربعة في مهمة رسمية”. نصيحته للممثلين الشباب: “أنت تمثل وبس، متحطش في دماغك تمثل عشان تدخل مهرجان”.

أطلق عليه الجمهور والنقاد عدة ألقاب منها: “الإمبراطور” نسبة لدوره في فيلم يحمل نفس الاسم. “النمر الأسود” نسبة لفيلم بنفس الاسم. “رئيس جمهورية التمثيل“، “العبقري“، “فتى الشاشة الأسمر“، “الفتى الأسمر“، و”جاك نيكلسون العرب“.

الجوائز و التكريمات

حيث حصل أحمد زكي على العديد من الجوائز و التكريمات طوال مسيرته الفنية منها:

1- جائزة مهرجان القاهرة السينمائي عام 1990.

2- جائزة مهرجان الإسكندرية عام 1989.

3- جائزة من الجمعية المصرية لفن السينما عن فيلم “البريء” عام 1986.

4- جائزة من الجمعية المصرية لفن السينما عن فيلم “الرجل الثالث” عام 1995.

5- جائزة من الجمعية المصرية لفن السينما عن فيلم “الإمبراطور” عام 1990.

6- جائزة من المركز الكاثوليكي المصري كأفضل ممثل سينمائي عامي 1992 و1990.

7- جائزة المركز الكاثوليكي المصري لليوبيل الذهبي عام 2001.

8- جائزة أحسن ممثل من المركز الكاثوليكي المصري عام 2002.

9- تمثال أوسكار أحسن ممثل عام 1998.

10- جائزة أوسكار الشرق الأوسط عن أحسن ممثل عام 1996.

11- تكريم في مهرجان قرطاج في تونس عن فيلم “أيام السادات” عام 2002.

كما واجه أحمد زكي عوائق كثيرة في حياته. أبرزها اليتم والحرمان من حنان الوالدين في طفولته. كما واجه التمييز بسبب بشرته السمراء في بداية مسيرته الفنية. حيث تم استبعاده من فيلم “الكرنك” بسبب لون بشرته. لكنه تغلب على كل هذه العوائق بموهبته وإصراره و عزيمته. كذلك أثبت أن الممثل الجيد ليس بالضرورة ذلك الممثل الوسيم.

خاتمة: النمر الذي لا ينسى

علاوة على ذلك يبقى أحمد زكي في ذاكرة الجمهور العربي رمزا للموهبة الأصيلة والفن الراقي. رجل حمل هم اليتم منذ الطفولة. و حول ألمه إلى إبداع استثنائي أضاء شاشة السينما المصرية لعقود. لم يكن مجرد ممثل. بل كان فنانا حقيقيا عاش من أجل الفن ومات من أجله. “النمر الأسمر” كما عرف، ترك وراءه مكتبة فنية ثرية تشهد على عبقريته. وقصة حياة تحكي عن إنسان استطاع أن يتحدى ظروفه القاسية ليصل إلى القمة بموهبته و عزيمته. وإذا كان أحمد زكي قد رحل جسدا. فإن فنه وأعماله ستبقى خالدة تتناقلها الأجيال. شاهدة على أن الموهبة الحقيقية لا تموت أبدا. رحل أحمد زكي وترك أفلاما وشخصيات تصنع حياة كاملة. وتعيش لأجيال قادمة وذلك هو الفن والفنان الحقيقي الذي لا يفكر سوى في العطاء ويعطي من روحه.

في ذكرى النمر الأسمر: “الفن هو الحياة، والحياة بدون فن مجرد وجود” – أحمد زكي.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.