أحمد عبد الصبور : ” إنّ الفنَّ بكافة أشكالِه يعكسُ تاريخ الإنسانِ ، وهو أكثر صدقاً مِن الوثائِق ذاتها … وخاصة ً السينما تعد مدونة تاريخية وذاكرة إنسانية “
حسام مجدي
بمناسبة الذكرى الـ 49 على إنتصارات حرب أكتوبر المجيدة ، إستضافت قناة إذاعة البرنامج الثقافي المؤرخ والناقد الفني “ د. أحمد عبد الصبور ” في حلقة من برنامج ” بلا حدود “ على قناة إذاعة البرنامج الثقافي ( تردد FM 91.50 ) ، بعنوان “ دور الدراما في التوثيق لحرب أكتوبر 73 ” .
البرنامج من تقديم المذيع / هاني عويس ، وإعداد / أماني الخولي ، وهندسة صوتية / أيمن جميل ، وإخراج / د. ناهد الطحان .
وقد تحدث “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
إن ذكرى إنتصارات حرب أكتوبر المجيدة تمثل لنا لحظات من الألم والأمل والخوف والفرح التي عاشها الجنود المصريون على الجبهة دفاعاً عن الأرض المصرية ، ومع جلال الحدث حاول صناع السينما والدراما بشقيها الإذاعية والتليفزيونية فضلاً عن الكتاب والآدباء … حاولوا تجسيد بعض قيم الفداء والتضحية للجنود المصريين في حرب أكتوبر 73 والتي كشفت في نفس الوقت عن قوة وصلابة المقاتل المصري وإستعداده للتضحية بحياته في سبيل وطنه .
ثم أشار ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
” إنّ الفنَّ بكافة أشكالِه يعكسُ تاريخ الإنسانِ ، وهو أكثر صدقاً مِن الوثائِق ذاتها … وخاصة ً السينما تعد مدونة تاريخية وذاكرة إنسانية ” .
فمنذ إنطلاق السينما في بداياتها إعتمدت على كتابة السير الذاتية والأحداث التاريخية المؤثرة بإعتبارها – أي الأحداث نفسها – تلقى رواجاً شعبياً ورغبة نهمة في التعرف على سير تلك الشخصيات البارزة وحياتهم المؤثرة داخل التاريخ ، وهي في الوقت نفسه تخليد لأشخاص يستحقون – وفق رأي صناع الفيلم – أن يبقوا في الذاكرة وتروى سيرهم للأبد .
لقد إعتمد ذلك النوع السينمائي في البداية على الشخصيات والأحداث البارزة في التاريخ ؛ إلا أنه – ومع الوقت – تطور الأمر ليشمل حكايات واقعية لأشخاص مجهولين نجحوا في كسب تحدياتهم الإجتماعية واليومية … تغيرت كذلك ـ مع الوقت ـ طريقة تناول تلك السير والأحداث ؛ من السرد الخطي للأحداث المتتابعة زمنياً ؛ لتناولٍ مكثف للأحداث الدرامية المتعلقة بالقصة .
الأفلام التاريخية وأفلام السير الذاتية هي أفلام تروي حكاية أحد الأشخاص ليس من الضروري أن تكون حياته مليئة بالأضواء أو الشهرة ؛ لكنها – وعلى الرغم من ذلك – تنطوي على الإثارة أو الغرابة الكافية التي جعلتها تستحق أن تروى للآخرين ، فتمنحنا السينما فرصة الإقتراب من عوالم وحيوات ربما لم نكن ندري أنها وجدت يوماً ؛ فتنفض التراب عن وقائع تاريخية قديمة مرة ، وتحكي لنا كيف تغلب شخص ما – خاض حروبه وحيداً في الظل – على معاناته .
تقترب هذه النوعية من الأفلام بكثير من الأحيان من تفاصيل شديدة الإنسانية لم نكن لنلتفت إليها ، ودائماً ما ترتبط هذه النوعية من الأفلام بجدل حول ما هو واقعي وما هو خيالي في القصة ؛ فهل حقاً نالت إسكتلندا حريتها بفضل مقتل فلاحة قروية ، وإنتقام لقصة حب تم وأدها ؟ هل هو تزييف لوقائع تاريخية ، أم مجرد ضرورة درامية ؟! ” جون ناش ” لم يشكر زوجته ” إليسيا لوبيز ” أثناء خطاب تلقيه جائزة نوبل ، أحد لن يهتم طالما كان المخرج بارعاً في إخراج المشهد ونجح في النهاية من إنتزاع التصفيق الحار .
ثم أضاف ” أحمد عبد الصبور ” متحدثاً عن أهمية التدوين السينمائي في الزمن الحديث ،،، قائلاً :
تعتبر تلك النوعية من الأفلام على درجة عالية من الأهمية ؛ لما أضافته من توثيق مرئي للتاريخ الإنساني ، ترتبط تلك الأهمية بعدم إقبال الإنسان الحديث على القراءة ، وإعتماده أكثر على المواد البصرية ؛ فأصبحت السينما وسيلة ذات فاعلية كبيرة في توثيق أحداث هامة في التاريخ الإنساني .
إذا ما قارنا مثلاً بين معرفة الناس – والحديث هنا عن الجمهور العادي غير المهتم بالتاريخ كدراسة – بالحرب العالمية الأولى والثانية ؛ سنجد أن أغلب الناس على دراية أكثر بالأخيرة ومقدماتها السياسية والإجتماعية ، وأحداثها التاريخية ؛ وحتى بعض وقائعها الحربية ، والفضل بالتأكيد يعود لإهتمام السينما وتناولها للحرب العالمية الثانية على عكس الأولى التي لم تكن السينما قد حققت الرواج نفسه ، أو أصبحت بنفس المقومات الفنية والتقنية ، وبالتأكيد لأهمية الحرب العالمية الثانية في تشكيل الحياة المعاصرة ، أو عالم ما بعد الحرب ، وقدرة السينما على تقديم تلك الوقائع التاريخية بشكل سلس وممتع .
وقد لمح ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
” إن نضال الإنسان ضد السلطة هو نضال الذاكرة ضد الإنسان ” .
ففي شهر فبراير من عام 1948 وقف الزعيم الشيوعي ” كليمان غوتوالد ” في مدينة براغ ليخطب في مئات الآلاف من المواطنين وإلى جانبه وقف رفيقه ” كليمانتس ” ، ولأن الجو كان بارداً ، والثلج بدأ في التساقط ؛ قام ” كليمانتس ” بنزع قبعته من الفرو ووضعها على رأس ” غوتوالد ” ، فقامت شعبة الدعاية والإعلام بالحزب بإنتاج آلاف النسخ وتوزيعها كتوثيق لتلك اللحظة التاريخية الهامة في تاريخ المدينة … وبعد ذلك بأربع سنوات فقط أتُّهم ” كليمانتس ” بالخيانة وشُنق ؛ فقامت شعبة الدعاية ذاتها بإزالته من كل الصور الفوتوغرافية التي تم طبعها في السابق ، لقد مُحي أثره من التاريخ ؛ ولم يتبق من ” كليمانتس ” سوى قبعته على رأس ” غوتوالد ” .
تسارع وتيرة التاريخ وأحداثه المتلاحقة جعلته عرضة للنسيان بشكل أكبر ؛ فسرعان ما حجب ميدان التحرير في الـ25 من يناير ، الثورة التونسية التي سبقته بقليل ، ونجح جنون ” القذافي ” في نقل الكاميرات من مصر إلى ليبيا ، وغطت مجازر ” بشار ” الطائفية في سوريا على جرائم القذافي ؛ ثم أعاد إعتصام رابعة مصر إلى الواجهة مرة أخرى ، وأنست محاولة الإنقلاب الفاشل في تركيا تأوهات وجراح الأطفال السوريين في حلب ، وهكذا دواليك إلى أن يُنسى كل شئ تماماً .
هنا تأتي أهمية ذلك النوع من الأفلام تحديداً أنه يعطي تلك الأحداث التاريخية عمراً مديداً وقدرة أكبر على البقاء في الذاكرة الإنسانية ؛ لهذا تحديداً يمكن تفسير بقاء ذكرى ” الهولوكوست ” حياً في الذاكرة الإنسانية وملتصقاً بالوعي الجمعي ، الأمر لا يعود لمدى فظاعة الجرائم فقط ؛ لأن الهولوكوست سبقته جرائم أكثر ، ولحقته جرائم أبشع ، الأمر يتعلق أكثر بمدى كثافة التناول السينمائي للجريمة وتوقفه طويلاً حول أسبابها وتداعياتها ووقائعها ، الأمر الذي يلفت الإنتباه لقدرة السينما على التعاطي مع التاريخ والتأثير في الحياة المعاصرة .
ثم تسائل ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
هل الأفلام السينمائية التاريخية … رواية تاريخية أم رؤى ذاتية للتاريخ ؟
أي رواية للتاريخ مهما حاول صاحبها الإلتزام بالموضوعية لن يوفّق تماماً ، وسينطوي الأمر بالتأكيد على تحيزات إنسانية لا مفر منها وحتى إعتبارات سياسية ، وهو أمر قد لا يخل بالرواية التاريخية ذاتها ؛ لكنه لا يجعلها تاريخية تماماً ، كذلك الحال بالنسبة للسينما بإعتبارها أحد المدونات التاريخية في الزمن الحديث ، فإذا ما قارنا مثلاً بين تناول السينما الأمريكية ونظيرتها الألمانية لـ ” هتلر ” والنازية ؛ سنجد فرقاً واضحاً ؛ فالأفلام الأمريكية – في معظمها – تناولت ” هتلر ” وحقبته النازية بالنقد والإدانة ، وأبرزت في ذلك أفعاله الوحشية وبشاعة أيديولوجيته وإبادته لليهود ومعسكرات الهولوكوست كأوشيفتز وغيرها .
تناول هوليود للنازية كان أقرب للهجائية الأيديولوجية والتوظيف السياسي ؛ في حين أن السينما الألمانية قدمت مقاربات سوسيولوجية في محاولة لفهم أعمق للظاهرة ، وكيف تشكلت داخل المجتمع الألماني ، وكيف صعدت ! وتساءلت حول إمكانية خروج المجتمع من تلك الحقبة البائدة ومعالجة آثارها ؛ أي أن السينما الأمريكية ركزت على إدانة ” هتلر ” والدولة النازية ؛ إلا أن نظيرتها الألمانية إهتمت أكثر بكيف تمت الهولوكوست ، وكيف تواطأ مجتمع بأكمله على الإبادة وإشترك فيها ! وحاولت تقديم معالجات لكيف ينجوا هذا المجتمع ! إختلاف التناول ينبع بالأساس من إختلاف موقع كل منهما من الحدث .
كذلك لا يخلو الأمر من التناول الموجّه ، والذي يخدم أغراضاً سياسية بعينها ؛ فالسينما ليست بريئة تماماً ؛ فإذا ما تتبعنا طريقة تناول السينما الأمريكية لأحداث أخرى كالحرب العالمية الثانية ؛ يمكن إعتبار ذلك التناول تجاوز الإنحيازات الطبيعية لدرجة يرتقي معها إلى التوظيف السياسي ؛ حيث ركزت السينما على بشاعة الحلفاء وجرائمهم التي أدت إلى الحرب العالمية الثانية ، وجرائم ” هتلر ” و ” موسوليني ” ؛ وحتى قصف اليابان لميناء بيرل هاربور الأمريكي ؛ في حين أن الذاكرة السينمائية – الهوليودية – لا تحتوي على أي عمل يوثق لجريمة هي الأبشع في العصر الحديث عندما قامت بإلقاء القنابل النووية على مدينتي هيروشيما وناجازاكي في الفترة التي كانت فيها الإمبراطورية اليابانية قد خسرت الحرب بالفعل .
وأضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
وللأسف الشديد حصيلة ما قدم من أفلام عن الصراع العربي الإسرائيلي في السينما المصرية ما هي إلا محاولات لم ترق إلى مستوى الحدث الجليل ، حيث توجد أفلام أجنبية هامة تتحدث عن الصراع العربي الإسرائيلي أكثر عمقاً وللأسف الشديد أيضاً يتم فيها طمس الحقائق وتزييف التاريخ وتشويه متعمد للحقيقة والواقع ، لقد أصبح تزييف الحقائق بل وإطلاق الأكاذيب العارية تماماً من الصحة سمةً شائعةً في الكثير من الأعمال السينمائية الأجنبية خاصة التي تسيطر عليها رؤوس أموال يهودية صهيونية … !!!
فمنذ أربعة وسبعون عاماً على قيام دولة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ملايين المهجرين ، مئات الآلاف من المعتقلين ، وعشرات الآلاف من القتلى ، وصراع مستمر بين من يملك الأرض ومن يحكمها بقوة السلاح ، بين العرب جميعـاً وإسرائيل ، قتال في أرض في فلسطين ، قتال في سيناء مصر ، جولان سوريا ، وجنوب لبنان ... تستمر المعركة بالطبع في كل مكان ، في الأرض ، في الفكر ، في الفن ، وفي السينما أيضاً .
وبالحديث عن أشهر الأفلام التي تخبرنا أكثر عن الصراع العربي الإسرائيلي واللتي أثارت الجدل حولها ، نلاحظ التالي :
Paradise Now 2005
صديقان فلسطينيان يتم تجنيدهما للقيام بعملية تفجير في تل أبيب سينتج عنها وفاتهما ، هذا هو الفيلم الأهم الذي ينقل لنا ما يفكر فيه شاب فلسطيني قبل لحظات على تفجير نفسه ، والأهم يصور لنا السياق الذي يدفع أي إنسان للتفكير في أن موته هو سبيله الوحيد لتحقيق الحرية .
الجنة الآن هو فيلم المخرج الفلسطيني « هاني أبو أسعد » الذي ترشح عنه لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي … كما فاز بجائزة الجولدن جلوب في نفس الفئة مما أحدث ضجة عالمية كبيرة نتيجة لحساسية الموضوع الذي يطرحه .
Munich 2005
رحلة جاسوس إسرائيلي يقود عملية إنتقامية ضد مخططي ومنفذي الهجوم الفلسطيني على البعثة الأوليمبية الإسرائيلية في أوليمبياد ميونيخ 1972 … عن أحداث حقيقية لسلسلة من حوادث الإغتيال التي تم تنفيذها بأوامر مباشرة من رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينها « جولدا مائير » .
يركز الفيلم بشكل رئيسي على الجانب النفسي لمنفذي هذه العملية الإنتقامية ، خصوصاً وأنهم يعيشون في وسط لا يقين فيه في ولاء أحد … نرى طوال العملية كيف يستخدم الفريق الإسرائيلي مصادر عربية للإيقاع بأهدافه ، كما نتابع أيضاً تداخل مصالح الأجهزة الإستخباراتية المختلفة في الشرق الأوسط .
الفيلم من إخراج الأمريكي المخضرم « ستيفن سبيلبيرج » ، وقد ترشح لخمس جوائز أوسكار من بينها جائزتا أفضل فيلم وأفضل مخرج .
Hanna k . 1983
حنا كاوفمان هي محامية يهودية إنتقلت من أمريكا لتعيش في إسرائيل ولتجد نفسها فجأة مسئولة عن الدفاع عن مواطن فلسطيني متهم بالإنتماء لتنظيم إرهابي … وحينما تتقصى حنا قليلاً عما يقوله موكلها تفاجأ بالحقيقة ، وبما تصفه في الفيلم بأن ما يتعرض له الفلسطينيون من القوات الإسرائيلية التي تحتل أرضهم لا يختلف كثيراً عما عاناه أبواها في مذابح الهولوكوست .
الفيلم رشح لجائزة الأسد الذهبي من مهرجان فينيسيا ، وهو من إخراج اليوناني الشهير « كوستا كافاراس » الفائز بالأوسكار عن فيلم The Missing عام 1982 ، وصاحب الفيلم الأشهر فيما يخص عنف أجهزة الشرطة في الدول الديكتاتورية Z من إنتاج عام 1969 .
Omar 2013
حكاية ثلاثة أصدقاء فلسطينيين يسكنون الضفة الغربية ، كيف يحاربون في سبيل تحرير أرضهم ، كيف يفكرون في مستقبلهم ، وأيضاً كيف يحبون ويلهون … ووسط كل هذا كيف يتم إجبار أحدهم للعمل جاسوساً لصالح أجهزة الأمن الإسرائيلية .
قصة تغوص في خبايا النفس البشرية وتهتم بالبعد الإنساني أكثر من إهتمامها بالسياق السياسي ، مرة أخرى بنفس التركيبة الدرامية تقريباً مع المخرج الفلسطيني ” هاني أبو أسعد ” … الفيلم قد تم ترشيحه أيضاً لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي ، عقب فوزه بجائزة قسم نظرة ما من مهرجان كان السينمائي الدولي .
Ghost Hunting 2017
منذ الإحتلال الفلسطيني لقطاع غزة والضفة الغربية في يونيو 1967 ، أعتقل ما يزيد على 750 ألف فلسطيني في سجون ومراكز إحتجاز الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، في هذا الفيلم لا نهتم بالأرقام قدر إهتمامنا بالتجربة الشخصية لكل سجين ، ومن خلال سياق تسجيلي يجمع المخرج مجموعة من المعتقلين الفلسطينيين السابقين في مركز إحتجاز المسكوبية الإسرائيلي صاحب السمعة السيئة .
يعيد الأسرى الفلسطينيين تذكر ما مروا به من تعذيب ومعاناة ، كما لو أنهم يعالجون أنفسهم نفسياً من خلال التحرر من كل مشاعر المهانة التي عاشوها … الفيلم من إخراج الفلسطيني « رائد أنضوني » ، وقد فاز بجائزة الدب الفضي – جائزة أفضل فيلم تسجيلي – في مهرجان برلين الدولي للسينما .
The Time That Remains 2009
كيف قامت دولة إسرائيل وكيف إحتلت الأراضي الفلسطينية وتحول العرب لأغراب في بيوتهم ؟ نتابع هذا في إطار من الشاعرية الممتزجة بالكوميديا السوداء في فيلم « الزمن المتبقى » الذي نتابع من خلاله في أربعة فصول حكاية أسرة فلسطينية من عام 1948 وحتى العصر الحالي .
الفيلم للمخرج الفلسطيني الكبير « إليا سليمان » وهو في الأساس مستوحى من حياته وحكايات أسرته التي عاشت في نصراته حتى أصبحت الآن ممن يطلق عليهم اليوم عرب الداخل … ترشح الفيلم لجائزة السعفة الذهبية – جائزة أفضل فيلم – بمهرجان كان السينمائي الدولي .
Waltz With Bashir 2008
الفيلم الذي يمكننا إعتباره وثائقياً في صورة فيلم تحريك عن الإجتياح الإسرائيلي للبنان في بداية الثمانينات ، عن ذكريات المخرج الإسرائيلي « أري فولمان » عن فترة تجنيده وهو فتى صغير في عملية الإجتياح … يعرض لنا ” أري فولمان ” برفقة مجموعة أخرى من الجنود القدامى ما حدث من مجازر في عمليات الإجتياح الإسرائيلية ، وأبرزها ما وقع في بعض مخيمات اللاجئين الفلسطنيين في لبنان على يد ميليشيات مسيحية لبنانية وبمباركة وإشراف القوات الإسرائيلية .
هذا فيلم إسرائيلي ولكنه الإعتراف الأهم بما حدث في مجزرة صبرا وشاتيلا .
فاز الفيلم بجائزة الجولدن جلوب في فئة أفضل فيلم أجنبي لعام 2009 ، كما تم ترشيحه لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم أجنبي أيضاً .
The Angel 2018
تدور أحداث الفيلم حول « أشرف مروان » صهر الرئيس المصري الأسبق ” جمال عبد الناصر ” وأحد المقربين بشدة من الرئيسين المصريين السابقين ” محمد أنور السادات ” و ” محمد حسني مبارك ” ، والذي توفي إثر سقوطه من شرفة منزله بلندن في صيف عام 2007 … الفيلم مأخوذ عن كتاب الكاتب الإسرائيلي ” يوري بار ” بعنوان « الملاك: الجاسوس المصري الذي أنقذ إسرائيل » … والذي أعلن فيه ” يوري بار ” أن ” أشرف مروان ” كان عميلاً للمخابرات الإسرئيلية وأن مساهمته قد أنقذت إسرائيل من كارثة محققة في حرب أكتوبر 1973 .
رغم تضارب الروايات المصرية والإسرائيلية حول ” أشرف مروان ” فإن الفيلم ما زال يثير الجدل وبشدة في الأوساط المصرية نظراً لإستناده على شهادات أخرى بالإضافة لكتاب ” يوري بار ” … فهل حقاً ” أشرف مروان ” كائن جاسوساً خائناً كعميل للمخابرات الإسرائيلية أم كعميل مزدوج للمخابرات المصرية والمخابرات الإسرائيلية ؟
الفيلم من إنتاج شبكة نيتفلكس الأمريكية ، ومن إخراج الإسرائيلي ” أرييل فرومين ” ، يقوم بدور ” أشرف مروان ” الممثل الهولندي من أصل تونسي ” مروان كانزاري ” .
ثم أشار “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
قد تكون البداية الأهم لظهور الصراع العربي الإسرائيلي في السينما المصرية من خلال الأفلام المصرية التي تحدثت عن حرب عام 1948 بين العرب وعصابات الصهاينة ، والتي إشتهرت في الدراسات التاريخية بأنها أحد أسباب قيام تنظيم ” الضباط الأحرار ” بثورة يوليو عام 1952 ضد الملك ” فاروق ” ، والذي إتهمه التنظيم بالتسبب في نكبة 48 نتيجة إمداده الجيش المصري بصفقة من الأسلحة الفاسدة ، وكان ذلك تزامناً مع تصاعد المد القومي في مصر إبَّان الخمسينيات والستينيات حيث نتذكر هنا أفلام هامة منها : فيلم ” أرض الأبطال ” عام 1953 للمخرج ” نيازي مصطفى ” ، وفيلم ” أرض السلام ” عام 1957 للمخرج ” كمال الشيخ ” ، وفيلم ” بورسعيد ” عام 1957 من تأليف وإخراج ” عز الدين ذو الفقار ” ، وهنا يتضح لنا المنطلقات الفكرية والقومية التي حكمت إنتاج تلك الفترة ، وقد توصِّف على المستوى الفني والنقدي لدى بعض النقاد بالتوظيف السياسي للفن بعد ثورة يوليو 1952 .
وفي السبعينيات والثمانينيات تأثرت السينما المصرية دون شك بأحداث حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل ، ثم معاهدة كامب ديفيد 1978 ، فشاهدنا الأفلام المشهورة التي تناولت حرب أكتوبر والتمهيد لها بعد نكسة يونيو ، وحرب الإستنزاف ، مثل : فيلم ” أغنية علي الممر ” عام 1972 ، وفيلم ” الرصاصة لا تزال في جيبي ” عام 1974 ، وفيلم ” بدور ” عام 1974، وفيلم ” أبناء الصمت ” عام 1974 ، وفيلم ” الوفاء العظيم ” عام 1974 ، وغيرها …
ثم أستطرد “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
يجب أن نقف هنا مع حالة خاصة جداً وهي أعمال المخرج ” علي عبد الخالق ” .
فالجدير بالذكر … أن المخرج الكبير ” علي عبد الخالق ” هو من أكثر المخرجين في مصر والوطن العربي إنتاجاً للأعمال الفنية التي تحدثت عن الصراع العربي الإسرائيلي وتمثل ذلك في 7 أفلام سينمائية ومسلسل تليفزيوني .
كما كتبت عنه ذات يوم جريدة ” يديعوت أحرونوت ” ( وهي الجريدة الرسمية في إسرائيل ) مقال في الصفحة الأولى بعنوان ” علي عبد الخالق أكثر المخرجين العرب كراهيةً لإسرائيل ” .
عقب تخرج ” علي عبد الخالق ” في المعهد العالي للسينما عام 1966 عمل مساعداً لفترة ثم أتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية ، ومن أشهر هذة الأفلام فيلمه التسجيلي « أنشودة الوداع » الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية من مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة ومنها الجائزة الثانية من مهرجان « ليبزج » السينمائي بألمانيا ، كما حصل فيلمه « السويس مدينتي » على الجائزة الأولى من مهرجان وزارة الثقافة الأول للأفلام التسجيلية عام 1970 م .
وقدم أول أفلامه الروائية الطويلة عام 1972 بعنوان ( أغنية على الممر ) عن مسرحية بنفس الأسم للأديب (على سالم ) ، وحقق الفيلم نجاحاً فنياً هائلاً ، وحصل على الجائزة الثانية من مهرجان ( كارلو فيفاري )، وجائزة من مهرجان ( طشقند ) السينمائي .
لقد أخرج ” علي عبد الخالق ” في الثمانينيات فيلمين عن عمليات مخابراتية مصرية هما : فيلم ” إعدام ميت ” وفيلم ” بئر الخيانة ” ، ونسب إليه إخراج فيلم ” وبدأت الضربة الجوية ” الذي يتناول أحداث ما قبل حرب أكتوبر والتحضير لحرب السادس من أكتوبر سنة 1973 م .
لقد قدم ” علي عبد الخالق ” أشهر الأفلام التي تناولت الصراع العربي الإسرائيلي وأشهرها : فيلم ” إعدام ميت ” عام 1985 ، وفيلم ” بئر الخيانة ” عام 1987 ، وفيلم ” الكافير ” عام 1999 ، وفيلم ” يوم الكرامة ” عام 2004 .
ثم أضاف ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
وفي أوائل التسعينيات تمت معالجة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال مجموعة أفلام ” نادية الجندي ” المخابراتية ، وأشهرها : فيلم ” مهمة في تل أبيب ” عام 1992 وفيلم ” 48 ساعة في إسرائيل ” عام 1998 والفيلمين من إخراج ” نادر جلال ” ، ولا ننسى فيلم ” الطريق إلى إيلات ” في عام 1993 للمخرجة ” إنعام محمد علي ” ، كما يجب أن نتذكر هنا أيضاً فيلم ” ناجي العلي ” عام 1992 من بطولة ” نور الشريف ” وإخراج ” عاطف الطيب ” … وبالطبع نلاحظ هنا الملامح الفنية المختلفة لأعمال هذه الفترة .
لقد شهدت نهاية التسعينيات وبداية الألفية الثالثة تناولاً مختلفاً للصراع العربي الإسرائيلي ، خاصة ً نتيجة إشتعال الإنتفاضة الفلسطينية في ذلك التوقيت ، وإستشهاد الطفل الفلسطيني ” محمد الدرة ” أمام عدسات كاميرات وكالات الأنباء العالمية في 30 سبتمبر عام 2000 في اليوم الثاني من إنتفاضة الأقصى ، حيث ظهر العلم الإسرائيلي مشتعلاً حتى في أفلام كوميدية ، أبرزها بالطبع فيلم ” صعيدي في الجامعة الأميركية ” عام 1998 من بطولة ” محمد هنيدي ” ، الذي قدم ما يشبه الخط المتصل ، كما كان عدوه اللدود في فيلم ” همام في أمستردام ” عام 1999 شاب صهيوني يعيش في هولندا أيضاً ، وظهر مرة أخرى وهو يلقي الحجارة على قوات الإحتلال الإسرائيلي في فيلم ” جاءنا البيان التالي ” عام 2001 ، وإستمر الأمر على المنوال نفسه وصولاً إلى فيلم ” عندليب الدقي ” عام 2007 .
وأستطرد “ أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
إن البداية الحقيقية للفنان ” محمد هنيدي ” في أعماله الفنية التي لمحت عن الصراع العربي الإسرائيلي جاءت في فيلم ” إسماعيلية رايح جاي ” عام 1997 مع الفنان إبن البلد ” محمد فؤاد ” وهو فيلم يمس فترة هامة من قصة حياته ، حيث أن أكثر المواقف تأثيراً في حياة ” محمد فؤاد ” هي إستشهاد شقيقة الأكبر « إبراهيم » ، وذلك خلال حرب 1967، مما أصاب ” محمد فؤاد ” وعائلته بصدمة كبيرة ، خاصة لأنهم لم يتمكنوا من دفنه ومعرفة المكان الذي يستطيعون زيارته فيه ، نظراً لعدم عودة جثمان الشهيد هو وكثير من شباب مصر ورجالها في هذه الحرب العاتية ، وقد إنعكس ذلك على ” محمد فؤاد ” كثيراً مما جعله لا يحب حتى مجرد ذكر كلمة إسرائيل .
– كما تم رصد الصراع العربي الإسرائيلي خلال تلك الفترة في العديد من الأفلام ، منها : ” أصحاب ولا بيزنس ” عام 2001 من بطولة ” عمرو واكد ” و ” مصطفى قمر ” وإخراج ” علي إدريس ” ، وحتى في الفيلم الكوميدي ” رحلة حب ” عام 2001 من بطولة ” محمد فؤاد ” و ” أحمد حلمي ” ، شاهدنا مظاهرات مدرسية تعاطفاً مع القضية الفلسطينية عقب مقتل ” محمد الدرة ” وبالتأكيد شهدت أفلام هذه الفترة تحولاً فنياً ملحوظاً في تناول الصراع العربي الإسرائيلي .
– لقد ترك مقتل ” محمد الدرة ” أثراً أيضاً في فيلم ” السفارة في العمارة ” من بطولة ” عادل إمام ” في عام 2006 ، والذي شهدنا فيه مقتل طفل فلسطيني على يد قوات الإحتلال الإسرائيلي … لقد كانت هذه الأفلام فاعلة ومؤثرة في نشر الوعي الجماهيري في مواكبة تطور الصراع العربي الإسرائيلي ، خاصةً على المستوى الشعبي .
ثم شدد ” أحمد عبد الصبور ” قائلاً :
سيظل الصراع العربي الإسرائيلي مستمر في كل مكان سواء في الأرض أو الفكر أو الفن … وبالطبع في السينما أيضاً .