أدب التخابر في الرواية العربية بقلم: عبده حسين إمام

أدب التخابر في الرواية العربية

بقلم: عبده حسين إمام

من العدد الورقى لصحيفة اسرار المشاهير عدد شهر ديسمبر 2024
يعد النشاط الاستخباراتي..عاملا.. مؤثرا وفعالا في الحفاظ على الأمن العام ورسوخ السلم، واستعراضا لتعاظم إمكانات الوطن عسكريا وسياسيا ودبلوماسيا، فضلا عن الأثر المعنوي في تعميق روح الانتماء وتأصيل الهوية في مواجهة ما تبثه أجهزة العدو من وسائل مضللة لتثبيط الهمم وزعزعة الثقة.
وبالرغم من حساسية هذا الشأن أمنيا إلا أن ذلك لم يمنع من تناوله أدبيا من منظور أدبي إنساني وثائقي تتبلور فيه معاني الإيمان بقضايا الوطن والعروبة، وإبرازا للعزيمة الوطنية.
وبحسب ما أورد د. عادل نيل أستاذ الأدب والنقد بجامعة الأزهر في كتابه “الرواية المخابراتية في الأدب العربي الحديث” أن أول عمل روائي تناول أدب الاستخبارات في مصر هو رواية “قصتي مع الجاسوس” للكاتب ماهر عبد الحميد، وهو ضابط بالجيش المصري ممن شاركوا في حروب مع العدو الصهيوني. وقد نُشرت القصة عـام ١٩٧٠م.
ثم حدثت النقلة النوعية على يد الأديب المتمرس صالح مرسي (فبراير 1929 – أغسطس 1996) الذي حاز مكانة مرموقة بين كبار الأدباء وبالأخص الأديب الكبير نجيب ومحفوظ، والذي تأثر به صالح أدبيا إلى حد بعيد، امتلك صالح مرسي أدوات الأدب وآليات القص الجيد قبل خوضه غمار الرواية المخابراتية؛ حيث صدر له العديد من الروايات مثل “زقاق السيد البلطي”/ 1963م وفي أدب الرحلات “البحر”/ 1973م.
لذا كان ذو حس أدبي ارتقت معه الرواية إلى آفاق رحبة مزجت بين الأدب والسياسة، وتضفرت في سطوره الحدود الأمنية الشائكة مع المشاعر الإنسانية المرهفة، حتى تُوجت معظم أعماله بتحويلها إلى أعمال فنية على شاشة السينما والتلفاز.
مشاركا في الصياغة الفنية للسيناريو والحوار، مختلقا أحداثا درامية وعلاقات عاطفية واندماجا إنسانيا حميما بين جميع الشخصيات، مما دعم الحدث التاريخي الموثق في تصاعد درامي خدم الفكرة بصورة جيدة، وأثر في ملايين من المشاهدين.
تحول صالح مرسي إلى عالم الرواية المخابراتية أواخر سبعينيات القرن الماضي بقبول ودعم من رئيس جهاز المخابرات المصرية في حينها؛ ثقةً في أمانته الأدبية وتقصيه الدقيق للتاريخ.
صدر للكاتب صالح مرسي في هذا المضمار مجموعته “الصعود إلى الهاوية”/1976م، رواية “الحفار”/1985م، رواية “رأفت الهجان” /1986م، رواية “دموع في عيون وقحة”/1993.
وجدير بالذكر أن العمل الأشهر أدبيا وفنيا (رأفت الهجان) الصادر في ثلاثة أجزاء قد بذل فيه جهدا كبيرا، مدعما بكثير من الحقائق التي استقاها الكاتب مباشرة عن شخصيات حقيقية بالرواية.
وفي مرور سريع على إنجاز أدبي آخر أبحر في هذا العالم المثير،
والذي تم إصداره على هيئة مجموعة من السلاسل الروائية مثل رجل المستحيل وملف المستقبل، فإننا نثمن تجربة د. نبيل فاروق في جذب عدد هائل من القراء الشباب.
ورغم خصوصية هذا الأدب الروائي وأهميته، فإنه عانى نسبيا من الإهمال النقدي والتجاهل الجماهيري. وقد عزى ذلك الدكتور صلاح فضل إلى أن الجماهيرية الفائقة التي نالتها هذه الأعمال في السينما والتلفاز، أخرجتها من دائرة الكتابة إلى دائرة الصورة.
وفي الختام فإن ما أكد عليه هذا النوع من الرواية، أن المقدرة الإبداعية الخلاقة للشخصية المصرية قادرة على أي تحديات وبمقدورها الحفاظ على مكانة الوطن وسموه التاريخي.
قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.