لا تزرع خيرك في أرض واحدة… ازرع حيث تمر فالأرض كلها أرضك
بقلم: ريهام طارق
اكتشف فلسفة العطاء التي لا تحدها أرض ولا نسب، بين الهدي النبوي الشريف وأقوال الحكماء مثل غاندي .Paulo Coelho, Albert Schweitzer.. مقال يوضح كيف يصبح الخير رسالة إنسانية تتجاوز حدود المكان والزمان، ليبقى أثره خالدا في القلوب ويمنح صاحبه الطمأنينة والسعادة قبل الآخرين.
كثيرًا ما نسمع تلك المقولة الشعبية: “لا تزرع في غير أرضك، فلن يكون خيرها لك”، جملة تناقلتها الأجيال حتى غدت أشبه بحكمة موروثة، تحمل في ظاهرها خبرة الحياة وواقع التجارب ولكن عندما تتأمل معناها وتعيد التفكير فيها بعمق تكتشف انها تختزل معاني العطاء داخل إطار محدود، إذ تصور الخير على أنّه معاملة تجارية، لا يقوم إلا على المنفعة المتبادلة تعطي لتحصد، وتزرع لتحصل على ثمرتك أنت وحدك.
ولكن… ماذا لو قرأنا هذه المقولة من منظور آخر؟ ماذا لو كان العطاء ذاته هو الثمرة الكبرى، وأن البذور الحقيقية هي ما يتركه الإنسان من أثر طيب في قلوب الآخرين، بصرف النظر عن الأرض التي غُرست فيها؟

وهنا نستحضر مقولة Albert Schweitzer عندما قال: “الإنسان لا يصبح عظيما بما يحققه لنفسه، بل بما يمنحه للآخرين”.
إن جوهر العطاء لا يعرف حدودا جغرافية ولا روابط دم أو نسب، بل هو لغة إنسانية مشتركة ترجمتها الأفعال النبيلة، التي تبقى ذكراها ممتدة حتى بعد رحيل أصحابها، كم من أشخاص زرعوا الخير في أرض ليست أرضهم، ووقفوا إلى جانب أشخاص لا يعرفونهم، فخلدهم التاريخ ورفع مكانتهم في القلوب إن قيمة العطاء لا تقاس بما يعود على صاحبه من نفع مباشر، بل بما يتركه من بصمة خالدة في حياة الآخرين. وهنا تبرز حكمة غاندي: “أفضل طريقة لتجد نفسك هي أن تفقدها في خدمة الآخرين”.
أكد علماء النفس أن فعل الخير ينعكس أولا على صاحبه قبل أن يصل أثره إلى الآخرين، بمجرد مساعدة محتاج أو إدخال السرور على قلب حزين يطلق في الجسد طاقة إيجابية، ويحفز إفراز هرمونات السعادة التي تمثل مكافأة داخلية يمنحها الله للعطاء الخالص، وهكذا يصبح المعطاء أوّل من يجني ثمار زرعه: رضا، طمأنينة أليس شعور الرضا عن الذات حصاد يكفي لأن يمنح للحياة قيمتها؟

وهو ما قاله Paulo Coelho بقوله: اليد التي تعطي لا تبقى فارغة أبدًا،
أما الإيمان الحقيقي بالعطاء فهو وثيق الصلة بالنية ففي الحديث الشريف قال رسول الله ﷺ: {إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى} وهنا يتجلى ميزان السماء فما قيمة شكر أو مدح من بشر أمام العطاء الإلهي؟ ولا ينتقص من قيمة العطاء لو قابل جحود أو نكران، لأن الثواب محفوظ عند الرحمن، الله ربي الذي لا يغفل ولا ينام.
- لقد جسد سيد الخلق محمدﷺ أسمى صور العطاء فلم يضع له حدود، ولم يزرع في أرضه وحدها، بل غرس الخير والحب في قلوب الناس جميعًا، القريب منهم والبعيد، المسلم وغير المسلم كان يعطي بلا منّ ولا أذى، يعطي دون أن ينتظر مقابل أو جزاء من بشر، فما ردّ سائلًا قط، وما مد يده إلا بالخير، وتلك هي القدوة العظمى التي تُعلّمنا أن الأرض كلها أرضنا، وأن ما يغرس لوجه الله لا يضيع أبدًا.
فلنستمر، ولا نمل أبدًا من العطاء والكرم… ازرعوا الحب والخير في كل مكان تمرون به، فالأرض كلها ساحة للبذور الطيبة، والله وحده شاهد على النيات فلا تسألوا: لمن يكون الحصاد؟ وكونوا علي يقين أن الحصاد يحيي قلوبكم، ويزهر في أرواحكم السكينة والسعاده، و سيره عطره تنشر شذاها.. حتي وإن رحلوا الزراع.