أسباب غلاء الأسعار بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

أسباب غلاء الأسعار

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى

الشيخ أحمد على تركى

▪️مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

أصبح كثير من الناس يشتكي هذا الغلاء وخاصة الفقراء ولكن غاب عن الجميع أن الغلاء له أسباب كثيرة ومتعددة ومن ذلك حسب ما يظهر لي :

أولاً :

كثرة الذنوب والمعاصي وبعد الناس عن دينهم :

وهي من أهم الأسباب التي أظهرت هذا الوباء العظيم ومن المشاهد أن بعضًا من المسلمين أصبحوا مفرِّطين في كثير من الأحكام الشرعية ، ليس ذلك فقط بل أصبحوا يقعون في بعض الكبائر غير مبالين بغضب الله تعالى وسخطه .

ومعلوم أن الذنوب تسبب هلاك الحرث والنسل وتسبب انتشار الفساد في البر والبحر قال تعالى:

﴿ ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ [الروم: 41]

وقال تعالى :

﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ ﴾

[الشورى: 30].

والله تعالى يبتلي عباده ببعض ما كسبت أيديهم لكي ينتبهوا ويراجعوا أنفسهم .

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم :

يا معشر المهاجرين خصال خمس إذا ابتليتم بهنَّ وأعوذ بالله أن تدركوهن :

لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا .

ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أُخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان عليهم .

ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ولولا البهائم لم يُمطروا .

ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم .

وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله عزَّ وجلَّ ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم .

رواه البيهقي والحاكم

فهل يعي المسلمون معنى هذا الحديث العظيم في أحوالهم التي يعيشونها الآن .

ثانيا:

أسباب غلاء الأسعار حب المال والإكثار منه :

فحب المال والحرص على كسبه بأي طريق حتى ولو كان عن طريق الحرام أمر مشاهد للجميع وخاصة مع انتشار المعاملات الربوية واختلاط الحلال بالحرام .

قال تعالى :

﴿ وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا ﴾

[الفجر:20]

وعندما يطغى ذلك على الناس يصبح الأمر خطيرًا جدًّا ويتسبب في مخالفات شرعية كثيرة .

قال صلَّى الله عليه وسلَّم :

فو الله لا الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم .

متفق عليه

ثالثًا :

تلاعب التجار والمحتكرين بالسلع التي يحتاج إليها الناس :

فبعضهم يقوم بتخزينها وإخفائها من أجل رفع ثمنها لتحصيل أكبر كسب ممكنويتضح ذلك خلال بعض المواسم كدخول شهر رمضان وغيره.

وهذا فيه إضرار بالناس، وخاصة الفقراء وأصحاب الحاجات وهو أيضًا منهي عنه شرعًا .

قال صلَّى الله عليه وسلَّم :

لا ضرر ولا ضرار .

رواه أحمد ومالك في الموطَّأ

ولأنه من الظلم الواضح البيّن الذي أمر الله باجتنابه .

قال الله تعالى في الحديث القدسي :

“يا عبادي ، إني حَرَّمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرَّمًا فلا تظالموا…. “

رواه مسلم

فاحتكار السلع يحمل في طياته بذور الهلاك والدمار لما يسببه من ظلم وغلاءٍ في الأسعار وإهدارٍ لتجارة المسلمين وصناعتهم وتضييق لأبواب العمل والرزق .

وهو نوعٌ من محبة الذات وتقديم النفس على الآخرين ويؤدي إلى تضخُّم الأموال في طائفةٍ قليلةٍ من الناس كما في قوله تعالى :

﴿ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ ﴾

[الحشر: 7].

إن غلاء الأسعار له أسباب كثيرة ومتعددة منها الذنوب والمعاصي ، بُعد الناس عن دينهم وهَدْيه وقِيَمه ، حب المال والجشع والتهافت على جمعه، استغلال بعض التجار والمحتكرين السلع التي يحتاج إليها الناس

أيضاً : غياب الثقافة الاستهلاكية الرشيدة وشيوع العقلية الاستهلاكية غير المنضبطة وافتقاد ميزانية الأسرة والإثارة الإعلامية وضَعف دور المؤسسات المعنية بالأسعار .

وهنا أشير لعدد من الحقائق المؤلمة في الموضوع :

أولاً :

إن حب المال والحرص على كسبه بأي طريق حتى ولو كان عن طريق الحرام ، أمر مشاهد للجميع ، وخاصة مع انتشار المعاملات الربوية واختلاط الحلال بالحرام .

ثانيًا :

قيام التجار والباعة الرئيسين بتخزين السلع وإخفائها من أجل التربُّص بارتفاع أثمانها للتربُّح بأقصى قدر ممكن فيه إضرار بالناس وخاصة الفقراء وأصحاب الحاجات .

هنا يمكن القول :

إن غلاء الأسعار يحتاج إلى معالجة قوية من جهة ولي الأمر؛ لكي يحفظ على الناس ضروراتهم الأساسية وهذا يستدعي إمعان النظر في وضع مشكلة غلاء الأسعار والتعرف على أسبابه ، وكيفية معالجتها بالطرق المشروعة.

ذلك أن الإسلام في نظامه المالي يقر الملكية الفردية ما دامت وسائلها شرعية وحرية التصرف في الأموال ما دام التصرف مباحًا وَفْق هدي الشريعة .

والقول بالتسعير فيه سد للذرائع ، ومن المعلوم الثابت أن سد الذرائع من الأدلة المعتبرة في الفقه الإسلامي وأصل من أصوله المعتمدة .

ومعلوم أن سد الذرائع : هو المنع من بعض المباحات ؛ لإفضائها إلى مفسدة .

أنه كلما استولى على التجار الجشع وتمكن من نفوسهم الطمع وسيطرت عليهم الأنانية وعمدوا إلى الاحتكار والاستغلال تعيَّن على ولي الأمر التدخل بتحديد الأسعار .

وخلاصة الأمر:

إنه لا يجوز لولي الأمر أن يتدخل في التسعير ، إلا إذا اقتضت المصلحة العامة منه أن يتدخل ، فيكون تدخله في التسعير إنما هو للضرورة والضرورة تقدر بقدرها .

يقول ابن قيم الجوزية :

“وجماع الأمر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سُعِّر عليهم تسعير عدل لا وكس فيه ولا شطط وإذا اندفعت حاجاتهم وقامت مصلحتهم بدونه ، لم يفعل”.

العودة للشرع :

إن على المسلمين رد أمرهم إلى شريعة الله العظيمة التي تبين لهم الحق من الباطل والصواب من الخطأ وتدلهم على ما ينفعهم وتحذرهم مما يضرُّهم .

لقد كان يتردد على آذاننا زمنًا طويلاً من على منابر الجمعة وفي قنوت رمضان :

اللهم إنا نعوذ بك من الغلاء والوباء والزنا والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن اللهم ارفع الغلاء عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين يا رب العالمين .

وربما مرَّ علينا هذا الدعاء كغيره من الأدعية لا نشعر بقشعريرة في جلودنا لأننا لم نعرف أثر غلاء الأسعار ، حتى وقع بعضنا فريسة لها وضحية لمرارتها ، عندها تعود به الذاكرة إلى تلك الدعوات التي خرجت مبتهلة إلى ربها بأن يكشف الغلاء عن الأمة .

ربما يكون غلاء الأسعار بسبب ذنوب ارتكبت ومعاصي غشيت وهنا علينا أن نتذكر مقولة عم رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :

إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة .

فتذكر لعل ما نزل بنا الآن يكون سببًا لأن يعود الناس إلى ربِّنا فيفتح الله علينا أبواب الخير على مصراعيه .

كما قال تعالى :

﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾

[الأعراف: 96].

إن استغلال بعض ضعفاء النفوس ممن يسمون أنفسهم تجارًا لهذا الأمر فيما يظنون أنه يعود عليهم بالنفع حتى ولو كان على حساب مصلحة وحياة الآخرين من إخوانهم المسلمين وتصرفهم هذا بعيد عن منهج الله سبحانه وتعالى وعن منهج رسوله صلَّى الله عليه وسلَّم .

فربُّنا جل وعلا ونبينا صلوات الله وسلامه عليه – قد جعلا المؤمنين إخوة ولا يحق لأحد أن يبني مصلحته على ضرر أخيه مهما كانت الأسباب أو الدواعي .

فليحذر التجار من الجشع والطمع والأنانية وليرحموا الفقراء والمعوزين وليجعلوا غلاء الأسعار فرصة للإحسان إلى الناس ، وسيجدون بركة ذلك في أموالهم وأحوالهم .

وقد جاء في مسند الإمام أحمد :

عن معقل بن يسار قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم :

من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقًّا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة .

يعني : يقعده في مكان عظيم منها ، وعذا وعيد شديد وزجر أكيد عن غلاء الأسعار ورفعها .

لأن من مقاصد الشريعة المطهرة في البيع والشراء أن تسير الأسعار في طريق تحصل به مصلحة التجار ومصلحة بقية الناس من غير إضرار بأحد على حساب الآخر وهذا من عدل الشريعة ومراعاتها لجلب المصالح ودرء المفاسد.

ولهذا اقول :

إن من لا يرحم لا يُرحم ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه ومن نفَّس عن مؤمن كربة نفَّس الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة .

فيسِّروا على الناس أمرهم ييسِّر الله أمركم ويبارك في أموالكم وأعماركم وارضوا بما يسَّر الله من الربح القليل تفوزوا بخيرَي الدنيا والآخرة .

واعلموا أن هناك من عباد الله مَن رفعوا أيديهم فاختر لنفسك إحدى الدعوتين إما لك أو عليك .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.