أشعار العيد… أشجان وأحلام الأوطان… بقلم/ عبده حسين إمام

أشعار العيد… أشجان وأحلام الأوطان   

بقلم/ عبده حسين إمام

يستنكر المتنبي في داليته الشهيرة معاني السعادة كشعورٍ أصيل لاستقبال العيد متسائلا:
عيـدٌ بأيّـةِ حـالٍ جِئْـتَ يا عيـدُ…بما مضـى أم بأمْـرٍ فيكَ تجديـدُ
أمّـا الأحِبـة فالبيـداءُ دونَـهــم…فليـت دونـك بيـداً دونهـم بيـدُ لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها…وَجْناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ
_ (وجْناء الحرف: الناقة الضامرة النحيفة)، (الجرداء: الفرس قصيرة الشعر، والقيدود: الطويلة) _
من منطلق رؤية ذاتية كعادة الشعراء وما يرتأى في مخيلتهم من صور ربما لا يلحظها البشر العاديون،
وفى نظمه المحكم وتجربته الشعرية المتفردة دائما؛ يبدو في جلاء مرارة ألمه وشعوره القاسي بالاغتراب عن الوطن والأحباب والأهل، ومن ثم قبول القارئ والمتذوق للشعر رؤية الشاعر وبوْحه بأحزانه حتى وإن فاجأت أحزان الشاعر أفراحَ من حوله،
ومن هنا تعددت رؤى الشعراء حيال استقبالهم للعيد وكل يغنى على ليلاه، وكل له ما يبثه من شجون، سواء كان الحزن شخصي، أو ربما عبر الشاعر بأحزانه الآفاق مستشرفا أحزان أمة بأكملها، أو مخاطبة أوجاع وطن ينبض بحب أبنائه.
فلا مراء أن يرثى المعتمد بن عباد بعد زوال ملكه في حضارة الأندلس الرغيدة، وإقصائه إلى (أغمات: قرية شمال المغرب)، حين استفز كبرياءه رؤية بناته يعملن في الغزل فقيرات حافيات في يوم العيد:
فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا *** وكان عيدك باللّذات معمورا
وكنت تحسب أن العيد مسعدةٌ *** فساءك العيد في أغمات مأسورا
ترى بناتك في الأطمار جائعةً *** في لبسهنّ رأيت الفقر مسطورا
معاشهنّ بعيد العــزّ ممتهنٌ *** يغـزلن للناس لا يملكن قطميرا
ومن الأندلس الفقيد إلى فلسطين الأبية ترفع هامتها شامخة الشاعرة/ فدوى طوقان (من الشواعر الرائدات في مدرسة الشعر الحر)
تتجدد في أبياتها انتفاضات الشعب الفلسطيني والعربي الرافض للاحتلال الغاشم وما عاناه من تشريد وترحيل، والذي تتوارى في ظلماته مشاعر السعادة بالعيد قائلةً:
أختاه، هذا العيد رفَّ سناه في روح الوجودْ
وأشاع في قلب الحياة بشاشة الفجر السعيدْ
وأراك ما بين الخيام قبعتِ تمثالاً شقيًّا
متهالكاً، يطوي وراء جموده ألماً عتيًّا
أترى ذكرتِ مباهج الأعياد في (يافا) الجميلة؟
أهفت بقلبك ذكريات العيد أيام الطفولة؟
واليوم; ماذا اليوم غير الذكريات ونارها؟
واليوم, ماذا غير قصة بؤسكنَّ وعارها؟
لا الدار دارٌ, لا, ولا كالأمس, هذا العيد عيدُ
هل يعرف الأعياد أو أفراحها روحٌ طريدُ
عان, تقلّبه الحياة على جحيم قفارها؟
ولا نود الانسياق إلى بلورة العيد في مجموعة أبيات حزينة، فالأعياد مناسبات طيبة لإحياء شعائر إنسانية ودينية واجتماعية يقيم شعائرها ويبدع في الابتهاج بها المجتمع بجميع فصائله وأطيافه، كمناسبة فاصلة لتجديد الهمم وإعادة الرؤى والحث على نهضة الأوطان والمجتمعات في دعوة للتعايش ونبذ العنف،
وما أكثر ما باح به شعراؤنا من قصائد احتفالا بالعيد وقدومه من تهاني
فيطالعنا البحتري مهنئا الخليفة العباسي المتوكل
بالبر صمت وأنت أفضل صائم…بسنة الله الرضية تفطر
فأنعم بيوم الفطر عيدا…إنه يوم أغر من الزمان مشهر
ويعود المتنبي الى على النقيض من أبياته السابقة في حزنه بالعيد مقترنا بغربته إلى احتفاله بالعيد سعيدا بين بنى وطنه وأميره المقرب سيف الدولة الحمداني فنظم قصيدة في عيد الأضحى مطلعها
لكل امرئ من دهـره ما تعودا…وعادة سيف الدولة الطعن في العدا
هنيئا لك العيد الذي أنت عيده… وعيد لمن سمى وضحَّى وعيَّدا
وإن دل؛ فعلى أصالة الفرح والسعي الدؤوب لإسعاد النفس وما الحزن إلا عابر.
ولا يخفى عن قريحة شعرائنا الأجلاء وعيهم الاجتماعي ودعوتهم أن يكون العيد مناسبة لبث قيم العطاء والتكامل بين الطبقات كي تعم السعادة في سياق اجتماعي متماسك،
فيبدع الشاعر محمد الأسمر (من شعراء مدرسة الإحياء والبعث الجيل الثاني) في حس اجتماعي إنساني راق
هذا هو العيد فلتصفُ النفوس به… وبذلك الخير فيه خير ما صنعا
أيامه موسم للبر تزرعه… وعند ربي يخبي المرء ما زرعا
فتعهدوا الناس فيه من أضر به… ريب الزمان ومن كانوا لكم تبعا
وبددوا عن ذوي القربى شجونهم… دعــا الإله لهذا والرسول معا
ونجدد دعوة الشاعر في استدراك القيم الجميلة واستعادة البنيان الأسرى والوطني والعربي والإنساني، وليكن العيد بداية ومنصة الانطلاق للسمو والرقى بثقافتنا ومجتمعاتنا.
قد يعجبك ايضآ

التعليقات مغلقة.