أليس منكم رجل رشيد ؟بقلم/ د. جميل محمد

جميل محمد

خبير اقتصادي

 

“من لا يملك قوت يومه لايملك قراره ” حكمة  إقتصادية قديمة  أخذت بها الدول  الصناعية والمتقدمة حتى جعلتها في مصاف دول العالم   بينما نرى دائماً العكس في الدول النامية أو المستهلكة لما تنتجه الدول المتقدمة وهذه هي متلازمة التأخر الاقتصادي  والتي جعلت من الدول النامية وخاصة منطقة الشرق الاوسط  سواء  أكانت دول نفطية  أو دول بها قوة ديموجرافية عالية  ” عدد السكان ”  سلة لهذه الدول لتلقي بها كل ماتنتجه  حتى تستهلك  ماأنتجته مصانعها لذا يكون التنافس شديداً على الأسواق، وتبتكر مختلف الوسائل والأساليب لتشجيع الاستهلاك، من إقامة المعارض، ومهرجانات التسوّق، وإعلان مواسم لتخفيض الأسعار والخصومات، وإعطاء الجوائز والمكافآت على السحب، إضافةً إلى الدعايات والإعلانات المستمرة، التي تخلق دوافع الاستهلاك، وتصنع الرغبات، وتفتعل الاحتياجات في نفوس المستهلكين.

هذه العبارة التي إفتتحت بها مقالي لاتعني باي حال من الاحوال  تسيسها لسياسة إقتصادية معينة سواء إستطاعت  هذه الدول أن تحتل بقعة كبيرة  في الاقتصاد العالمي سواء أكان المثال يتعلق  بالصين في الشرق والولايات المتحدة ودول القارة العجوز في الغرب   ولان هذه  السياسات من الفها ألى يائها فطنت منذ زمن طويل أن أساس اي دولة  وتقدمها يقاس بقاعدتها الصناعية في مجالات كثيرة تملك فيها مسزات نسية وحولتها إلى تنافسية عبر التخطيط السليم .

إن السياسة النقدية في كافة بنوك العالم  تعتبر معيار مهم جداً في طل دولة حسب رؤيتها  فبينما تنظر دوائر رجال الصناعة في هذه الدول إلى أن إستقرار سعر الصرف  ووجود سعر فائدة  منحفض يشجع على نحو كبير على الاقتراض من البنوك وتمويل صناعات وخلق فرص العمل  وتشجيع الناتج المحلي الاجمالي  وبالتالي تحقيق معدلات نمو إقتصادي  متميز وحقيقي  تهتم ايضاً الدول النامية  بسعر الصرف  وتعتبره مؤشر جيد لاستقرار الاسعار وكلما تراجعت أسعار الفائدة حققت فوائد  للمستوردين في إقتصاديات  تعاني من إستيراد كل شيء بها حتى الثمالة .فالاهتمام بالسياسة النقدية  هدف أوحد لكافة إقتصاديات العالم لكن الهدف من الاهتمام يختلف بحسب طبيعة كل شعب  وثقافته فالدول النامية تبحث شعوبها عن إنخفاض الاسعار  وبالتالي سهولة شراء السلع الاستهلاكية  بينما تنظر الشعوب  الغربية إلى ذلك أنه دفعة للحصول على تمويل جيد  لاقامة مشاريع صناعية وخدمية  توفر فرص للعمل وتزيد الناتج المحلي الاجمالي وتحقق ارباح حقيقية لاقتصاد أوطانهم  وإذا كنا هنا نتحدث عن  الثقافة الشعبية  فإن أي جهود من السياسة المالية والنقدية لضبط  أسعار الصرف ومعدلات التضخم  لن تؤتي ثمارها مالم تتغير  ثقافتنا كشعوب نامية في الاستهلاك  والتوجه بأفكارنا  إلى إقتصاد حقيقي قوي على تغير أفكار الشباب من الاستثمار في المشروعات الاستهلاكية إلى القطاعات الصناعية والزراعية والتي تحقق أهدافهم  في الرخاء وهدف اوطانهم  تحقيق رفعة إقتصادياتهم وتقليص الضغط  على مواردها النقدية الاجنبية من خلال  تقليص السفه الاستهلاكي  .

فطنت دول الخليج خلال الثلاث سنوات الاخيرة إلى أن موارد النفط والغاز ناضبة لامحالة في حقبة من الحقب فأمنت بفكرة إقامة الاقتصاد المتكامل وتبين ذك وتجلى وضوحا في رؤية 2030 الخاصة بهذه الدول  من خلال الاعتماد جنباً إلى جنب على القطاع الزراعي والصناعي والسياحي  مع قطاع البترول   وكذلك سعت مصر إلى ذلك  وبالرغم من الاثار العنيفة لتحرير سعر الصرف  التي عانى منها المجتمع خلال الفترة الماضية بسبب قفزات معدلات التضخم  وبغض النظر عن برامج الحماية الاجتماعية التي سعت الحكومة  لتطبيقها فإننا نحتاج الان رؤية شاملة  وأن نعتمد في افكارنا  أن إرتفاع  الاسعار والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية  التي تشهدها مصر تحتاج إلى فكر رشيد يبدأ من الشعب وصولاً إلى الحكومة   وأن أي توجه حكومي لن يثمر دون أن تتغير ثقافة الشعوب  فكثير من شبابنها يرى الصورة مظلمة ويخشى من المستقبل لكننا وإن إعتبرنا وفقاً لافكارهم  أن  مايحدث محنة إقتصادية  فلماذا لانقول أنه من ”  رحم  المحنة يولد الامل ” ؟ وتوضيحاً لذلك  تعالوا بنا  نقيم افكار الشباب في الاستثمار  خلال العقد الاخير الذي مثل حداً فاصلاً بين ثقافة  ” إن فاتك الميري اتمرمغ في ترابه ”    وبين ” القطاع الخاص ظالم ”  فهناك  شريحة من الشباب خلال هذه الفترة لم تعتمد على المقولتين  وبدات  تتجه للاستثمار وبتقييم قطاعات الاستثمار لهؤلاء الشباب  سنجد أنها إتجهت  نحو الاستيراد فقط  وتحقيق أرباح منه قبل تحرير سعر الصرف وسمي ذلك من وجهة نظرهم إستثماراً !.

أليس من المنطق أن نعيد تنقيح افكار الاستثمار وتصحيح مفاهيمه وتبيان الفرق الكبير  بين الاستثمار الحقيقي  وبين ضربات ” الي تغلب بيه إلعب بيه ”  إننا نحتاج لهامات هؤلاء الشباب  لتكون ركيزة يقف عليها إقتصاد أمتنا وأن نصلح ملفات عالقة مثل تشوه ميزاننا التجاري بين الصادرات والواردات  وعلينا أن نعلم أنه إذا تغيرت أفكارنا وثقافتنا فحتماً سوف تستطيع أيها الشاب أن تغير في وطنك  وأن تتخلص من قائمة المنيو الخاصة بمشاعات ” البيروقراطية والقوانيين ”  وعليك أن تعلم  أنه إذا زاد وعيك الاقتصادي سوف تستطيع  أن تغير كل شيء  فالاصلاح لايبدأ من ترسلانة القوانيين ولا من مشاكلها ولا البيرقراطية  بل من فكرك ووعيك  فأنت الطوب اللبن الذي يبنى عليه وأنت القاعدة التي ينطلق منها تغيير أي عائق عليك فقط بتغير ثقافتك وأن تثق في وطنك وأن تعلم دائماً  أن الوطن باق لك ولغدك المشرق .

ساستعرض لكم  بعض الارقام  والحقائق الرسمية قبل أن أختتم مقالي  قد تبدو عبارات أربطوا الحزام  وتقشفوا عبارات ذات حساسية على مسامع المصريين والتي غستخدمت على فترات كثيرة في السنوات الماضية قبل وبعد الثورة  لكنني هنا أطالبكم بقراءة هذه العبارات بشكل جديد  فالتقشف أو ربط الحزام  لايعني الحرمان وإنما يعني إعادة  ترتيب فقه ” الاولويات ”   وتعني تغيير الثقافة  ليس الان فقط ولا في عهد حكومة حالية  وأنما لكم ولمستقبلكم كأسر مصرية  .

هل يعقل أن الأسر المصرية تنفق 250 مليار جنيه سنويًا على الطعام ويستحوذ  شهر رمضان وحده على النصيب الأكبر منها، وأن الإنفاق على الغذاء يمثل 45%، من إجمالي إنفاق الأسرة المصرية السنوي يستحوذ شهر رمضان وحده على 15% من هذه النسبة..الا تحتاج هذه الارقام  إلى قراءة منطقية ورشيدة ؟ ألا ينبغي علينا أن  نغير عادتنا الاستهلاكية  وفكرنا الاستثماري أن  الاقتران بين هذاين العبارتين  قد يغير أوضاعنا رأساً على عقب إقتصادياً وإجتماعياً  ..إن السياسات الاقتصادية الرشيدة  التي تضعها الدول تحتاج إلى فكر إستهلاكي وإستماري  رشيد .. أليس منكم رجل رشيد ؟! .

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.