أمجد زاهر يكتب : الملك “يحيى الفخرانى” و أدرينالين المسرح
يحيى الفخراني.. ساحر الخشبة الذي ينسى العصا أمام أدرينالين المسرح
بقلم : أمجد زاهر
في مشهد لا يخلو من الدهشة والإعجاب، خطف النجم القدير يحيى الفخراني الأضواء مجددًا بعد إعادة تقديمه لمسرحية “الملك لير”، تلك الملحمة التراجيدية التي يُجسد فيها شخصية ملك مكسور تتداعى مملكته كما تتداعى قواه الجسدية.
إلا أن ما أثار اهتمام الجمهور على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا لم يكن أداءه البارع وحده، بل قدرته الاستثنائية على التخلي عن عصاه التي يعتمد عليها في حياته اليومية بمجرد صعوده إلى خشبة المسرح، وكأن شيئًا من السحر يتملك جسده وروحه.
السؤال الذي أشعل السوشيال ميديا: كيف لرجل يبلغ الثمانين، يتعكز على عصاه في كل تحركاته اليومية، أن يعتلي المسرح لساعتين كاملتين دون الحاجة إليها؟
سؤال مشروع ومحير، لكنه في حقيقته يكشف أحد أسرار المسرح العظيمة، التي لا تُقاس بقوانين المنطق البشري المعتاد.
في لقاء إعلامي سابق، وجّه الإعلامي أسامة كمال هذا التساؤل مباشرة ليحيى الفخراني، فجاءت إجابته مفاجِئة وغير متوقعة.
قال الفخراني بابتسامة العارف: “المسرح له أدرينالين مختلف.. أول ما أدخل الخشبة بنسى أي وجع، وبنسى العصاية، وببقى إنسان تاني خالص”. تلك الكلمات البسيطة تلخص جوهر الفن المسرحي؛ أنه ليس مجرد تمثيل، بل حالة وجودية كاملة، فيها تتجدد الطاقة، وتُستعاد القدرة، وتُهزم الشيخوخة مؤقتًا بقوة الفن والانتماء الحقيقي إليه.

يحيى الفخراني وامينة رزق
ولم يكن هذا الموقف فريدًا من نوعه في حياة الفخراني، فقد استعاد خلال الحوار ذكرى مماثلة مع السيدة أمينة رزق، حين كان شابًا يستعد للعرض معها على مسرح الجلاء.
حكى أنه رأى أمينة رزق قبل العرض بلحظات، غير قادرة على الحركة أو حتى التقاط أنفاسها، تطلب المساعدة للوصول إلى غرفتها، في مشهد هزّ قلبه وأثار خوفه من أن تسوء حالتها على المسرح.
لكنه فوجئ، كما يقول، لحظة وقوفها على الخشبة بصوتها يُملأ القاعة، وأدائها يفيض طاقة وإبداعًا، وكأنها تحولت إلى إنسانة أخرى. وقتها، أدرك أن للمسرح سرًا خفيًا لا يراه إلا من عشق الخشبة وتوحد معها.

معجزة المسرح الحي
هذا التناقض بين الضعف خلف الكواليس والقوة على المسرح، يختزل معجزة المسرح الحي، حيث تنبعث في الممثل شرارة داخلية تُعيد إليه حيويته. لم يكن الفخراني ولا أمينة رزق استثناءً، بل هما شاهدان على أن الفن، حين يُعاش بصدق، يمكنه أن يهزم الجسد المتعب، ويُحلق بالروح عاليًا.
“الملك لير” للمرة الثالثة
واليوم، وبينما يُعيد الفخراني تقديم “الملك لير” للمرة الثالثة في تاريخه، لا يقدم فقط عرضًا مسرحيًا مبهرًا، بل يعطي درسًا حيًا في الإخلاص للفن، ويؤكد أن العطاء الفني لا يُقاس بالعمر، بل بالحضور، والصدق، والقدرة على إبهار الجمهور حتى آخر نفس على خشبة المسرح.
ربما يتعكز الفخراني في حياته اليومية، لكنه حين يصعد الخشبة، يتعكز فقط على موهبته، وتلك العصا السحرية التي تُدعى المسرح.
