أهمية الحوار بين الأجيال .. جسر التواصل وبوابة التفاهم ولابديل عنه
أهمية الحوار بين الأجيال .. جسر التواصل وبوابة التفاهم ولابديل عنه
أهمية الحوار .. في عالم يسير بخطى متسارعة، وتتبدل فيه المفاهيم والقيم بوتيرة غير مسبوقة، تبرز الحاجة الملحّة إلى خلق جسر من التفاهم بين الأجيال.
بقلم : ساره مجدي المغربي
فالحوار بين جيل الكبار وجيل الشباب لم يعد رفاهية ثقافية أو ترفًا اجتماعيًا، بل ضرورة تمليها الظروف المتغيرة، وتفرضها التحديات التي تواجه المجتمعات المعاصرة.
فجوة الأجيال: حقيقة أم مبالغة؟
كثيرًا ما نسمع عن “فجوة الأجيال” وكأنها حتمية لا يمكن تجاوزها. يصف الكبار الجيل الجديد بأنه متمرد، مفرط في استخدام التكنولوجيا، بعيد عن القيم، ومفتقد للانضباط. في المقابل، يرى الشباب أن الكبار متشبثون بالماضي، يرفضون التغيير، ولا يفهمون طبيعة العصر الرقمي وتحدياته.
هذا الصراع الظاهري ليس بالضرورة سلبيًا، إذا ما تم احتواؤه ضمن إطار الحوار البنّاء. لكن غياب هذا الحوار يجعل من الخلافات الصغيرة حواجز ضخمة، ويُنتج سوء فهم متبادل يُفضي إلى العزلة العاطفية والانقطاع المعرفي بين الأجيال.
الحوار كقيمة مجتمعية
الحوار ليس مجرد تبادل للكلام، بل هو ممارسة تتطلب مهارات مثل الإصغاء، احترام الآخر، وتقبل الاختلاف. وهو في سياق العلاقة بين الأجيال يُعد وسيلة للحفاظ على وحدة الأسرة، واستمرارية القيم، ونقل التجارب الحياتية.
عندما يتحاور الجد مع حفيده، لا يقتصر الأمر على سرد القصص، بل يُترجم إلى نقل حكمة حياة كاملة. وعندما تستمع الأم لرأي ابنتها في قضايا معاصرة، فهي تفتح الباب لفهم عقلية جديدة قد تحمل حلولًا غير تقليدية.
العوامل التي تُضعف الحوار بين الأجيال
هناك عدة أسباب تؤدي إلى ضعف أو انقطاع الحوار بين الأجيال، منها:
الانشغال الدائم بالتكنولوجيا: الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية جعلت من التواصل المباشر أمرًا نادرًا، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة.
الفروق الثقافية: كثير من الأهل يعتبرون آراء الجيل الجديد “غير منطقية” أو “غير واقعية”، دون محاولة فهم خلفياتها.
غياب القدوة: أحيانًا لا يجد الشباب شخصًا راشدًا يُنصت لهم دون إصدار أحكام، مما يدفعهم إلى العزلة أو البحث عن توجيه من مصادر غير موثوقة.
الأسرة والمدرسة: لبنة الحوار الأولى
الأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الإنسان فن الحوار. الطفل الذي نشأ في بيئة تتسم بالانفتاح والاحترام، سيشب على هذه القيم ويعيد إنتاجها مع الزمن. كذلك، تلعب المدرسة دورًا أساسيًا في تدريب الطلاب على التفكير النقدي والنقاش البنّاء، بدلًا من الحفظ والتلقين.
إن إدماج أنشطة تُشجع على التعبير عن الرأي، وتقبل الرأي الآخر داخل المناهج التعليمية، يخلق جيلًا قادرًا على بناء جسور الحوار، لا الأسوار.
الإعلام والفضاء العام
لا يمكن تجاهل دور الإعلام والمنصات الرقمية في تعزيز أو إضعاف هذا الحوار. البرامج الحوارية، والدراما الاجتماعية، والمحتوى الثقافي يمكن أن يُسهم بشكل فعّال في عرض نماذج إيجابية للتفاهم بين الأجيال، ويُعالج الصور النمطية التي تزرع الانقسام.
كذلك، أصبح من الضروري خلق مساحات مشتركة تجمع الأجيال حول قضايا تهم الطرفين، مثل حماية البيئة، العمل التطوعي، أو الابتكار. هذه المساحات تتيح فرصًا للتعاون العملي بدلًا من الاكتفاء بالنقاش النظري.
إلى أين يقودنا غياب الحوار؟
غياب الحوار بين الأجيال لا يؤدي فقط إلى تفكك الأسرة، بل يُفضي إلى مجتمع منقسم، تعيش فيه الأجيال في “فقاعات زمنية” لا تتواصل فيها إلا نادرًا. هذا الانقطاع يُفقد المجتمعات ذاكرتها الجمعية، ويُضعف قدرتها على التعلم من أخطائها أو البناء على نجاحاتها.
فإذا لم يسمع الجيل الجديد من سبقوه، سيعيد ارتكاب نفس الأخطاء. وإذا لم يُصغِ الكبار لما يقوله الشباب، فستضيع فرص الابتكار والتجديد.
الحوار ليس ترفًا بل مصير
إن أهمية الحوار بين الأجيال لا تكمن فقط في تعزيز الاحترام والتفاهم، بل في ضمان استمرارية المجتمعات وتوازنها. فكل جيل يحمل جزءًا من الحقيقة، ورؤية واحدة لا تكفي لفهم عالم معقد ومتشابك.
لنجعل من الحوار عادة يومية، لا مناسبة نلجأ إليها وقت الأزمات. لنجعل من بيوتنا ومساجدنا ومدارسنا ساحات للنقاش البنّاء، لا جدرانًا تفصل بين زمنين. فبالحوار فقط، تُبنى الأوطان وتُصان القيم ويُصاغ المستقبل.