إسلام مبارك.. من كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان إلى العالمية
إسلام مبارك.. من كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان إلى العالمية
إسلام مبارك.. من كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان إلى العالمية
رحلة فنية بدأت من المسرح وانطلقت نحو مهرجانات السينما الكبرى،
كتبت ماريان مكاريوس
كان فيلم (ستموت في العشرين) نقطة التحول الأبرز. في هذا الحوار، نقترب أكثر من الممثلة السودانية التي تخطف الأنظار بأدائها وصدقها الفني.
بداية احكي لنا عن البدايات.. متى بدأتِ التمثيل؟ وهل كان الحلم واضحًا منذ البداية؟
• البدايات كانت بداخلي من طفولتي فقد كنت أحب التعبير والحكي والتقمص. كان هذا يمثل شغفًا كبيرًا لدي. تدرجت الخطوات والظروف إلى أن وصلت إلى بدايات رحلتي الفنية التي كانت مليئة بالصعاب.
. درستِ التمثيل والإخراج.. كيف أثّرت الدراسة الأكاديمية على اختياراتك كممثلة؟
الدراسة الأكاديمية كانت مفتاحًا لفهم عميق بالفنون، خصوصًا فن التمثيل والإخراج. تعلمت كيف أقرأ النصوص بطريقة احترافية مبنية على الشخصية وأبعادها. كما ساعدتني على أن أتعامل مع التفاصيل الكاملة للسيناريو وأكون على دراية بكل الشخصيات وليس الشخصيات المعنية بي فقط. كما أضافت لي النضج في تدقيق اختياراتي وتنوع أدواري لكي أكتسب أكبر قدر من الخبرات من خلال التجارب.

كيف تقيمين تطور الحركة الفنية في السودان؟ وما الذي تغيّر منذ بدايتكِ حتى اليوم؟
في الفترة الأخيرة، حدثت طفرة كبيرة وحقيقية. جيل جديد جريء في تناول القضايا وتجسيد الشخصيات ويعمل باجتهاد كبير رغم قلة الإنتاج بسبب الأسباب السياسية الواضحة في بلادي. نتيجة لهذا الجهد، نالت بعض الأفلام السودانية الجوائز في مهرجانات عالمية كبيرة، وهذا دفع عجلة الفنون في السودان إلى تغيير فاعل وواضح. وأنا فخورة بأنني جزء من هذه المرحلة.
ننتقل إلى محطة مهمة: فيلم( ستموت في العشرين).. كيف جاء ترشيحكِ لهذا الدور؟
جاء الترشيح عن طريق اختبارات التمثيل التي كانت أول مرة أخوض غمارها كنوع من التجريب والالمام بالمفهوم العام (الـ Audition). كانت تجربة غيرت فيي الكثير جدًا من المفاهيم الفنية والشخصية
ماذا مثّل لكِ هذا الفيلم على المستوى الشخصي والمهني؟
على المستوى الشخصي، لمسني من دواخلي فكرة الموت التي ناقشها الفيلم، وجعلني أشعر بعمق الفقد حتى وإن كان احتمالًا أو نبوءة. استكشفت مدى أحتفائنا بالموت كتقليد في مجتمعنا. وعلى المستوى المهني، فتح لي الأبواب الضخمة في العالم العربي والغربي، وعرف الناس الممثل السوداني بشكل عام، وعرفوا إسلام مبارك بشكل خاص.
الفيلم شارك في مهرجانات دولية مرموقة، كيف تعاملتِ مع هذا الانفتاح على جمهور جديد؟
الانفتاح الذي خلقه فيلم (ستموت في العشرين) كان مسئولية جسيمة على صناع وكوادر كل الأفلام السودانية. هذا تاريخ يكتب من جديد في إطار الحراك السينمائي السوداني. وكل الجوائز التي حصل عليها الفيلم كانت صوتًا حقيقيًا صادقًا يقول: “ها نحن هنا بكل حكاياتنا وقصصنا التي تستحق أن تروى
.
هل شعرتِ بأن الفيلم وضع على عاتقكِ مسؤولية تمثيل السينما السودانية أمام العالم؟
من أول يوم عرض فيه الفيلم، شعرت بثقل المسؤولية التي وُضعت على عاتقي. بقدر الخوف الذي شعرت به، بقدر جمال الإحساس والفخر. الفيلم أكبر من مجرد تشخيص، لأنه يعبر عن ثقافة شعب، ورغم أنني كنت في بداياتي السينمائية، إلا أنني أعتقد أنها كانت بداية فخمة جدًا، وهذا ما خلق بداخلي دافعًا كبيرًا لأكون أفضل نسخة من نفسي في المستقبل.
ثم شاركتِ في فيلم (ضي..) (سيرة أهل الضي..) ما المختلف في هذه التجربة؟
كانت تجربة مختلفة تمامًا، إذ أن هذا العمل نابع من بيئة مختلفة لكنها الأقرب لي. تتناول السردية المحلية من حيث التقاليد والعادات وصمود المرأة وقوتها. جعلني ذلك أكون أكثر حساسية تجاه الشخصية في كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة. التجربة كانت تمر بداخلي بمراحل عدة، فقد أعددتها ببطء وعمق وتركيز كبير على المشاعر المكبوتة.

في رمضان ظهرتِي في مسلسل مصري هو( أشغال شاقة جدًا..) كيف تم اختياركِ للدور؟ وهل مصر مازالت المحطة العربية الأبرز للفنان؟
الترشيح لـ (أشغال شاقة جدًا) كان من المخرج الفخيم أمجد أبو العلاء، وبعد لقائي مع الأستاذ خالد دياب والأستاذة شيرين دياب تم الاتفاق على الدور. بالنسبة لمصر، فهي بالتأكيد لا تزال المحطة الأهم في حياة كل فنان. تاريخ طويل من الفنون وقدرة كبيرة على تقديم أي فنان للمنطقة العربية كلها. أي عمل مصري يشكل خطوة في طريق نجاحي الفني.
شخصية (مدينة) أثارت تفاعلًا كبيرًا، وأيضًا بعض الانتقادات.. كيف استقبلتِ هذا الجدل؟
أي تفاعل سواء كان إيجابيًا أو سلبيًا هو دليل على وجودي كممثل واعتراف بتمكني من التشخيص. (مدينة) كانت شخصية مختلفة في بساطتها، قوتها، وصمتها المقصود. وهذه فئة موجودة بالفعل في المجتمع. لم يزعجني النقد، لأنه لم يأت من فراغ. كون الشخصية حركت مشاعر المشاهدين، فهذا في حد ذاته دليل على النجاح.
هل تعتقدين أن الجمهور العربي مستعد لتقبّل وجوه من خلفيات ثقافية مختلفة؟
الجمهور العربي اليوم أصبح أكثر استعدادًا لتقبّل وجوه من خلفيات ثقافية مختلفة. أصبح المشاهد أكثر انفتاحًا وتجاوبًا مع صدق الإحساس. طالما أن هناك وعي ونضج في “الشوف”، فإن أي إضافة من أي ممثل من أي ثقافة ستكون إضافة تميز وتنوع في الساحة الفنية. نحن نحارب القبح بالسينما، وما أقبح الظروف التي يعيش فيها الإنسان اليوم.

ما التحديات التي واجهتكِ كممثلة سودانية في سوق الدراما العربية؟
أكبر تحدي كان غياب الصورة الواضحة للممثل السوداني، أو بالأحرى النمطية في الأدوار المسندة إليه. رغم ذلك، كنت محظوظة لأنني قدمت دورًا لأول مرة في (أشغال شاقة جدًا) يتناول “مساعدة المنزل” بشكل مختلف. التحديات، سواء كانت استحسانًا أو رفضًا، جعلتني أكثر مرونة وحمستني لأثبت أنني قادرة على التنوع والاختلاف في اختياراتي
كيف تختارين أدوارك؟ هل تميلين إلى الشخصيات المركّبة أم تفضلين الأدوار الواقعية؟
أنا أحب الأدوار العميقة والصعبة التي تجعلني كممثلة أكتشف نفسي أكثر. تركيب الشخصيات يغريني جدًا، حتى لو كانت مساحة الدور بسيطة. المهم بالنسبة لي هو الصدق في تناول الشخصية والقدرة على إيصالها للمشاهد.
هل هناك أدوار ترفضين تقديمها مهما كانت مغرية؟
ليس هناك أدوار أرفضها. طالما أنا ممثلة، فأنا قادرة على تقديم العديد من الشخصيات. هذا هو واجب الممثل، القدرة على التكيف مع مختلف الأدوار.
ما مشاريعكِ القادمة؟ وهل هناك خطوات نحو الإخراج مثلًا؟
هناك العديد من المشاريع القادمة. انتهيت من فيلم (أسد ) مع المخرج العالمي محمد دياب والنجم محمد رمضان، وأنا على مشارف بدء تصوير فيلم جديد سأفصح عنه قريبًا. كما يوجد أيضًا عمل سينمائي عربي في القريب العاجل. بالنسبة للإخراج، أركز على التمثيل حاليًا، ولكن لا أستبعد فكرة الإخراج في المستقبل.
هل سنرى اسلام مبارك مخرجة قريبا؟
لا أعتقد أنني الآن مستعدة للإخراج، فكل تركيزي منصب حاليًا على التمثيل. لكن بالطبع لا بد لي من خوض تجربة الإخراج في مرحلة ما من حياتي. أتمنى أن أكون قد وصلت إلى النضج الكافي الذي يؤهلني للإخراج وإنشاء عمل سينمائي يخلق الاختلاف.
هل ترين أن الفن قادر على إحداث تغيير في السودان وسط كل ما يمر به؟
الفن هو المجال الإبداعي الوحيد القادر على تغيير تاريخ الأمم. فهو يخاطب العقول والقلوب والمشاعر، ويقرب المسافات النفسية بين الناس. نحن كممثلين وصناع أفلام نجتهد في جعل هذا التغيير واقعًا ملموسًا، ولو بعد حين.

وأخيرًا، ما الرسالة التي ترغبين دائمًا في إيصالها من خلال فنك؟
ليس بالضرورة أن يكون في كل عمل رسالة محددة كي تصل للجمهور. في (أشغال شقة جدًا) كانت الرسالة الوحيدة هي متعة المشاهد وإخراجه من رهق الحياة. أما في( ضئ) ، كانت الرسالة أكبر من مجرد اختزالها في جملة. أنا أترك للمشاهد حرية اختيار
كلمة لجمهوركِ في السودان، وفي الوطن العربي عمومًا؟
أنا ممتنة لكل من تابعني ولا زال يتابع مشواري الفني بكل الود والدعم. أتمنى أن أكون كما تكون
ختامًا، و بعد الحوار الشيق مع فنانة شديدة الثقافة و الرقي
تظل إسلام مبارك واحدة من تلك الأصوات الفنية التي لا تمر مرور الكرام؛ ممثلة تمتلك الصدق قبل الأداء، والشغف قبل الشهرة. من المسرح السوداني إلى شاشات المهرجانات العالمية، قطعت مسافة ليست قصيرة، لكنها مشحونة بالإيمان بالفن كأداة للتغيير والتنوير. وبين كل دور وآخر، تواصل إسلام كتابة سطر جديد في حكاية الفن السوداني المعاصر، حكاية تستحق أن تُروى، و يحتفي بها