ريهام طارق تكتب: كيف تصنع من ابنك المراهق صديقًا وتبني بينكم جسر من الثقة

تبدو العلاقة بين الآباء وأبنائهم عند دخولهم مرحلة المراهقة أشبه بحبل مشدود، يتأرجح بين مشاعر متناقضة: “الخوف والحب، والرغبة فى الحماية مقابل توق الأبناء إلى الاستقلالية والاعتماد على النفس”.

بقلم: ريهام طارق 

في خضم هذه الموجات المتلاطمة من التوتر والصراع، تبرز الثقة كـ جسر راسخ يمكنه أن يربط بين عالمي الآباء والأبناء، ويعيد التواصل بينهما على أسس أكثر وعيا و نضجا، الثقة تمكن الابن من أن يرى في والديه ملاذا آمنا يلجأ إليه في أوقات ضعفه، و انكساراته، حتى في لحظات انتصاره، دون خوف أو خجل.

اقرأ أيضاً: وجدان سعيد تستعد لاطلاق “أنهي الجدل” بتوقيع عمرو الشاذلي وعمرو المصري 

ستواجه عزيزي القارئ أيضا هذه المرحلة الدقيقة، صمت إبنك المراهق و اكتفائه بردود مقتضبة وباردة وهذا يعتبر من أكثر السلوكيات التي قد تثير استياءك و تضعك في مواجهة مشحونة معه، غير أن هذا الصمت في الغالب لا ينبع من رغبة في العزوف عن الحديث، بل من شعور بداخله بأنه لا يوجد من يُنصت إليه بصدق.

إن صمت المراهق هنا ليس رفضا لك، بل هو لغة خفية تبحث عن أذن تنصت وقلب يحتضن، اختبار لك منه غير معلن لمدى حنانك وصبرك عليه، لذلك لا ينبغي أن يواجه بالغضب أو رفع الصوت والعصبية، بل بالهدوء و احتواء خالي من لغه بها تهكم، أو تحويل الحوار إلى سلسلة من المواعظ والنصائح.

كيف تنصت لابنك المراهق كما كنت تتمنى لو أُنصت إليك؟

تذكر كيف كنت في مثل عمره، كم كنت تتوق إلى من يسمعك دون أن يشكك في وعيك أو يهاجمك بحجه “أنت صغير ولا تفهم”، رغم ذلك، كنت تشعر أنك تدرك الكثير، وتؤمن أنك على حق،  استحضار هذه الذكريات اليوم تعينك على أن تكون ذلك المستمع الذي كنت بحاجة إليه، و يعلمك كيف تنصت لابنك المراهق كما كنت تتمنى لو أنصت إليك.

عزيزتي الأم، عزيزي الأب…  

بناء الثقة مع ابنك يعني أن تمنحه المساحة لاتخاذ قراراته بنفسه، وأن تحترم اختياراته حتى إن خالفت توقعاتك، محاولة إقناعه بخطأ اختياره قد تقابل بـ العناد، ليس لأنه لا يفهم، بل لأنه يريد إثبات استقلاله لكن عندما تمنحه حرية التجربة، تحت مظلة رعايتك وحنانك، وتترك له الفرصة ليُخطئ ويتعلم، ثم تخبره بلطف: “قد تكون محقا”، فإنك بذلك تعزز ثقته بنفسه، و تشعره بالأمان داخل محيط أسرته.

هذا الشعور سيجعله حريصًا على النجاح، لا ليكسب معركته فحسب، بل ليحافظ على صورته أمامكم وهكذا، تزرع فيه الجرأة لخوض أي تحدي، دون أن يخشى النقد أو العقاب، بل بثقة وهدوء، مدعوما بمحبة لا تهتز.

اقرأ أيضاً: بهاء سلطان يطيح بشيرين عبد الوهاب من عرش بيلبورد بتتر “صاحبي يا صاحبي”

تذكر دوما أن الثقة لا تمنح بالكلمات، بل تبنى على مهل، و ترسخ بالتجربة اليومية والمواقف المتراكمة إنها لا تولد فجأة، بل تنمو في مناخ يسوده الاحترام المتبادل، وتزدهر حين يشعر الأبناء أن آباءهم يُنصتون إليهم بإخلاص واهتمام ولعل أولى أساس هذا البناء المتين تبدأ بجملة بسيطة في ظاهرها، لكنها عميقة في أثرها، ينبغي أن تتردد على مسامعهم يوميًا وكأنها وعد لا يُنكث: “أنا أثق بك.”

اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: لم يعد طفلًا.. كيف تحمين ابنك المراهق دون أن تخسري قلبه؟

إن الثقة لا تجد لها موطئ قدم في بيئة تقوم على الأوامر وحدها، بل تحتاج إلى أرضية يشعر فيها المراهق أنه يعامل كإنسان ناضج، له رأي يحترم، وصوت يسمع، وكرامة تصان فعندما يقابل باحترام حقيقي، يتعلم كيف يمنح الاحترام، وحين يجد في والديه حضنا يتسع لانكساراته قبل نجاحاته، تنبت في داخله الشجاعة ليكون صادقا مع أولا نفسه قبل أن يكون صادقا مع من حوله وهنا فقط، تبدأ نواة الثقة في التشكل

توقع أن طريق العلاقة بينكم لن يكون دائمًا ممهدا، ستمر بمراحل خلاف، وربما فشل، وقد تصاب الثقة بينكم بإنهيار مؤقت، لكن هذا لا يعني أنه نهاية الطريق، بل هو نداء لإعادة البناء، وترميم جسر الثقة من جديد بما يجعله أقوى، والاعتراف بالخطأ من الطرفين الكبير قبل الصغير هو حجر الأساس في هذا الترميم الصادق..

إن البيت الآمن يصنع الإنسان الواثق من نفسه.. لنصنع من بيوتنا أوطانًا صغيرة، يُحسن الأبناء الرجوع إليها، لا الهروب منها.. الثقة لا تفرض، بل تبنى.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.