ابني المراهق يصرخ في وجهي ويعاملني بعنف: من المذنب هو أم أنا؟
تعد مرحلة المراهقة واحدة من أكثر المراحل تعقيدًا في مسيرة التربية الأسرية، إذ تمثل تحديًا حقيقيًا للكثير من الآباء والأمهات الذين يجدون أنفسهم في موقف من الحيرة، وأحيانًا العجز، تجاه تصرفات أبنائهم التي تبدو لهم غير مفهومة بل و مستفزة.
كتبت: ريهام طارق
هذه المرحلة لا تقتصر فقط على تغيرات ظاهرة مثل المظهر الخارجي أو نبرة الصوت فحسب، بل تشمل تحولات عميقة في السلوك، و الانفعالات، وأنماط التعبير والتواصل مع الوالدين، و يتحول الطفل الهادئ فجأة إلى مراهق عنيد أو فتاة لا تتراجع عن آرائها، رافضةً التوجيه والنصح، في صراع مستمر لإثبات الذات.
ومن بين أكثر الشكاوى التي يرددها أولياء الأمور في هذه المرحلة:
“ابني يعاملني بعنف”
“ابني لا يحترمني”
“يرفع صوته أثناء حديثي”
“يرفض كل شيء ويتحدث معي كـ ند”
لكن، هل نحن حاولنا أن نفهم ما يمر به المراهق؟ هل بذلنا جهدًا حقيقيًا لمعرفة الأسباب الحقيقية وراء هذا التغير المفاجئ؟ هل سألنا أنفسنا: هل هو مجرد متمرد، أم أنه يطلق صرخة داخلية غير معلنة تطالب بالفهم والاحتواء؟وكيف يمكننا أن نرافق أبنائنا في هذه المرحلة الدقيقة بحكمة، دون أن نُفقد علاقتنا بهم أو مكانتنا كآباء؟ هل ننظر إليهم حقًا كما هم: كائنات تتغير بيولوجيًا ونفسيًا، تكافح من أجل العثور على هويتها وسط دوامة من المشاعر المتناقضة؟
في هذا المقال، نقدم خارطة طريق تربوية تمكّننا من العبور الآمن مع أبنائنا من ظلال التوتر والصراع إلى فضاء التفاهم والاحترام المتبادل.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: كيف تصنع من ابنك المراهق صديقًا وتبني بينكم جسر من الثقة
ما الذي يحدث داخل عقل المراهق؟ رؤية علمية لفهم التغيرات السلوكية
حين نواجه عالم المراهقين، لا بد أن ندرك أولًا ما يحدث داخل عقولهم من تحوّلات بيولوجية ونفسية، لنتمكن من فهم سلوكياتهم التي تبدو لنا أحيانًا صادمة أو غير مبرّرة،فمن منظور علم النفس العصبي، يُعد دماغ المراهق في طور النمو وإعادة الهيكلة، لا سيّما الفص الجبهي للمخ، وهو الجزء المسؤول عن الوظائف التنفيذية كـ التفكير المنطقي، وضبط الانفعالات، واتخاذ القرارات، هذا النمو غير المكتمل يفسّر كثيرًا من السلوكيات التي تصدر عن المراهق: الانفعالات المبالغ فيها، الميل للمخاطرة، الرغبة في الاستقلال، والإصرار على أن يُعامل كشخص ناضج قادر على اتخاذ قراراته وتحمل نتائجها، وهنا، غالبًا ما ينشأ الصدام بينه وبين والديه، إذا لم يُمنح حقّه في التعبير والتجربة.
اقرأ أيضاً: أحمد المالكي في تعاون استثنائي مع هيفاء وهبي في أغنية جديدة بطابع مختلف
كن صديقًا داعمًا لا رقيبًا صارمًا:
إن التعامل مع هذه المرحلة الدقيقة يتطلب وعيًا عميقًا من الأهل، قائمًا على إتاحة مساحة آمنة للحوار، لا مصادرة لرأيه أو فرض للقرارات عليه فحين يشعر المراهق أن والديه يستمعان إليه بإصغاء، ويناقشانه باحترام، دون تهديد أو سخرية، ينمو لديه شعور بالثقة والاطمئنان، ويصبح أكثر استعدادًا لتقبّل النصيحة.
احذر أيضا المقارنة الدائمة بينه وبين إخوته أو أصدقائه أو زملائه في المدرسة هذا يجعله يشعر بعدم الكفاية، فيرد بعنف دفاعًا عن نفسه.
كن قدوة حقيقية، بالفعل وليس بالكلام فقط ، راقب سلوكك و تصرفاتك و ألفاظك، المراهق يتأثر بما يراه فيك أكثر بكثير مما يسمعه من توجيهات ونصائح.
كن صديقًا داعمًا لا رقيبًا صارمًا؛ استبدل لغة الأوامر بعبارات تحمل الود والثقة، فبدلًا من أن تقول “افعل” أو “لا تفعل”، جرب: “ما رأيك؟”، “هل ترى حلاً آخر؟”، “أنا أثق برأيك”، هذه الكلمات البسيطة تحدث فرقًا عميقًا في علاقتك بابنك.
احترامك لذاتك يُعلّمه كيف يحترمك، لذلك لا ترد الغضب بالغضب، ولا الصراخ بالصراخ، بل حافظ على هدوئك، فصورة الأب المتزن أبلغ من ألف مواجهة، القوة الحقيقية للآباء تكمن في ضبط النفس واتزان السلوك.
ضع حدودًا واضحة، يزينها لغة الحب، المراهق بحاجة إلى التوجيه والانضباط، نعم، لكن بأسلوب قائم على العدل والتفاهم، لا على التهديد أو العقاب وحده.
أهمية تمكين الأبناء من خوض تجاربهم الحياتية، في حدود المراقبة الواعية والرعاية غير الخانقة، فإذا نجح المراهق، فليُقابل نجاحه بإشادة واضحة واعتراف حقيقي من الأهل بأنه كان محقًا في اختياره، وإن فشل، فلا مجال للتوبيخ أو عبارات “ألم أخبرك مسبقًا؟”، بل على العكس، يجب دعم التجربة باعتبارها فرصة تعليمية ثمينة، بالقول:
لقد حاولت، وهذا شرف في حد ذاته، تعلّمت درسًا مهمًا، وأنا فخور بك لأنك خضت التجربة بشجاعه، وواثقة أنك في المرة القادمة ستتخذ قرارًا أفضل، وبهذا الأسلوب من التربية المبني على التفهّم والاحتواء، يمكننا أن نعبُر بأبنائنا مرحلة المراهقة دون خسائر نفسية أو شرخ في العلاقة تترك ندبات بداخله للأبد.
اقرأ أيضاً: ريهام طارق تكتب: لم يعد طفلًا.. كيف تحمين ابنك المراهق دون أن تخسري قلبه؟
رسالة إلى كل أب وأم:
لا تسمحوا للحظات التمرّد أو نوبات الغضب من أبنائكم أن تكسِر قلوبكم أو تزعزع ثقتكم بأنفسكم، مرحلة المراهقة ليست ساحة صراع، بل فرصة ثمينة لإعادة بناء جسور التواصل مع أبنائكم على أسس من الحب والتفاهّم والحوار الهادئ، والاحترام المتبادل، وتذكّروا أن خلف كل سلوك مضطرب دافعاً نفسياً، وأن العلاج الحقيقي يبدأ بالاحتواء لا بالعقاب، وبالفهم لا بالتوبيخ.
ابنكم لا يرفضكم، بل هو في أمسّ الحاجة إليكم، حتى وإن لم يُفصح عن ذلك.
في النهاية لست المراهقة أزمة ينبغي النجاة منها فحسب، بل هي فرصة ذهبية لتشكيل علاقة حقيقية بين الأهل وأبنائهم، قائمة على الثقة والوعي والحوار وبناء شخصية متميزة وناجحه تستطيع أن تكون عضوا فعالا ونجاحات في المجتمع، حين نُدرك أن خلف العناد صرخة، وخلف التمرّد رغبة في الفهم، وخلف الرفض احتياجًا إلى الاحتواء.. في تلك اللحظة فقط سنعيد النظر في طريقة تعاملنا مع هذا الجيل المتعطّش للحرية والاعتراف.
لن نُربّي أبناءنا بالسيطرة، بل بالاستماع، لن نحميهم بالخوف، بل بالثقة، ولن نكسب قلوبهم بالعقاب، بل بالحبّ الناضج الواعي، وهكذا نمنحهم جناحين يحلقون بهما في سماء الحياة… دون أن نكسرهم أونحطم شخصيتهم، والأهم دون أن نفقدهم.
من واقع تجربتي مع ابني المراهق.. ريهام طارق.