” افترقنا إذًا .” قصة قصيرة بقلم نهي شكري .

 عادت من يومِ عملٍ طويلٍ، يملؤه الضجيج والوجوه العابرة.

كانت السماء تميل إلى الغروب، والمدينة تغتسل بضوءٍ ذهبيٍّ حزين.

وفي طريقها إلى المنزل، رأت المقهى الذي كانوا يجلسوا فيه سويًّا، ذلك الركن الصغير الذي كان يضمّهم في دفءٍ لا يشبه أي مكان.

 

توقّفت للحظة، كأنّ الزمان عاد بها إلى تلك الضحكة التي كانت تملأ المكان.

 

تابعتُ طريقها بصمت، لكنّ قلبها لم يتحرّك من هناك.

 

بعد أمتار، لقد رأت المطعم الذي كانوا يتناولوا فيه الغداء.

فانفتحت دفاتر الذكريات على مصراعيها.

وحين وصلت إلى البيت، لم تستطع مقاومة الرغبة في الكتابة.

 

جلست أمام الورقة البيضاء، تستند إلى وجعها كأنه وسادتها الوحيدة،

وكتبت أول جملةٍ جاءت إلى ذهنها:

“ها نحن ذا… افترقنا إذًا.”

لم تكن مشيئة الله أن نكمل الدرب سوياً،

أن نتشبّثَ بضعفنا لنصنع منه معجزة تقينا من السّقوط والتهشّم.

وكلّما حاولت أن أنسى، وجدتني أسترجع التفاصيل بنهمٍ غريب…
أتذكّر نبرات صوتك حين كنت تتحدّث بثقة، وابتسامتك التي كانت تُرمّم فوضى يومي.
أتذكّر الأماكن التي جمعتنا، والموسيقى التي كنا نسمعها في صمتٍ يشبه الوداعة.
حتى الأشياء الصغيرة من حولي ما زالت تُعيدني إليك ، مقعدنا المفضّل، كوب القهوة، وحتى رائحة المطر.

كنتُ أقاوم الذكرى، لكنّها كانت تأتيني في لحظات العتمة، تتسلل إلى قلبي بخفةٍ موجعة، تهمس لي أن ما كان بيننا لم يكن عابرًا، بالرغم ان كل ما كان بنا جميل كان في بداية حبنا فقط نعم انها كانت حلاوة البدايات .
كم تمنيت ان  أبدو قوية، لكن في أعماقي كنت أفتقد شيئًا لا يُرى… شيئًا يشبهني حين كنت معك في البداية 

لكن لا بدّ أن أستيقظ…

أن أتحرّر منك، ومن كلّ ما يُعيدني إليك.

أن أُوقظ في داخلي مشاعر الحياة التي خمدت،

وأمنح نفسي فرصة للنجاة، بعد أن طال التيه.

وأنا أكتب الان  عادت إلى ذهني تفاصيل أخرى كنتُ أتجنبها طويلًا، بعد حلاوة البدايات …

تذكّرت الخلافات الكثيرة، الشجار الدائم،

عصبيتك التي كانت تجرحني ثم تتركني أُرمم نفسي وحدي.

كنت أقول في قلبي إنك ستتغير، وإن الأيام ستُلين ما قَسَا فيك،

لكنّك لم تتغير يومًا، وأنا التي ظلّت تنتظر وهمًا جميلاً لا يأتي.

ثم تذكّرت هجرانك في أيامي الصعبة،

صمتك الطويل الذي كان يؤلمني أكثر من أي كلمة،

وإهمالك لي حين كنت أحتاج مجرد اتصالٍ أو كلمة تُعيد لي الاطمئنان.

كنتُ دائمًا أجد الأعذار لك، أبرّر غيابك،

وأقنع نفسي أنك مشغول، لا بارد،

لكن الحقيقة كانت تؤلمني في كل مرةٍ أكثر من التي قبلها، اتري هذا انت ام هذه حقيقتك المجردة التي بدأت أن افهمها للأسف في نهاية علاقتنا.

حينها أدركت أن الفراق لم يكن خسارة، بل انتصار.

انتصار لي على ضعفي، على خيبتي، على فكرة أن الحب وحده يكفي.

لم يكفِ… ولم يعد يليق بي أن أظلّ في انتظارٍ لا يثمر.

الآن فقط أدرك أن ما رحل لم يكن نصيبي،

وأن ما هو آتٍ قد يحمل لي سلامًا حقيقيًا لا يشبه الضجيج الذي مضى.

هناك بريق جديد يطلّ عليّ، كأملٍ خجول يمدّ يده نحوي.

نعم، افترقنا إذًا…

لكن قلبي هذه المرة لا ينكسر، بل يتفتح للحياة.

أحببتك بصدق، وافترقت عنك بسلام،

وفي هذا السلام وجدت نفسي.

 “فليكن الفراق أحيانًا طريقًا آخر نحو البدايات.”

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.