الأحتكار جريمه دينيه واقتصادية واجتماعية بقلم… إيمان سامى
الأحتكار جريمه دينيه واقتصادية واجتماعية
بقلم… إيمان سامى عباس
من أهم خصائص الشريعة الإسلامية رفع الظلم والتظالم بين الناس، فقد أرشد الإسلام ووجه إلى طريق الكسب الحلال من خلال التجارة والبيع والشراء في قوله تعالى: “وَأَحَلَّ ﷲ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا”، وقد ضبط الإسلام المعاملات بما يجب أن تكون عليه من مراعاة حقوق الناس، وإقامة العدل بينهم، وحرم أكل أموال الناس بالباطل، فقال سبحانه وتعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لا تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ”.
وقد حذر الإسلام من خطورة الاحتكار وغلاء الأسعار والاستغلال والغش على الفرد والمجتمع، وأكد أن فى الاحتكار خطورة على الناس عامة، كما أن فيه خطورة على التجار أنفسهم.
والاحتكار معناه: حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاء فاحشا غير معتاد، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه، والمحتكر يرتكب جريمة دينية واقتصادية واجتماعية، ويعد الاحتكار ثمرة من ثمرات الانحراف عن منهج الله، وقد تنوعت صورة، وتعددت أساليبه، فإنه لا يكون في الأقوات فحسب، وإنما يكون في كل ما يحتاج إليه الناس من مال وأعمال ومنافع.
والاحتكار من الذنوب العظيمة والآثام الكبيرة، فقد اتفق الفقهاء على أنه محرم، ودليل ذلك أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (لا يحتكر إلا خاطئ)، فالتصريح بأن المحتكر خاطيء كافٍ في إفادة عدم الجواز، لأن الخاطئ هو المذنب العاصي، وفي مسند الإمام أحمد وغيره أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى، وبرئ الله تعالى منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله). كما عد ابن حجر الهيتمي الاحتكار من الكبائر في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر، والحكمة من تحريم الاحتكار الحيلولة دون إلحاق الضرر بالناس في حبس حاجياتهم الأساسية وعدم حصولهم على ما يتقوتون به خاصة في ظل الأزمات والجوائح.
والتجار إذا احتكروا ما يحرم احتكاره فإن على الحاكم أن يأمرهم بإخراج ما احتكروه وبيعه للناس، فإن لم يمتثلوا أجبرهم على البيع إذا خيف الضرر على العامة، أو أخذه منهم وبيعه ورد الثمن عليهم.
قال الإمام النووي رحمه الله: “قال العلماء: والحكمة في تحريم الاحتكار دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه دفعا لضرر الناس، وتعاونا على حصول العيش”.
وعلى الدولة أن تتدخل لحماية الأفراد من عبث العابثين، ومصاصي دماء الشعوب، وذلك باتخاذ الإجراءات المناسبة الكفيلة بقطع دابر الاحتكار، وإعادة الثقة والطمأنينة إلى نفوس المواطنين، وعلى المجتمع أن يتكاتف في وجه هذه الظاهرة الأثيمة ودفع كل ما من شأنه أن يؤذي الناس أو يلحق الضرر بهم.
فاحتكار السلع سلوك ذميم، وفيه دلالة على محبة الذات وتقديم النفس على حساب الآخرين، فما أشد عواقبه، إذ يقول سيدنا عمر بن الخطاب – رضى الله عنه -: سمعت رسول اللَّه – صلى اللَّهُ عليه وسلم – يقول: “مَنِ احْتَكَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ طَعَامَهُمْ ضَرَبَهُ اللَّهُ بِالْجُذَامِ وَالْإِفْلَاسِ” (رواه ابن ماجه).
إن التكاتف وقت الأزمات صفة شاملة لكل صور التعاون والإيثار وتقديم العون للمحتاج، فما أحوجنا إلى تحقيق هذه المعاني السامية والقيم الراقية، وقد قال الله تعالى: “وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍۢ فَلِأَنفُسِكُمْ” (البقرة 272)، وقال سبحانه: “وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ” (محمد 38).
نسأل الله التوفيق والسداد ورفع البلاء والوباء والغلاء، ونسأله سبحانه أن يعم الرخاء والسخاء على مصرنا الحبيبة.