الأنا التي أوقعت شاهين في مأزق حتى مماته
عندما قررت أن اكتب عن المخرج يوسف شاهين فى ذكري ميلاده كان لابد لي أن أشاهد أعماله من جديد برؤية مختلفة، لأرى “هاملت” الثائر والشاعر والفنان والملحن الذي لا يعرفه الكثيرون.
يوسف شاهين الثائر الذي يريد أن تصبح الأشياء مثلما يريد فى “باب الحديد” نجده قناوي يلهث وراء “هنومه” وفى “القاهرة منور بأهلها” يبحث عن وطن مجروح أصابه الفقر والعشوائية وفى “اسكندرية كمان وكمان” يبحث عن شاهين الذي ضاع فى قلب أفكاره، و”عودة الابن الضال”الذي يبرر هزيمة 67 وفى “المصير” باحثاً عن أوراق ضاعت منه منذ ولادته وفى “حدوتة مصرية” يبحث عن يحيي ويحلم بـ العالمية، فإن كنا نستحق الحياة على هذه الأرض فأن شاهين كان يري أنه يستحق العالمية والخروج عن المألوف لذلك كانت أعماله لدي البعض غير مفهومة ليس من تعقيد الفكرة ولكن من رؤيتها الفلسفية التي تكمن بين اضلع المشاهد والكلمات والتفاصيل.
في احد جلساتي الحميمة مع “بهية” محسنة توفيق التي لم تنس له إسناد دورها الذي وعدها به إلى داليدا وتفضيله إياها في فيلم “اليوم السادس ” قائلة: “عمري ما هسامح شاهين على هذا الخطأ الفادح الذي فعله في حقي، رغم ذلك فجنونه كان سبب عظمته وعظمة العاملين فى أعماله وجاءت لتؤكد أن “هاملت” كان يعمل بكل حواسه وشغفه هذا كان سبب مرضه الذي رافقه حتى نهاية حياته .
ونجد الكبت والفقر والجنس والتطرف الديني عناوين كبيرة لفيلم “القاهرة منورة بأهلها ” الذي عرضه فى التسعينيات كشكل من أشكال اتساع ظاهرة العشوائيات وتدهور الحالة الاجتماعية التى وصلت الى سيطرة الأغاني الشعبية التى اتخذ احدها “هاملت” واحدة منها كخلفية لفيلمه والتي تغني بها “حمدي باتشان “:” إيه إيه الحكاية ايه الروايه .. كلمنى .. فهمني .. كلمني كلم كلم ..كلمني … فهمني فهم فهم فهمني.. إيه الأساتوك ده .. اللي ماشي يتك ده إيه .. و رد الجناين ده .. اللي يصحي النايم ده .. ايه يا اخواتى الراجل دا اللى ماشى يعاكس دا.. ايه الدم السم دا اللى يثير اعصابى دا… إيه يا راجل انت ده .. إيه الي انت عامله ده … عيب عليك في السن ده يطلع منك كل ده.. إيه يا راجل انت ده .. إيه الي انت عامله ده … عيب عليك في السن ده يطلع منك كل ده“.
رغم ذلك تمت مهاجمة “شاهين” بعد عرض الفيلم فى مهرجان كان السينمائي، واتهامه بتشويه صورة مصر أمام العالم مما اضطره للخروج عن صمته بعد العرض كما ذكر الناقد عصام زكريا فى كتابه “صانع المرايا”، حيث قال: ” اللي قالولي لو مش عاجبك البلد سيبها بأقول لهم أنا قاعد فى بلدي وحاعمل أعمال حرة .. زي ما أنا شايفها”.
يا ناس يا ناس يا “مكبوتة” هي دي الحدوتة يغنيها “منير”في فيلم “حدوتة مصرية” ويحكي عنها أنها كانت سبب في حبسه مع شاهين ، ففي إحدى تسجيلاته كان يقف “الأستاذ” كما يحب أن يطلق عليه تلاميذه، ليستمع إلي ما وصلت إليه أغنية فيلمه التي كانت تعزفها فرقة موسيقية كاملة اقرب للاوركسترا فيقف منير – كما يحكي- يغني “حدوتة مصرية” وشاهين يبدأ فى خفض أصوات الآلات أله تلو الأخرى ليبقي صوت “منير” وحيداً وإذا بشاهين في جملة “تموت حتة مني” ينفعل بشدة ويكاد يكسر الأستوديو وهو يصرخ “ماتموتش ليه” مطالباً منير بإحساس حقيقي، لتخرج الجملة كما نسمعها ولتخرج “حدوتة مصرية” بهذا الإحساس، لكن السلطات اعترضت في ذلك الوقت علي كلمة واحدة في الأغنية وهي “مكبوتة” في “جملة “يا ناس يا ناس يا “مكبوتة” وبالفعل حذفت الرقابة الكلمة وتم الحكم على منير وشاهين بالسجن ثلاثة أشهر مع إيقاف التنفيذ.
كلمات اغنية محمد منير حدوتة مصرية… ما نرضاش يخاصم القمر السما
ما نرضاش .. تدوس البشر بعضها.. ما نرضاش.. يموت جوه قلبي نداء
ما نرضاش.. تهاجر الجذور أرضها.. ما نرضاش.. قلبي جوا يغني واجراس تدق لصرخة ميلاد.. تموت حته مني الاجراس بتعلن نهاية بشر من العباد.. دي الحكمة قتلتني و حيتني وخلتني أغوص في قلب السر
قلب الكون قبل الطوفان ما ييجي خلتني أخاف عليك يا مصر.. واحكيلك على المكنون.. مين العاقل فينا مين المجنون.. مين الي مدبوح من الألم
مين اللي ظالم فينا مين مظلوم.. مين اللي ما يعرفش غير كلمة نعم.. يا ناس يا ناس يا مكبوتة.. هي دي الحدوته.
” أبو سريع ” “فريد شوقي وبائعة “الكزوزة” “هنوما ” هند رستم على الشريف، محمود المليجي “الجد والأب”، “تحية كاريوكا” الفنانة والراقصة المشهورة”، صلاح قابيل “الصحفي “، محسن محي الدين “يحيى”، عمرو عبد الجليل “الوجه الاخر لشخصية يحيى”، محسنة توفيق”بهية”، هدي سلطان”صاحبة البار”، سيف عبد الرحمن “بطل ينتظر المزيد فى دائرة شاهينية”، عزت العلايلي”سيد ومحمود الفاسد والجلاد”،هؤلاء ابطال فى حياة ” شاهينية “.
كانت”بهية” هي الحلم الأكبر لـ”شاهين” من بداية أعماله في بابا أمين” حتى الفلاح ” ابن النيل” مروراً بـ ” المهرج الكبير”عن حياة وأسرار، ” سيدة القطار”،” نساء بلا رجال”، صراع في الوادي”، “شيطان الصحراء”،”صراع في الميناء”، “ودعت حبك” ، أنت حبيبي”، ” ليقف في محطة من أهم محطاته ليخرج بفيلم عن”جميلة بوحريد “،” لينتقل من رصد مجزره الجزائر إلي” قناوي في”باب الحديد” ،” حب إلي الأبد”، “رجل في حياتي”، ” نداء العشاق”، وتتوالى أفلام “شاهين” ليخرج لنا فيلم من أضخم الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية في ذلك الوقت ليفاجئنا بفيلم “الناصر صلاح الدين”، ليكمل المسيرة بفيلم” فجر يوم جديد”،” ثم “بياع الخواتم” مع فيروز ،”الناس والنيل”، ” الأرض” و”الاختيار”،” العصفور” وبهية ،” عودة الابن الضال” حلم الأرض الضائعة،” ” القاهرة منور بأهلها” ثم” المهاجر” ،” المصير”،” الأخر” وفساد الدولة المتمثل في” حاتم””هي فوضي” ،”سكوت هنصور”، ويستمر “شاهين” بعد ذلك فى رحلة شغف لا تنتهي على رأسها إسكندرية ليه” ثم ” إسكندرية كمان وكمان”،و “إسكندرية نيويورك “.