الإبل خُلِقت من الشياطين ويحلُّ أكلُها! خرافة أم حقيقة؟

د: محمد عبد الكريم

الإبل خُلِقت من الشياطين ويحلُّ أكلُها! خرافة أم حقيقة؟

د: محمد عبد الكريم
يرى جمهرة من العلماء أن أصل الإبل هو الشياطين، أي أنها متخلقة منها كما تخلق الإنسان من التراب. صرح بذلك من الفقهاء الإمام الشافعي رحمه الله في كتاب الأم 1/113 حيث قال عن رسول الله-صلي الله عليه وسلم-: “فَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ قُرْبَ الْإِبِلِ؛ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ جِنٍّ، لَا لِنَجَاسَةِ مَوْضِعِهَا”. هـ، وقال بذلك أيضاً العلامة ابن حزم في موسوعته المحلى (1/174).
وجاء في كتاب “تأويل مختلف الحديث” لابن قتبية الدينوري، حيث قال في التأويل (ص: 204) : إِنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَغَيْرَ النَّبِيِّ، يَعْلَمُ أَنَّ الْبَعِيرَ تَلِدُهُ النَّاقَةُ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةٌ تَلِدُ جَمَلًا، وَلَا أَنَّ نَاقَةً تَلِدُ شَيْطَانً وَإِنَّمَا أَعْلَمَنَا أَنَّهَا فِي أَصْلِ الْخِلْقَةِ خُلِقَتْ مِنْ جِنْسٍ، خُلِقَتْ مِنْهُ الشَّيَاطِين.
أستدلوا على ذلك بما روى الحسن البصري رحمه الله عن عبد الله بن المغفل رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين. ينظر:( مسند الطيالسي 2/230، ومسند ابن الجعد ص462، ومصنف ابن أبي شيبة 1/337 ، ومسند أحمد بن حنبل 27/343 و 27/353 و34/165 و34/181، وسنن ابن ماجه ح769 ، ومسند الروياني 2/98، وصحيح ابن حبان 4/601 و12/473 ، وكامل ابن عدي 6/320 ، والمحلى 1/174).
وهذا الحديث صحيح عند المحدثين والفقهاء، ويحتجون به على كراهة أو تحريم الصلاة في مبارك الإبل ، وبه استدل الجمهور على أن الإبل مخلوقة من الشياطين، وأوّله بعضهم بأن المقصود هو أن الشياطين لا تفارق الإبل، وأن مباركها مأوى لها.
إلا أن لفظ جملة (خلقت من الشياطين) يفسد هذا التأويل لأنه صريح في كونها من جنس الشياطين خلقت، وهو رأي أكثر العلماء من الفقهاء والمحدثين.
الرأي الثاني: رفض كثير من العلماء الاعتقاد بأن الإبل متخلقة من شياطين الجن، وفسروا خرافة الحسن عن ابن مغفل بأن مرابض الإبل مأوى شياطين الجن لقذارتها.
الدليل على ذلك أن هذا الحديث ينقسم إلى قسمين: الجزء الأول: جملة: “صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل”: هذا القدر صحيح ثابت عن جماعة من الصحابة غير عبد الله بن المغفل، ولا مشكلة فيه، والعلة في النهي عن الصلاة في مبارك الإبل هي أنها تكون قريبة من مورد الماء، فتكون وسخة قذرة، وأرضيتها طينية مؤذية، فتتجمع فيها الجراثيم والأوساخ .
ثم إن الإبل شديدة النفور، قوية الحركة سريعة الهياج، فالصلاة فيها تعرض المصلي لأخطار العض أو الركل … وربما ورد قطيع للشرب فعفس المصلي ووطأه فقتله؛ فالنهي راجع إلى وجود الجراثيم والأوساخ من جهة، ولاحتمال التّأذّي البدني من ناحية.
الجزء الثاني: جملة: ( فإنها خلقت من الشياطين )، تفسير خرافي أدرجه سيدنا عبد الله بن المغفل في الحديث، وهو فهم ناتج عن بساطة المعرفة بأصول الأنواع الحية عند القدامى عامة والعرب خاصة، ولا يجوز لرسول الله أن ينطق بمثله لمصادمته الحقائق العلمية من جهة، ولأن التعليل النبوي للأحكام يكون وحيا ربانيا، والوحي لا يمكن أن يأتي بتفسير خرافي يصادم علم الله بمخلوقاته.
فإن الصحابي عبد الله بن المغفل ظن أن الإبل مخلوقة من الشياطين تبعا لثقافته العربية الجاهلية المصرّح بها عند ابن قتيبة، فكان يدرج فهمه في الحديث دون نسبته إلى رسول الله:
الدليل على بطلان الزيادة الخرافية:
1- مخالفة القرآن وعلم أصول الأحياء: حيث إن الله تعالى قال: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} [ سورة النور: 45]، وقال جل شأنه: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: 30].
وثبت في علم الأحياء أن الحيوانات كلها متأصلة من الماء، فتكون كلمة “الماء” في الآيتين محمولة على الماء المعروف بقرينة العلم القاطعة.
والقرآن كتاب الله، والحيوانات خلق الله، فلا يتعارض كلامه مع خلقه، ولا ينقض النبي كلام الله أو حقائق خلقه.
2- يستحيل أن تكون الإبل متخلّقة من الشياطين ثم يجعلها الله طعاما لنا ونسكا وأضحية، ويمتَنُّ بها علينا في كتابه الكريم، ويمدحها في سورة الغاشية، فإن في ذلك تشريفا للشياطين وتعظيما لا تستحقه بحال.
3- مخالفة السنة العملية المتواترة، فقد كان رسول الله يصلّي فوق الإبل، ويصلّي إليها، أي يجعلها بينه وبين القبلة، وكان يخطب عليها في الحج والعمرة والجهاد، فكيف ينهى عن الصلاة في مباركها؟ وكيف تكون متأصلة من الشياطين؟
الراجح: هو ما ذهب إليه أصحاب القول الثاني، وإن رسول الله مبرأ من قوله عن الإبل: “فإنها خلقت من الشياطين”، وهي فكرة خرافية فسّر بها الصحابي ابن المغفل النهي النبوي عن الصلاة في مبارك الإبل، وكما يجب على علماء العصر توضيح حقيقة تلك الخرافة للناس نظرا لسهولة الوصول إلى الحقائق العلمية المؤيدة بنص القرآن الكريم، وحتى لا يستغلها الملحدون والمستشرقون وأعداء الإسلام للطعن في ثوابت الدين الاسلامي.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.