الإحترام … أساس الحب وماء المودة
دكتور/ عادل المراغي
يعرف الاحترام بأنه قيمة إنسانية عامّة اهتمت بها البشرية، وأعطاها الإسلام مكانةً كبيرة، حيث جعلها تشمل العلاقات التي تربط المسلمين بغيرهم، كما شملت العلاقات الاجتماعية، والمجتمع، ويقوم احترام الإنسان على احترام حقوقه المعنوية، مثل كرامته، وحريته، واختياره لديانته.
ولا يخفى على أحد ما تحقق للناس من تمدن وتحضر واستقرار وتعليم ورفاهية، مما يستوجب الحمد لله والثناء عليه.
لكن من المهم ألا ننسى أن لدينا شواهد كثيرة على أن التنمر وما يصحبه من ظلم وبغي وجفاء، أشبه بفيروس كورونا الكامن كي نحمي مجتمعاتنا من الانحطاط والعدوان.
إن الله – تعالى – وجهنا إلى شيء عظيم، يرسخ فضيلة الاحترام حيث قال: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. أي خاطبوهم بالكلام الطيب، وألينوا لهم جانباً، ولاطفوهم، وناصحوهم بما يصلح شأنهم.
التطبيق العملي للاحترام في حياة النبي
طبق النبي صلى الله عليه وسلم قيمة الاحترام مع جميع أطياف المجتمع شيبا وشبابا شيوخا واطفالا ومايدل علي احترامه للأطفال ماورد عن عن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه: (أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بشرابٍ فشَرِبَ منه، وعن يمينِه غلامٌ، وعن يسارِه الأشياخُ، فقال للغلامِ: أَتَأْذَنُ لي أن أُعْطِيَ هؤلاءِ؟ فقال الغلامُ: واللهِ، يا رسولَ اللهِ، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحدًا. قال: فتَلَه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في يدِه) [صحيح البخاري] ومن صور احترام الصغير الإهتمام به، ممّا يدل على الحرص على مشاعرهم واحترامهم، بالإضافة لزيادة شعورهم بالثقة بأنفسهم، وكرامتهم، كما أنّه سيبني معاني الرجولة لدى الفتيان منهم، ممّا سيمنعهم عن ارتكاب الأخطاء
و خُلُق الاحترام من أكثر القيم الأخلاقية الّتي نعاني جميعًا من نقصانها في مجتمعاتنا المعاصرة، فالأخلاق تزرع في الأساس لدى الأطفال ثمّ يجني ثمارها في الكبر، وإنّ تعليم الطفل صفة الاحترام وقيمتها من الأمور المهمّة الّتي يجب إحاطتها بالرعاية المستمرة، وترسيخها عند الأطفال يكون في السنوات الأولي من عمره
قال صالح بن عبد القدوس :
قد ينفع الأدب الأطفال في صغرٍ
وليس ينفعهم من بعده أدب
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين ولو قومته الخشب
فالطفل الّذي ينشأ على صفة الاحترام منذ الصغر يكون عضوًا صالحًا في المجتمع، وقائدًا أفضل في المستقبل،
قال أبو العلاء المعري
وينشَأُ ناشِئُ الفِتيان منَّا
على ما كانَ عوَّدَه أبُوه
ومن المؤسف أننا نلاحظ في مجتمعاتنا اليوم أنّ كثيرًا من النّاس يسيء الأدب مع الآخرين، لا يحترم امرأة أو شيخًا أو طفلاً صغيرًا ولا حتي والديه
فنحتاج الي غرس ثقافة الاحترام في الأطفال حتي ينشأوا علي احترام وتقدير والديهم ومعلميهم وكبار السن وزملائهم وذوي الهيئات والوجاهة وقد انزل النبي صلى الله عليه وسلم الناس منازلهم وأعطي كل شخص حقه
قال تعالي (ولا تبخسوا الناس أشياءهم )
وأشياء الناس إما حسية مالية وإما معنوية وهي التقدير والاحترام
وكلما درج الناس في سلم الحضارة ومراقي المجد توقعوا من بعضهم احتراماً أكبر ولطفاً أعظم، ولهذا فإن علينا جميعاً أن ندقق في إختيار كلماتنا في تعبيراتنا وتصرفاتنا؛ حتى لا يؤذي بعضنا بعضاً من غير قصد.
والقاعدة الذهبية في هذا هي أن نخاطب الناس بالأسلوب الذي نحب أن يخاطبونا به، ولو أننا عملنا بهذه القاعدة لتخلصنا من كثير من مشكلاتنا الاجتماعية، وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم: [لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه].
والناس بفطرتهم جبلوا علي حب من يعترف بهم، ويقدرهم، ويثني عليهم، ويحفزهم ويهتم بهم، وقد قال أحدهم: (من الأساطير المتداولة: مكتوب على جبين كل إنسان: “أرجوك أعرني اهتمامك، ولا تمر بي غير آبه”).
ومن وسائل الاحترام والتقدير إلقاء السلام على من نلقاه في طريقنا، والتبسم في وجهه، وسؤاله عن حاله، والاعتذار إليه عند الخطأ، والمسارعة إلى مساعدته في ساعة ضيق أو كرب، والثناء على أعماله الحسنة… كل ذلك من الأمور التي تعبر عن الاحترام والاهتمام ،
ومن اخطر السوكيات التي تتنافي مع الاحترام التكبر والغرور ،وقد أحسن من قال: إن المتكبر مثل الصاعد في الجبل، يرى الناس صغاراً، ويرونه صغيراً!
ومثــل المعجـب فـي إعجـــابه .. مثل الواقف في رأس الجبل
يبصر الناس صغارا وهو في .. أعين الناس صغيرا لم يزل.
ونحن جمعياً في حاجة إلى أن ننمي في نفوسنا مشاعر (الاستحياء من الذات)؛ لأننا حينئذ سنقوم باحترام الناس وتقديرهم؛ وعلى رأسهم الأبوان والمعلمون وكبار السن، والزوجة ومن لهم أيادٍ بيضاء في خدمة الناس والإحسان إليهم، وفي خدمة البلاد ورفعة شأنها، وقد قال صلى الله عليه وسلم: [ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا قدره].
وقال: [إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه، ولا الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط].
و من أراد أن يكون محترماً ومحبوبا فليعامل الناس على أساس الاحترام ؛ لأن الشخص المهذب اللطيف الكريم، لا يستطيع أن يتلون في سلوكه، ولا أن يلقى الناس بوجوه متعددة، إنه يكرم الجميع، ويصبر على الجميع، ويحاول فهم الجميع، ويعمل على مساعدة الجميع، ولهذا فإنه محترم ومقدر من قبل الجميع.
و احترام الناس يعني احترام اجتهاداتهم واختياراتهم وأذواقهم، ما دام ذلك في إطار المباح والمشروع.
ومما يدل علي الاحترام اختيار الكلمات وانتقاء الألفاظ.
والإحْتِرَآمْ لآ يَدُلّ عَلَـى الحُبْ إنّمَـآ يَدُلّ عَلَـى حُسْنِ التّرْبيَةْ. فاحْتَرِمْ حَتى لَوْ لَمْ تُحِبْ،و احترام الآخرين واحترام مشاعرهم هو في حقيقة الأمر احترام لذاتك ،فالعقل الواعي هو القادر على الاحترام
ومن الأمور المركوزة في الفطرة أن الجميع يحب أن يشعر بالتقدير ممن حوله على ما يقدمه لهم وليس بالشرط أن يكون التقدير عن طريق رد الجميل المقدم لهم ولكنه يمكن أن يكون بكلمات يعبرون بها عن مدى تقديرهم لما فعله ذلك الشخص لهم فهنا يشعر هذا الشخص أن هؤلاء الأشخاص حقا يحترمونه ويقدرونه فزادوا رفعة في عينيه ويسعى إلى فعل ال مززكثير من أجل إرضائهم .
وحيثما وجد الاحترام وجد الحب واذا غاب الاحترام فلاحب ولازواج ولا قرابة ولا صداقة وأصبحت الحياة صحراء جرداء لا زرع فيها ولا ماء.