الإسراء والمعراج معلوماً من الدين بالضرورة

الإسراء والمعراج معلوماً من الدين بالضرورة

بقلم فضيلة الشيخ أحمد على تركى مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف

 الإسراء والمعراج

https://www.elmshaher.com/

سمعنا منذ أيام من أنكر رحلة الإسراء والمعراج ويسمى نفسه مفكرا ولكنه في حقيقته متنكباً متنكراً لأمر الدين، ينكر حقائقه ويجحد ثوابته، وقد تقرأ لمن يزعم أنه عقلاني ولكنه أهوائيٌّ يتبع أهواءه فيرفض المحجّة البيضاء باسم العقل ويطعن بفرائض الله باسم التفكير الحر.

بدايةً ننقل أقوال العلماء فيمن أنكر معلوما ً من الدين بالضرورة.

قال الإمام الشافعي فى مختصر اختلاف العلماء للجصَّاص

مَنْ ذَكَرَ كتابَ الله ، أو محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو دِينَ الله بما لا ينبغي ، فقد نقض عهده ، وأُحِلَّ دمُه ، وبرئت منه ذمَّةُ الله عزَّ وجلَّ وذمَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

قال ابن فرحون المالكي فى تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام :

ومَنْ استخفَّ بالقرآن أو بشيء منه أو جَحَده ، أو حرفاً منه أو كذَّب بشيء منه ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شكَّ في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع أهل العلم .

قال الإمام ابن حزم الظاهري فى الفصل في الملل والأهواء والنحل :

صَحَّ بِالنَّصِّ أَن كل من اسْتَهْزَأَ بِاللَّه تَعَالَى ، أَو بِملك من الْمَلَائِكَة ، أَو بِنَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ، أَو بِآيَة من الْقُرْآن ، أَو بفريضة من فَرَائض الدّين بعد بُلُوغ الْحجَّة إِلَيْهِ فَهُوَ كَافِر .

قال أبو حامد الغزالي فى إحياء علوم الدين

” وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ : الِاسْتِهَانَةُ ، وَالتَّحْقِيرُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ “.

نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة ، قد جاءتنا بأمور من الدين تحدثت عنها وبينتها وشرعتها وأخبرت بها ونقلت أحكامها في عديد من النصوص والمواضع ؛ حتى أصبح أمرها معلوما من الدين بالضرورة، وموقعها في الشرع مشهورا شهرة الشمس في الكون وأطبق العلماء على القول بها وتقريرها وتأكيدها دونما نزاع بينهم ولا اختلاف وهو ما بات يعرف في شريعتنا وعند علماء الأمة بالمعلوم من الدين بالضرورة.

والمعلوم من الدين بالضرورة ما كان ظاهراً متواتراً من أحكام الدين معلوماً عند الخاص والعام مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب كالصلاة والزكاة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة مثل الربا والخمر وغيرهما .

ومع ذلك نجد من ينكر هذا المعلوم من الدين بالضرورة بسبب جهله أو لأسباب خاصة به لحقيقة المعلوم من الدين بالضرورة .

والمنكر للمعلوم من الدين بالضرورة هو الذي يجحد ولا يقرّ ولا يعترف ولا يقبل بأمور الدين الظاهرة المتواترة المعلومةً عند عامة المسلمين مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب الصلاة وحرمة الربا.

ومن هنا كان هذا الإنكار للمعلوم من الدين بالضرورة خروجا من الملة قولا واحدا عند جميع علماء المسلمين ، فهل يعقل أن نقبل من مسلم إنكاره للصلوات الخمس وإنكاره للحج في سبيل الله وقوله بأنه ليس من شرائع الإسلام ؟

يقول النووي : “من جحد مجمعاً عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر”.

ذاك الحكم فيمن أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، أما ما كان فيه الخلاف بين العلماء أو إجماعه غير ظاهر وليس في المتواتر ؛ فلا يكفر صاحبه .

وإنكار المعلوم من الدين له صور وأمثلة عدة نذكر منها مثلاً الإسراء والمعراج وقد وردت سورتان سميت أحدهما بسورة الإسراء وتؤكد حقيقة الإسراء وسورة أخرى تؤكد حقيقة المعراج وسميت بسورة النجم .

إن علماء الأمة لما بينوا حكم هذا المنكر للمعلوم من الدين بالضرورة هم بذلك يحفظون هذا الدين من أولئك المتزندقة الذين يرومون الفساد والإفساد في مجتمعاتنا المسلمة .

على أن علماءنا قد أصدروا حكمهم هذا في حق من يعلم أمر هذا الدين ولا يجهله ومن يعيش بين المسلمين وقد عرف أمور الدين العامة الظاهرة .

فهذا الحكم ليس بحق الجاهل لأمور الدين أو الذي قد دخل الإسلام من عهد قريب ولا يعرف حقائقه كلها بعد.

إن الذي ينكر معلوما من الدين بالضرورة في ميزان الشرع هو فاسق ؛ لأنه خرج عن طاعة الله الواجبة عليه من التصديق بأمر الوحي وعدم إنكار وهو كاذب لأنه كذّب بآيات الله وهو ظالم لأنه تعدى على أحكام الله الظاهرة القطعية .

قال الله تعالى :

بلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ

[العنكبوت:49].

وقال تعالى :

مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ

[الزمر:32]

إن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة هو هدم لحقائق هذا الإسلام العظيم ، هو محاولات بائسة من أولئك الحاقدين والمتكبرين للتشكيك بأمر هذا الدين وزعزعة قناعات المسلمين بثوابته وخاصة العوام منهم .

ولنا أن نسأل هؤلاء الذين ينكرون حقائق أساسية من الدين ، ما الذي تريدونه لتصدقوا بأمور الدين الظاهرة ؟

ألا تكفي عشرات الأدلة الشرعية الثابتة ، ألا يكفي أقوال جموع العلماء من الأئمة العدول الثقات في تقرير حقائق هذا الدين .
أي طريق تبغونها ؟
ألا يكفيكم ما كفى الصحابة والتابعين والعلماء عبر التاريخ الطويل للأمة.

إن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة هو من المجادلة بالباطل، هو من الطعن بصفات الله وعدله وحكمته ، هو من التكبر على الوحي وعلى مقام النبوة والعلم والعلماء .

وأي حقيقة تبقى إذا أنكرنا حقائق الوحي القطعية وجحدنا بثوابته ؟

أين الإذعان لله تعالى حينما ننكر فرائض الدين الكبرى؟

أين التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نرد ما جاءنا به من أحكام الحرام القطعية؟

أين التعظيم لشعائر الله حينما نستخف بها فنجحدها بعقولنا وألسنتنا وقلوبنا ؟

فإياك تسمع لمن يسمِّي نفسه مفكرا ولكنه في حقيقته متنكباً متنكراً لأمر الدين، ينكر حقائقه ويجحد ثوابته، وقد تقرأ لمن يزعم أنه عقلاني ولكنه أهوائيٌّ يتبع أهواءه فيرفض المحجّة البيضاء باسم العقل ويطعن بفرائض الله باسم التفكير الحر .

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.