الإمام والمفكر.. لا مجال للخلاف.. بقلم/ مديحه عاشور
جاءت مداخلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، عقب حديث رئيس جامعة القاهرة وأستاذ الفلسفة الدكتور محمد عثمان الخشت،
خلال مؤتمر “الأزهر لتجديد الخطاب الدينى”، الذى عقد مؤخرًا، لتضيف مزيجًا ثريا نافعا خالصا لصالح البلاد والعباد،
بين قامتين كبيرتين فى الفكر والدين، خاصة أن الخلاف فى الرأى لن يفسد الود بينهم. ما استمعت له من أستاذى و معلم الأجيال دكتور عثمان
كان حوارا وخطابا للعقول كما اعتدنا منه، كانت أفكاره منطقية ومرتبة، حين أكد أنه لا يمكن تأسيس خطاب ديني جديد بدون تكوين عقلية جديدة ولغة جديدة،
وبيان الجانب البشري وتمييزه عن الجانب الإلهي، فهناك الجانب الديني الثابت الذي يرجع إلى الله وحده، والجانب البشري الذي يعكس إدراك البشر ومحاولاتهم البشرية لفهم آيات الله ،
فالإلهي ثابت، أما الخطاب الديني فهو متغير بتغير عوامل متعددة. وبعد أن أكد دكتور الخشت، أن الخطاب الديني الجديد لن يتحقق بالصورة المثلى إلا
من خلال تجديد الخطاب الديني، ولكن من رؤية مخالفة للرؤية التقليدية التي اعتاد على اتباعها الازهر. لكن هذه الكلمات الصائبة وهذا الوعى من الدكتور الخشت،
قوبل بمحاولات لايقاع الفتنة بينهما، خاصة من أولئك الذين ضجوا القاعة بالتصفيق بعد كل جملة يرددها الإمام، وكأنهم اجتمعوا فى مشاجرة وتصفيقهم
هو وقوف إلى الجانب الذى يتبعوه، وكأنها معركة وليس حوارا. فخرجت الجلسة، وكأنها تقول لمن يحاولا التجديد أو التفكير: لا تفعل، وأنه يجب أن نكف
أيدينا عن تراث الأقدمين، الذى يعتبره البعض مقدسا لا يجوز المساس به أو التجديد فيه. وأصبح المطلوب منا أن نسير وعيوننا متعلقة صوب الخلف،
وأن نستلهم الماضي في كل خطواتنا وأعمالنا. يتطابق هذا السجال مع ما درسناه فى قسم الفلسفة عن القضية التي تناولها الفيلسوف العربي ابن رشد
منذ ما يزيد عن ثمانية قرون في كتابه “فصل المقال في ما بين الشريعة والحكمة من اتصال” فى ذلك الزمن البعيد أدرك ابن رشد ما لم يدركه رجال الدين
فى زماننا بشأن هاتين القضيتين. فقد أكد على ضرورة نقد التراث بأن ننظر فى كتب السلف ، فإن كانت كلها صوابا قبلناها منهم، وإن كان فيها
ما ليس بصواب نبهنا عليه. وكان رأي شيخ الأزهر،و من وراءه من المهللين، أن لا داعي للتجديد، فلا يجوز المساس بالتراث،
فكانوا أقل جرأة من ابن رشد، وأقل يقينا من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه – عندما عطل العمل بالحدود فى عام الرمادة. لا أقصد هنا بالطبع كل رجال الدين،
فقد عرفنا في تاريخنا الكثير من الرجال الذين لديهم الجرأة وإيثار صالح المؤمنين عن المصالح الشخصية، أولئك الذين قادوا حركة التطوير والتحديث.
و فى تقديرى أن كلمة رئيس جامعة القاهرة قد اصابت هدفها، حين أسس لحقيقة هامة، يستوعبها كل ذى فكر، وهى ضرورة تغيير طرق التفكير،
وتجديد علم أصول الدين، وإضافة علوم جديدة اخرى. تمنيت أن يخرج الحوار عاكسا أن نقاط الاتفاق بين فضيلة الإمام ورئيس جامعة القاهرة أعظم من نقاط الاختلاف،
وأن ما بينهما كان اختلافا فى الرأى، وليس خلافا فى الأصول والثوابت، وأن مصلحة الوطن فوق مصلحة الجماعة.