الافلام الدينية في السينما المصرية..عدد قليل وفقر فني وإنتاجي

الافلام الدينية في السينما المصرية تتواجد بعدد قليل و يتم عرضها في المناسبات الدينية المختلفة كذكري مولد النبي محمد ورأس السنة الهجرية، حيث تقوم القنوات التلفزيونية بعرض عدد من الافلام التاريخية الدينية التي تسجد بداية الدعوة الإسلامية وهجرة الرسول او سيرة الصحابة وتميزت تلك الأفلام بقلة العدد من ناحية وبتواضع المستوي الفنى من ناحية أخرى، حيث لا يقبل المنتجون علي هذه النوعية من الافلام لعدم تحقيقها الربح التجاري في دور العرض، وتوقف إنتاجها منذ اخر فيلم تاريخي هو فيلم الرسالة في منتصف السبعينيات.

فيلم ظهور الإسلام

الأفلام الدينية فقيرة فنيا وإنتاجيا

ورغم قلة عدد الافلام الدينية في السينما المصرية،فانها اتسمت بقدر كبير من التواضع في عدد من العناصر الاساسية في العمل الفني، سواء فى ميزانية الإنتاج أو التقنيات السينمائية وضعف شديد فى التناول، ويظهر ذلك جليا في مشاهد المعارك الحربية، وإستخدام النمطية الشديدة فى تناول الأحداث، ودرجة عالية من التقليدية بحيث أن المُشاهد لتلك الأفلام قد لا يستطيع التفرقة بينهم،بسبب التشابه وتكرار نفس الأسلوب السينمائى فى المعالجة، ويمكن إستثناء عمل وحيد فقط وهو فيلم الرسالة انتاج 1976 من إخراج الفنان السوري مصطفي العقاد بنسختين، واحدة انجليزية بطولة النجم العالمي «أنتوني كوين» ونسخة عربية من بطولة النجم المصري عبد الله غيث، حيث تم إستخدام نفس أماكن التصوير والديكور. وقام بكتابة سيناريو النسخة العربية توفيق الحكيم وعبد الحميد جودة السحار وعبد الرحمن الشرقاوى.

المخرج مصطفي العقاد مع النجم انتوني كوين وعبد الله غيث

وواجه الفيلم معارضة عنيفة وإنتقادات كبيرة بسبب تجسيد شخصية حمزة بن عبد المطلب عم النبى محمد صلى الله عليه وسلم وظل لسنوات غير مسموح بعرضه فى مصر الي ان قامت بعض القنوات الفضائية بعرضه فى السنوات القليلة الأخيرة.

أسباب قلة عدد الافلام الدينية

وهناك عدد من الاسباب التي تفسر قلة الأفلام التاريخية الدينية التى تناولت مسيرة الإسلام فى سنواته الاولى، من بعض تلك الاسباب ،المحاذيرة الرقابية التى فرضتها المؤسسات الدينية وفى مقدمتها الأزهر، على تلك النوعية من الأعمال وضرورة إجازة الأزهر للنصوص قبل تصويرها، حيث لا تسمح محاذير الازهر بتجسيد الانبياء او صحابة الرسول.

وقد قدمت السينما المصرية مبكرا عددا من الافلام الدينية لم تلاقي النجاح الجماهيري أو البقاء في دور العرض، لأسباب إنتاجية أو للإعتراض على العمل كما حدث مع المخرج إبراهيم عز الدين عندما تعرض لمضايقات شديدة بسبب رغبته فى تحويل قصة الدكتور طه حسين «الوعد الحق» إلى فيلم عنوانه «ظهور الاسلام»،وتمكن المخرج من إعادة صيغة السيناريو حتي يستطيع إخراجه للنور، وإنتج العمل بالفعل وبشروط شديدة التعقيد أثرت على جودته.

الافلام الدينية في السينما المصرية

وربما كان لتوقيت غير الملائم لعرض بعض الأفلام السبب في عدم تحقيقها عائد مادي او نجاح جماهيري ، كما حدث مع فيلم «إنتصار الإسلام » من إخراج «أحمد الطوخى» وانتاج عام 1952 فى نفس توقيت إندلاع ثورة يوليو، كما قدم نفس المخرج فيلم «بلال مؤذن الرسول» عام 1953 بطولة الراحل يحيي شاهين. وفى عام 1957 قدم الطوخى أيضا فيلم «بيت الله الحرام» والذى تناول قصة أبرهة الحبشى ومحاولة هدم الكعبة.

ماجدة وايهاب نافع في فيلم هجرة الرسول

وفى عام 1964 قدمت الفنانة ماجدة فيلم «هجرة الرسول» من اخراج ابراهيم عمارة و شارك معها في البطولة بيحيى شاهين وإيهاب نافع، وشارك في تأليفه حسين حلمى المهندس وعبدالمنعم شميس، وأستعرض الفيلم الحياة في شبه الجزيرة العربية، ويوضح الفوضى التي كانت تعيش فيه القبائل العربية، ويتناول الفيلم بداية ميلاد الإسلام في مكه، وحياة اهل مكة قبل ظهور الاسلام وبداية نشر الدعوة ومظاهر التعذيب للضعفاء والعبيد والجواري الذين دخلوا في الاسلام حتي هجرة الرسول الي يثرب

وبعدها بسنوات وفي سنة 1969 كتب الاديب نجيب محفوظ سيناريو فيلم «الله أكبر» من اخراج ابراهيم السيد وبطولة عبد الوارث عسر وزهرة العلا، لكنه لم يحقق أى نجاح جماهيرى يذكر.

فيلم الله اكبر

وفى عام 1970عاودت الفنانة ماجدة تقديم فيلم تاريخي ديني من إنتاجها وهو فيلم «من عظماء الاسلام» والذى تناول سيرة الخلفاء الراشدين «أبو بكر وعمر وعثمان وعلي» وكتب سيناريو الفليم «ظافر الصابونى» وأخرجه نيازى مصطفى وقام ببطولته نادية رشاد وحسن عابدين وأنور اسماعيل، ولم يحقق الفيلم نجاحا جماهيريا واسعا وكثير من الأجيال الجديدة ربما لا يعلم عنه شيئا.

فيلم من عظماء الاسلام

وفي العام التالي أي في عام 1971 يخوض صلاح أبو سيف تجربة الأعمال الدينية التاريخية فيقدم فيلم «فجر الاسلام» الذى كتبه عبد الحميد جودة السحار وقام ببطولته محمود مرسى وسميحة أيوب ويحيى شاهين،وتتناول قصة الفيلم حياة الحارث، زعيم أحد القبائل العربية التي تعيش على سلب ونهب القوافل التجارية، والذي يرسل ابنه للثأر لعمه الذي قتله أحد الأشخاص، فيذهب ابنه إلى مكه ويعود مسلمًا، ويدور بينهما صراع ينتهى بإعتناق القبيلة بالكامل للإسلام، بعد إيمانهم بتعاليم الدين السمح، وهنا لا يمكن فصل تجربة أبو سيف عن سياق ما تم تقديمه من أفلام دينية حيث أن العمل رغم الجهد الكبير ونجاحه الجماهيرى النسبى إلا أنه أصابه ما أصاب غيره من أعمال دينية من عيوب النمطية والمبالغة فى الأداء، وضعف السيطرة على «المجاميع الحركية» وإخراج المعارك.

محمود مرسي و سميحة ايوب في فيلم فجر الاسلام

وفى عام 1972، قدم المخرج حسام الدين مصطفى فيلم «الشيماء» عن رواية «على أحمد باكثير» و قام بالمعالجة السينمائية عبد السلام موسى وبطولة أحمد مظهر وسميرة أحمد وتوفيق الدقن وعبد الله غيث وأمينة رزق، ويروي العمل قصة «الشيماء» شقيقة الرسول صلي الله عليه وسلم فى الرضاعة. ولعل أبرز ما الفيلم ما تضمنه من أغنيات متميزة بصوت المطربة سعاد محمد وموسيقى محمد الموجى وبليغ حمدى.

مظاهر ضعف الافلام الدينية

هناك عوامل مشتركة فى جميع الأفلام الدينية التى تناولت السنوات الأولى من الدعوة للإسلام و السنوات الأخيرة قبيل ظهور الإسلام وبداية الدعوة، وهى انها كانت تشبه بالسينما «التعليمية» أو الوثائقية التى تستخدم الشكل النمطي للدراما، مع ضألة الإنتاج رغم أن طبيعة الأعمال التاريخية تحتاج إلى ميزانيات ضخمة، وهذا ما استدركه مصطفى «العقاد» فى فيلم الرسالة. فقد ساعد الإنتاج الضخم والإستعانة بفنيين أجانب على مستوى عال فى إخراج المعارك بمستوى فنى متميز، في نجاح الفيلم بشكل كبير.

اشكال الكفار كما اظهرتها الافلام المصرية

ومن أسباب ضعف الاعمال الفنية الدينية الإستسهال فى تصوير الفوارق بين المسلمين والكفار عن طريق الملابس ولونها أو شكل الشعر واللحية، والملامح الشكلية الاخرى. فدائما يظهر الكافر أشعث أغبر، على عكس المسلم وكانت هذه إحدى وسائل التمييز بين كليهما.

توقف إنتاج الاعمال الدينية

وتوقف السينما المصرية عن عن تقديم تلك النوعية من الأعمال منذ عقود طويلة،لعدة أسباب منها القيود المفروضة على هذه الأعمال والتى فى حال إجازتها تجعل منها تكرارا لما تم تقديمه من قبل، كما تخلت الدولة تماما عن دعم الإنتاج السينمائى ، منذ آنتهاء دور مؤسسة السينما التابعة للدولة في إنتاج الافلام السينمائية منذ عام 1971، وخوف المنتجين من عدم تحقيق العائد التجاري لإنتاج تلك الأفلام. كما أن التراجع الكبير فى تقديم أعمال تاريخية بشكل عام، خاصة تلك التى تُقدم باللغة العربية الفصحى على شاشات السينما، كان أحد عوامل إختفاء ما يمكن تسميته «بالافلام الدينية»

✍️ احمد علي

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.