البحث عن الذات

كتبت نسرين يسرى

البحث عن الذات الهروب منها تلك هذه الكلمات التى تشغل الكثير منا ولكن لقد تعلمت من الدكتور طارق رزق حب الذات الذى لم يكن فى الحسبان ان احب ذاتى لقد استفدت كثيرا من علمه واتعلمت منه حب الذات …
ولكن سؤال يطرح نفسه هل من الحكمة أن نهرب دائما وابدا عن كل ألم ومعاناة وهل من العقل أن يكون مجرد الابتعاد عن المعذبات والمؤلمات حلا سحريا نلجأ اليه بلا تردد كلما ألقت الحياة فى طريقتا عذابا أو حزنا او قلقا أو لوعة أو حسرة… وحتى إن فعلنا ذلك فهو هروب من اشياء خارجة عنك منفصلة عن وجودك يمكنك تركها في أي وقت وترحل بعيدا ولكن ماذا نفعل مع ذواتنا وانفسنا وهى معنا فى كل وقت وحال حتى فى نومنا هى معنا تسبح فى بحر الرؤى والتخيلات…ان الهروب من النفس ممكن ولكنه مدمر فى اغلب الاحوال ولا يوجد ما هو اعقد واكثر من حيل النفس فى الهروب والنسيان… فمن الناس من يهرب الى عالم اللذة الحسية يتسلى بها عن الامه ومنهم من يهرب الى عالم الخيال والتوهم فيعيش فى عالم اخر يخلقه بنفسه بعيدا عن عالمنا الوحشى الذى يحطم رغباتنا وامالنا ومن الناس من يهرب الى عالم الجمال والجلال وينشغل بهما حسا وعقلا وهذا هو دأب الفلاسفة فى الغالب ومن الناس من يهرب من نفسه بخلق مشكلة جديدة يشغل بها نفسه عن مشكلته الجوهرية وهذا هروب من الم الى الم اخر ولكن هذا الاخر اخف على النفس ومن الناس من يهرب من نفسه بأن يهب حياته لرسالة نبيلة او قضية سامية يستميت فى الدفاع عنها ومن الناس من يهرب من نفسه بأن يكون شخصا اخر فتتحول كل صفة وخصلة فيه الى ضدها…ان الهروب حل سهل بل ان النفس تميل اليه فى الغالب وتفضله على المواجهة التى يلزمها نوع من المرارة والمعاناة ولكن الشفاء فى الدواء المر والطعم البشع فعلينا ان كنا عقلاء ان نواجه انفسنا لا ان نهرب منها ومواجهتا تبدأ بمعرفتها فما اخطأ من قال (اعرف نفسك) لان معرفتك بنفسك معناها ان تعرف ما يتحكم فى افكارك ومشاعرك ومعرفة الضرورة الطبيعية التى تسوقك بلا وعى منك نحو فكرة بعينها او شعور بعينه ولو عرفنا هذا لتخلصنا من كل الم ومعاناة وبدون ان نخسر انفسنا او نهرب منها لان الهروب مشكلة جديدة تحتاج الى هروب جديد وهذا بدوره يحتاج الى هروب جديد ولن تتوقف النفس عن الهروب ابدا وستكون حياتك وقتها سلسلة متواليه من الهروبات والنكسات والفجعات…فان اردت ان تتقى كل هذا العناء فواجه نفسك واعرف طبيعتها فان كان هذا مؤلما فهو الم واحد لن تقابله الا فى بداية معرفتك بنفسك فقط فان احتملته فلا الم بعدها ولا معاناة اما ان اتبعت ميل النفس فى الهروب فستجد راحة يعقبها الم ثم راحة يعقبها الم وهكذا بلا انقطاع…فكن عاقلا ولا تتبع هوى النفس وميلها فان الداء فيه… ولا تظن ان الامر مقتصر على معرفتك بنفسك فقط بل هذا هو البداية فقط وانما العلاج فى ترويضها وسياستها وتهذيبها تماما كما نتعامل مع الاطفال الصغار… فتربية الطفل مقصودها ان يكون نافعا لنفسه ولمجتمعه ولكن الطفل مجبول على طبع وغرائز ان تركناه لها فسد وان حاولنا نزعها منه تألم وقد يموت فكان من العقل ان نروضه ونسايسه حسب معرفتنا بطبيعته وفطرته . فنفسك مثل طفل صغير تحت ولايتك ورعايتك فيجب عليك ان تروضها لما هو خير لها ولا يكون هذا الا بمعرفتك بطبعها وغرائزها.
واخيرا فان الهروب والمواجهة فعلان للنفس لا نقول بأن احدهما افضل من الاخر فالهروب قد يكون افضل احيانا والمواجهة قد تكون افضل احيانا وذلك لان الافضل هو الاكثر نفعا او خيرا فان كان الخير فى الهروب فهو الافضل وان كان الخير فى المواجهة فهى الافضل ولكننا نطلق القول فنقول ان المواجهة افضل من الهروب ان كان هروبا من النفس لا من خطر خارج عنك لان الهروب من النفس متناقض فيجعلك تقع فى تناقض المشاعر وتمزق الوجدان … وهو متناقض (اى الهروب من النفس) لان الهارب والمهروب عنه شئ واحد فالهارب هو النفس والمهروب عنه هو النفس ولا معنى للهروب الا مفارقة الشئ والابتعاد عنه فكيف يمكنك ان تفارق نفسك وهى معك فى كل الاحوال والاوقات فهذا تناقض سيعقبه حتما حالة من الضياع والتمزق والشتات.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.