البنات بين الزواج المُبكر والزواج المُتأخر .. أيهما أفضل ؟!
البنات بين الزواج المُبكر والزواج المُتأخر .. أيهما أفضل ؟!
بقلم د.هيام عزمي النجار
تعمقت في دراسات كثيرة عن هذا المعنى، ومن خلال خبرة حياتي وجدت أن كثيراً من البنات في سن صغيرة تبدأ من مرحلة الثانوي العام تكون مُتلهفة جداً على موضوع الخطوبة والزواج، وأن تلبس دبلة الخطوبة وترتدي الفستان وعمل الفرح وهي لا تعلم أي شيئ عن مسؤلية الخطوبة والزواج، فهي لا تعلم كيف تتعامل مع خطيبها ثم زوجها؟
تربية سليمة
ولا تعلم كيف تُصبح أماً تُعلم أولادها وبناتها التربية السليمة التي من الممكن جداً أن تكون هي ذاتها مُفتقداها في حياتها التي تعيشها، فكيف تُعطي ما تفتقده لأبنائها وهي لا تملكه؟ بالإضافة إلى ذلك مشكلة الأهالى – وهنا تكمُن الخطور الكبيرة والبرمجة السلبية التي معظمنا تربينا عليها، وإنني لأتعجب وأتساءل لماذا تكون الأهالي مُتعجلين بزواج بناتهم حتى لدرجة أن البنت عندما تنتهي من مرحلة الثانوي العام نجدها تتزوج، وقد تكون مخطوبة من الصف الأول الثانوي وهذا يحدث في الواقع الفعلي في كثير من البيوت، ولاحظت أننا في المدن غلبنا وتفوقنا على ما يوجد في الأقاليم، إنني وجدت أن التعليم في المحافظات له أهمية كبيرة أكثر من محافظتي القاهرة والجيزة، وإنني لأتساءل لماذا تسعى الأهالي لإلغاء تعليم وتغيير فكر بناتهم؟
زواج مبكر
وأيضاً لماذا تسعى إلى التعجل بأمر زواج بناتهم؟ فكيف لبنت صغيرة في السن والفكر معاً أن تتحمل مسؤلية زوج وبيت وأسرة؟
وكيف تتحمل كل ذلك وهي تحتاج أصلاً إلى أن تكون مسئولة من أبيها وأمها، وللأسف يكون نتيجة ذلك أن نُخرج أطفال وأطفال منهم المشردين في الشوارع نتيجة الطلاق المُبكر، وذلك لأن البنت تكون غير جاهزة لتحمل المسؤلية الكاملة التي لا تُدركها، ولا تعرفها، ولا تعرف كيفية التعامل معها، وإنني لأتساءل أيضاً بما أن التعليم غير مُهم عند هؤلاء الأهالي فلماذا يلحقون ببناتهم من الأساس لدخولهم المدارس ويأخدوا أماكن غيرهم أولى بها ويتمناها؟
تعب وإنفاق
طالما سوف يجعلوهم يتزوجن مبكراً، فلماذا المدارس من أساسه؟ إنني ما أجده في ظاهرة الزواج المبكر أراه في البنات كثيراً وليس الأولاد، أسألكم أيها الأهالي لماذا تقضون على حياة بناتكم التي تعبتوا في تعليمهم، وتربيتهم، والإنفاق عليهم كل هذه السنوات؟
إن الزواج المبكر كارثة بكل المقاييس على الأقل إنتظروا إلى أن تصل البنت للمرحلة الجامعية، ويتم خطبتها في السنة الأخيرة أو بعد التخرج، ثم تُكمل مسيرة حياتها على أساس الفهم الصحيح لمعنى الزواج، فكيف تكون تلك البنات الصغيرات أمهات وزوجات المستقبل وهم لا يعلمون عن المستقبل وكيفية التعامل في الحياة أي شيئ؟
سنة الحياة
رجاءاً أيها الأهالي إستيقظوا وأفيقوا من غفلتكم ، ويكفينا من التخلف الفكري ما وصلنا إليه، وأيضاً يكفينا ما وصلنا إليه من مستوى الجهل وعدم التعليم الصحيح، وإعلموا أن الزواج قبل أن يكون سنة الحياة، فالله أمرنا جميعاً أن نعيش الحياة بمراحلها المختلفة لأن كل مرحلة بها فوائد عديدة وله في ذلك ، فلابد أن تُدركوا وتعرفوا معنى الحياة بمعناها العام، والحياة بمعناها الخاص، أي تعرفوا لماذا خلقنا الله عز وجل؟ وما هو المفروض علينا أن نتبعه ونفعله؟ وأما عن الحياة الخاصة لابد وأن تعرفوا- كيف تعيشوا بطريقة متزنة؟ وكيف تعيشوا حياتكما العائلية، والشخصية، والمهنية، والإجتماعية، والمادية، والروحانية بطريقة يرضى عنها الله وترضوا بها عن أنفسكم؟ وبعد أن تعرفوا كل هذه المعاني تبدأوا تفكروا بالأمر- وتسألوا أنفسكم – لكل أب وكل أم – هل تستطيع إبنتي تحمل الحياة الزوجية والعائلية بكل ما فيها؟ في الواقع إني ما أراه هو حدوث الزواج فقط، وليس من المهم ما قبله وما بعده، والذي يحدث بعد ذلك كوارث منها المشاكل مع أهل الزوج، ومنها عدم إتباع تعليمات الزوج، ومنها عدم معرفة المعاملة الصحيحة مع الزوج والتكيف معه، وبالتالي ينتج أطفال مُشردة ليس لهم أب يحميهم، ولا أم ترعاهم لأنها في الأساس غير مسئولة، ولا تعرف معنى المسؤلية الحقيقية ، ويرجع عدم المعرفة هنا – إلى البرمجة السلبية السابقة التي برمجوها الأهالي لبناتهم وأولادهم دون أن يدروا أنها خاطئة لحياتهم جميعاً، ويرجع ذلك أيضاً إلى إصرار الأهالي على التحكم في إتمام الزواج المُبكر بأي شكل بناءاً على وجهة نظرهم هم الخاطئة.
مبالغة الأهل
وعلى النقيض الآخر نجد ظاهرة الزواج المتأخر والعنوسة – ياترى ما السبب في ذلك؟ يرجع السبب أيضاً في مسألة تأخر البنات في الزواج إلى الأهل وشروطهم المُبالغ فيها، وقد تصل سن البنت إلى 45 سنة وأكثر، فالأهل هنا يتعاملون على أن إبنتهم مجرد بضاعة يتم بيعها بسعر مُبالغ فيه، أي شخص يدفع الأكثر فهو الذي يحوز ويحصل على إبنتهم، وكأن هذه الإبنة ليست بشر لها رأيها وفكرها ووضعها، فالأهالي يُطالبون الشباب بما يفوق طاقتهم وأكثر مما يحتملون، تعالوا نسأل أنفسنا كيف للشاب أن يُجهز شقة تمليك أو شقة إيجار قديم بخلو أو شقة إيجار جديد؟ وعلى أسوأ الظروف لو قلنا شقة إيجار جديد أتعلمون أقل إيجار يُقدر ما بين 500-600 جنيه شهرياً، وقد يكون على غير المستوى البيئي المطلوب – لكن الشاب إجتهد وكافح لتكوينه، وبعد ذلك مطلوب من الشاب أيضاً تجهيز الشقة بالأثاث والقائمة والمؤخر، وأحياناً نجد بعض الأهالي يشترطون على الشاب حتى يُتمم الزواج كتابة وصل أمانة على نفسه، فبأي منطق هذا تتعامل الأهالي مع الشباب؟ كل بيت وكل أسرة لديهم ولد وبنت- لابد أن يُراعو ظروف الشباب، إنهم يُجاهدوا ويُكافحوا ليُتمموا الزواج ويستقروا، فلا داعي لإستنفزاهم بطلبات غير مقبولة لا أدبياً، ولا أخلاقياً، ولا عملياً، ولا إجتماعياً، ولا شخصياً، ولا دينياً، رجاءاً أيها الأهالي إتقوا الله في الشباب الذين يتقدمون لبناتكم، وأن تكون الطلبات لإتمام الزواج بسيطة جداً في حدود المعقول لا طلبات إستنزاف ولا طمع في الشخص المتقدم لإبنتك، لأنك لو فكرت بطريقة صحيحة أيها الأب وأيتها الأم – لوجدتم أنكم تُعطيه أغلى ما عندكم وهي قطعة منكم وهي إبنتكم، وعند حدوث الطلاق والخراب لا قدر الله وقتها لا شيئ يُفيد من كل هذا، وليس هذا الضمان للمعيشة المُطمئنة في الحياة لإبنتكم، إنما الضمان الحقيقي أن تُعطي إبنتك لرجل يتقي الله فيها، ويعاملها معاملة الإسلام بالحسنى، والمعيشة الراضية بحب في الله، ويحميها ويتولى أمرها لأنها سوف تكون مسئولة منه، ويكون أقرب لها من أهلها، ويكون لها كل شيئ – الزوج والحبيب، والأخ والصديق، والأب والإبن، هذا هو المفروض أن يحدث، ودعني أسألك سؤال هام جداً أيها الأب – لو كتبت لإبنتك أملاك كثيرة، وضمنت حقوقها وجاء الموت المفاجئ لها! وهذا من الممكن أن يحدث فماذا يكون مكسبك لحظتها؟ للأسف تكون خسارتك في جزء من حياتك كبير جداً وهو أنك فقدت جزء منك إلى الأبد ولم ينفعها أي شيئ أو أي ضمان لأنها ذهبت بلا رجعة؟ ولو إفترضنا أن حدث لها أي مكروه – فماذا تستفاد أيضاً من الذي ضمنته لها؟ هل تريد لها رجل يُسعدها أم رجل يجعلها تكره الحياة بما فيها؟ ويجعلها بالنهاية تتنازل عن كل شيئ في مقابل أن تتخلص من حياتها معه، أيها الأهالي فكروا جيداً في مستقبل بناتكم، ويكون عنصر إختياركم الأول والتركيز عليه – هو رجل يتقي الله وذو أخلاق عالية، ليس من المهم أن يكون حافظاً للقرآن بل المهم أن يعمل بما فيه، ومتفهماً لدينه ويستوعبه جيداً، ومُتفهم لأمور الله، ويتعامل بالحسنى والمرونة مع من تتزوجه.
رسالتى للبنات
ورسالتي هنا إلى كل البنات سواء صغاراً أم كباراً – حياتكم بأيديكم ومستقبلكم بيد الله ثم أيديكم أنتم ، لا تجعلوا أهاليكم تتحكم في حياتكم وتُحدد لكم مصيركم، وإياكم أن تأخذون زوجاً لمجرد الزواج، وتلبية إحتياجات الأهل، إنما لابد من القبول لهذا الشخص، والإقتناع به أولاً مع مراعاة إختيار الأهل بجميع الجوانب بما يتناسب مع وجهة نظركم وفكركم أنتم في معاملة هذا الشخص، وإسألوا أنفسكم لو فيه قبول وتستطيعون تحمل المسؤلية، قوموا بهذه الخطوة ونفذوها، وإذا لم تكونوا على قدر المسؤلية لن تقوموا بهذه الخطوة حتى وإن كبرتم في السن، فالأفضل والأكرم أن تختاروا رجلاً تعيشوا معه العمر كله حلوا ومراً، ويكون أب فاضل لأولادكم، أفضل بكثير من فرحكتم المؤقتة بالخطوبة والزواج والإنجاب ثم بعد ذلك تندمون على حياتكم بأكملها، وتلجأون إلى الهروب من الحياة الواقعية عن طريق معاملات في الإنترنت مع رجال آخرين بإسم الوهم إنكم تبحثون عن من يفهمكم ويشعر بكم، أو عن طريق طرق غير مشروعة بخداع رجالكم، أو عن طريق الزواج بأكثر من رجل، رجل يلي الآخر، وفي النهاية المُشكلة تكمُن فيكم أنتم، وليس في الرجال الذين تختاروهم وتتزوجوا منهم.
أهمية التفاهم
أيها البنات أنتم المُسيطرون والمُتحكمون في حياتكم وليس أهلكم، ولا ترضون بأي رجل إلا إذا إقتنعتم به، وتم القبول ناحيته وطريقة التفهم بينكما، ولا تستعجلون النصيب فكل شيئ بميعاد، وإن وافقتم تحت ضغط الأهالي فلا تلومون إلا أنفسكم، لأن جيلكم يعرف أكثر ويفهم أكثر، وعنده الإختيارت الواسعة أكثر من جيل أهلكم.
كاتبة المقال
د.هيام عزمي النجار
مدربة قوة الطاقة البشرية