البُعْدُ الإقتصادى للإستثمار الثقافى فى عصر العولمة

البُعْدُ الإقتصادى للإستثمار الثقافى .. بين الباحثين عن الحرية و الباحثين عن الهُوِيَّة .. فى عصر العولمة

□ تقديم :
الحديثُ فى الثقافةِ و عنها ذو شجون و لا حَرَجَ أن أضرِبَ مثلاً بإحدى المؤسسات الثقافية الكبرى ذات الأهداف السامية و على رأسها شخصية ديناميكية مخلصة و متفانية و تضم مجموعة من الكتاب و الشعراء و المبدعين من الجنسين لكنها تكابد العراقيل و تعانى بُطْءَ السَيْرِ نحو تحقيق الأهداف بسبب نُدْرَةِ المال الركيزة الأساسية للإستثمار.

و بينما تعانى تلك المؤسسة و غيرها من ندرة المال فإنها تواجه عند محاولة توفيره الباحثين عن الحرية المطلقة من ناحية و الباحثين عن الهُوِيَّة من ناحية أخرى و لعلَّ هذا الإختلاف فى ذاته يصلح كمَدْخلٍ لدراسة الثقافة كَوْنُها تُمثِّلُ إجمالاً حصيلةَ ما تعَلَّمَه الفردُ حسبَ بيئته و مجتمعه .

فتنوعُ البيئة أدى لإنتاج ثقافات متباينة تم اكتسابها وفقاً لطبيعة الحياة و متطلباتها و وفق تجارب مختلفة و عليه تُفهَمُ الثقافة الخاصة بأُمَّةٍ ما على أنها علمها الذى تتوارثه أجيالها بشتى الأساليب لتمارس به شؤون حياتها و من هنا حتمية الإستثمار فى الثقافة كونه إستثمار فى الإنسان الذى يبنى مستقبلَ وطنه و هو الضمان الوحيد للبقاء ..

أهمية الإستثمار فى الثقافة 

الإستثمار فى الثقافة شأنه شأن الأنشطة الإقتصادية و الإنتاجية إلا أنَّ هناك إختلافاً جوهرياً نتعرفُ عليه من خلال استقراء نظرية إقتصادية تُعرفُ بنظرية ( المَنْفَعَة الحَدِّيَّة المتناقصة ) و هى تعنى أنه كلما استهلك الفرد وحدة استهلاكية من نوع ما لإشباع حاجته من ذلك النوع ازدادت درجة إشباعه أو إرضائه حتى يبلغَ درجة الإشباع الكلى فيتوقف عن الإستهلاك ..

و هذه النظرية قابلة للتطبيق على كل السلع و الخدمات و فى كل المجالات الإقتصادية و الخدمية ما عدا السلع الثقافية إذا جاز لنا هذا الوصف فقد دحضت الثقافة هذه النظرية بحيث أن الفرد كلما استهلك مزيداً من الثقافة كلما ازدادت رغبته للمزيد من الإستهلاك فلا يصل أبداً لدرجة الإشباع الكلى ..

إن مشكلة الإستثمار الثقافى فى العالم العربى ليست ناتجة عن ندرة المهتمين بالثقافة بل إنها تتمثل فى ذلك الصراع الثلاثى بين المثقف و الشخص التقليدى من جهة وبينه و بين طبيعة الإستراتيجية الربحية لدى رجال الأعمال من جهةٍ أخرى ..

فالمثقف الذى يرغب فى نشر مختلف أشكال الثقافة و العلوم و الفنون و المعارف و إطلاع الناس من مختلف بلدان العالم على ما تذخر به بلاده من حضارات حضارات و ثقافات يواجه بشكل مباشر مخاوفَ الأشخاص التقليديين من اتساع رقعة التنازلات التى عليهم تقديمها مقابل المزيد من الحرية الإبداعية للمثقفين وخاصةً فيما يتعلق بمجالى الكتابة و الفن ..

و ليس ذلك فحسب أسوأ ما يمكن أن يواجه المثقف بل إنه يواجه جشع الإقتصاديين الذين يُخضِعون كلَّ نشاطٍ لمنطق الربح السريع و الإبتعاد عن المخاطر غير المرئية ..

هنا فقط تنشأ فجوة عميقة بين الدافع للربح و بين المسؤلية الإجتماعية و الثقافية لا يمكن تجاوزها إلا بخطة واضحة تدعم المؤسسات الثقافية و التراث الثقافى و المثقفين و الإتجاه نحو فتح أُطُرٍ للتعاون الثقافى البينى مع العديد من الدول تحقيقاً لكافة مفاهيم التنمية المستدامة ..

و من خلال ملاحظاتنا و متابعاتنا للتطور و التقدم التكنولوجى المتسارع فى كافة العلوم فى على الجانب الآخر من العالم فإن الواضح الذى لا لَبْسَ فيه أن الثقافة سيكون لها شأنٌ عظيم فى نظام الهيمنة الإقتصادية العالمية و إذا بلغنا مرتبة الشركاء أو حتى جلسنا لنشاهد ما يبدعه غيرنا فهل نُفرط فى هُوِيَّتنا و ثوابتنا القومية لننساق وراء ما يُفَكِّرون لنا ؟ !

□ الهُوِيَّة العربية :

وردت لفظة الهوية بضم الهاء و كسر الواو و تشديد الياء فى اللغة العربية للتعبير عن ماهية الشئ و يقال (هُو) ضمير الغائب المفرد المذكر و (هى) للغائب المفرد المؤنث و (هما) للمثنى الغائب من الجنسين و (هم) لجمع لجمع الغائب المذكر و (هُنَّ) لجمع الغائب المؤنث و الهوية لفظ مركب جُعِلَ إسماً معرَّفاً باللام و معناه الإتحاد بالذات .. و اصطلاحاً عُرفت الهوية بأنها حقيقة الشئ أو الشخص المطلقة المشتملة على صفاته الجوهرية و لا يمكن معرفة هوية أى إنسان بدون الصفات التى تخصه دون سواه وكما عرفت الهوية أيضاً بأنها الحقيقة المطلقة المشتملة على الحقائق اشتمال النواة على الشجرة فى الغيب المطلق ..

و بما أن لكل شئ من الأشياء إنساناً أو ثقافةً أو حضارة (الثوابت) و(المتغيرات) فإن هوية الشئ هى ثوابته التى تتجدد تتجددو لا تتغير طالما بقيت بقيت الذات على قيد الحياة..

المفهوم اللغوي لكلمة الهوية

و عند تَتُبُّع معانى اللفظ فى الأدبياتالمعاصرة نجد أن كلمة الهوية تُستعمل لأداء معنى كلمة Identit- Identite فى اللغتين الإنجليزية و الفرنسية و التى تعبر عن معنى المطابقة : مطابقة الشئ لنفسه أو مطابقته لمثيله و لذلك فإننا إذا اعتمدنا المفهوم اللغوى لكلمة الهوية أو اعتمدنا على استعمالاتها فى معاجم العلوم الإنسانية المختلفة فإن المعن العام للهوية لا يتغير ..

و هذا ما أكده علماء المنطق فى شرحهم لقانون الهوية أو الذاتية و الذى يُعتبر أحد قوانين المنطق الثلاث التى وضعها أرسطو و يرى أن هذا القانون هو أساس التفكير المنطقى لأنه يشير إلى ضرورة التقيد بذاتية مدلول اللفظ الذى نستخدمه و على ذلك فهو يؤكد وجود علاقة مساواة بين طرفين متطابقين ما من شأنه أن يضبط التفكير ..

فساد الإستدلال

 

و مخالفة هذا القانون توقعنا فى التناقض و تؤدى إلى فساد الإستدلال و أن هذا القانون يجب أن يعمل ليس فقط فى عملية الإستدلال أو البرهان لكن أيضاً فى حياتنا اليومية فلكى يفهم بعضنا بعضاً يجب أن نتحدث لغةً واحدة لا يحتمل أى لفظ من ألفاظها أكثر من معنى .
هذا الخطأ غير المقصود و ربما المُتعَمَّد عند صياغة المعاهدات الدولية بأكثر من لغة لتترك باباً

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.