التسامح طريقنا لمجتمع امن ومنتج بقلم … إيمان سامي

التسامح طريقنا لمجتمع امن ومنتج بقلم

إيمان سامي عباس

إختلاف البشر سنة كونية وحكمة بليغة يقول الله تعالى بشأنها ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.. التعارف بين البشر والتقارب والتعاون فيما بينهم بما يخدم الإنسان الذي كرمه الله على سائر المخلوقات على هذا الكوكب غاية مرجوة في رحلة البشرية لعمارة الكون وهو تقارب وتعاون لا يمنعه اختلاف العرق أو اللون أو اللغة حتى الرأي والمعتقد؛ “ولو شاء الله لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين ولذلك خلقهم”.

الله تعالى وهب البشر الحرية، وجعلها منهاجاً يسلكونه حتى في اختيار معتقداتهم ودينهم ولو شاء سبحانه لألزمهم بالطاعة قسراً ورهباً لكنه أراد قلوباً تعبد بيقين واطمئنان، وعقولاً تأوي إليه رغباً وطوعاً بقناعة ورضا يقول الله تعالى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..” فإذا كان الله سبحانه قد جعل حرية الاختيار في طاعته منهجاً فلماذا ضاقت صدور البعض بالاختلاف والتسامح حتى بين أصحاب الدين الواحد والوطن الواحد، وضيق بعضهم الخناق على بعض، وجنح عشاق الخراب والدمار ومن يخلقون الصراعات ويديرون الحروب والفتن والمؤامرات، رافضين مبدأ التقارب والتعارف والتعاون والتسامح؛ وفضلوا إثارة نعرات التعصب ودعوات التعصب على أسس ضيقة تارة للعرق واللون وتارة للدين والمذهب وتارة للحزب والتوجه السياسي وهو ما جعل البشرية شيعاً وأحزاباً يأكل بعضهم بعضاً ويستبيح بعضهم حرمات بعض حتى عمتهم الأوبئة الواحد تلو الآخر؛ فهذا وباء كورونا بمتحوراته التي لا تتوقف، وذاك جدري القرود، وأعلنت الطبيعة عن فورانها وغضبها مما يصنع الإنسان بأخيه الإنسان، واشتد تغير المناخ والجفاف والتصحر بصورة تهدد الحياة على ظهر هذا الكوكب وصدق الله تعالى حين قال: “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”..فهل يرجع البشر ويثوبوا إلى رشدهم قبل فوات الأوان..؟!

ما نراه اليوم من حروب تأكل الأخضر واليابس وتهدد بوقوع مجاعات في مناطق شتى من هذا العالم على خلفية ما يجري من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تهدم ما تحقق للعالم من استقرار والتئام بعد انقشاع غبار الحرب العالمية بموجتيها وما تلاها من حرب باردة واستقطاب لا يزال يتحين الفرصة للظهور بصور مختلفة لخلق نظام عالمي جديد لا نعلم إلام سينتهي ومن سيكون ضحاياه..وكيف سيكون مستقبل الإنسان..؟! ما نرجوه أن تضع الحرب الدائرة الآن أوزارها، حتى لا يدفع المستضعفون في الأرض فاتورة لا يطيقونها في ظل ما نراه من غياب للعدالة الدولية تجسد في مواقف كثيرة لعل أهمها ما رأيناه في أزمة كورونا من ظلم في توزيع اللقاحات، وما نراه في أزمة المناخ التي تسببت فيها القوى الصناعية الكبرى ويدفع ثمنها الدول الفقيرة والنامية التي لا تملك درء المفاسد عن نفسها.

غياب التسامح هو كلمة السر فيما يجري من صراعات وحروب وهو ما يستتبعه غياب العدالة والمساواة حتى في علاقات الدول بعضها ببعض، فالقوي يستأسد على الضعيف وهو ما يعني حاجة الإنسانية لإحياء قيم التسامح والمساواة وترسيخ ثقافة قبول الآخر وتعميم مبدأ وحدة المصير الإنساني بعد أن صار العالم قرية كونية يتأثر بعضها ببعض في التو واللحظة كما حدث في أزمة كورونا والحرب الأوكرانية وحتى فيما فعلته أمريكا من رفع متتالٍ لأسعار الفائدة في بنوكها. التسامح هو التأكيد على احترام الآخرين وحقهم في عيش كريم آمن يعتقدون ما يشاءون والنظر إليهم بعين الاعتبار بصرف النظر عن اختلافهم في اللون واللغة والمعتقد والرأي وتفاوتهم حتى في الغني والفقر..فمن حق الجميع أن يعيشوا “حياة كريمة” تخلو من أي منغصات.

ما أحوج البشرية اليوم لنشر التسامح، وجعله ثقافة تؤمن بها الشعوب وهو ما يستلزم جهداً دءوباً تضطلع به مؤسسات الفكر والضمير وبناء الإنسان، بدءاً بالأسرة مروراً بالمدرسة والجامعة ودور العبادة وعلماء الدين والاجتماع والنفس ومؤسسات الثقافة والشباب والإعلام والمجتمع المدنى بشتى أطيافه ومكوناته.

كل هؤلاء يملكون القدرة على التأثير في العقل والوجدان، ومن واجبهم بل مهمتهم الأساسية تشكيل الضمير والأفكار وتحصين الإنسان ضد أفكار التطرف والكراهية التي تسعى لإقصاء الآخر واحتقاره وازدرائه وتسفيه أفكاره وتجريده من أبسط حقوقه كإنسان كرمه الله ومنحه الحرية حتى في اعتقاد ما يشاء لكنها حرية المكلف الذي سيحاسب على ما اقترفت يداه..كما يتناقض مع المباديء العالمية التي تؤسس لمجتمعات متجانسة متآلفة تتعاون فيما بينها على الخير والإحسان وتحاشي الشر والإضرار.

تحقيق مثل هذه المبادي أمر عظيم الأثر، خطير الأهمية لو تعلمون..فغياب التسامح معناه التعصب والتناحر والقتال و الدمار ولهذا أعظم الله قيمة العفو و جعله أقرب للتقوى يقول تعالى: “وإن تعفو أقرب للتقوى”..والعفو هو خطوة لازمة لتحقيق التسامح مع الغير إذا أساءوا إليك، وهو ما يحتاج لقوة نفسية تكبح جماح الغضب وتهذب النفس المندفعة بشهوة الإساءة ؛ والتسامح الفكري أعظم شأناً؛ ذلك أنه يعنى قبول الآخر المختلف عنا في التفكير والرأي وحتى في المعتقد، وهو ما يفضي لتحقيق العدالة في أبهى صورها؛ فالقيم الخلقية طبقات بعضها فوق بعض : “ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى..”..فهل هناك ما هو أعظم من تحقيق العدالة مع الآخر..؟

ما أكثر مفاهيم التسامح الذي يعني من بين ما يعني أن تتقبل الآخر وتستوعب طريقة تفكيره واعتقاده، فالتسامح الديني يتجسد في احترام الأديان الأخرى والتعامل مع من يؤمنون بها باحترام؛ وإذا كان الاحترام واجباً لأصحاب المعتقدات الأخرى فمن باب أولى أن يتسامح أصحاب المذاهب في الدين الواحد..ولا عجب والحال هكذا أن يقول الإمام الشافعي “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب” وماذا يضيرنا لو عملنا بمبدأ ” نعمل فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه..” وهنا يمكن أن تختفي معادلات الصراع الصفرية التي لابد فيها من غالب ومغلوب أو قاتل ومقتول..!!

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.