التفاؤل اليوسُفيّ بقلم د. رحاب أبو العزم

التفاؤل اليوسُفيّ بقلم د. رحاب أبو العزم

﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾؛ يبعث يوسف عليه السلام إلينا برسالة فأل وحسن ظن في الله تعالى، ويرسم صورة مبهجة للأرض البشرية أمام عيون الناس من بعد سنوات عجاف؛ ليبث فيهم روح الحياة الحلوة الهانئة، ويعلمهم التخطيط واتخاذ التدابير اللازمة لتحقيق هذه الحياة التي -ولا شك- لا نعيشها إلا بعد السعي إليها، والعمل من أجل ترسيخ أركانها. إن جميع العالم البشري بعد تلك النكبات العظيمة التي أحلت به، وتلك المصائب والحروب التي أحرقت شعوبًا، والفيضانات التي أغرقت أقوامًا، والتقلبات الاقتصادية والسياسية التي أذلت بلادًا كانت العظمى في زمانها، وبعد هذا الوباء غريب المنشأ وعجيب الفتك بالقوى البشرية؛ مازال العالم البشري ينتظر يومًا تتفتح فيه زهور السلام، وتستقر فيه الشعوب، وتهنأ الأوطان بعافية وصحة شبابها ورجالها ونسائها، وتبتسم الطفولة آمنة هادئة المشاعر بلا خوف من حروب قتلت براءتها بيتم وتهجير بلغ في قسوته قمة الدناءة.

الأمل في تغيير حال العباد بفضل الله تعالى ولطفه

لقد سردت لنا سورة يوسف كثيرًا من الدروس والتأملات التي لا تحصيها الأوراق والمقالات، بيد أننا نتأمل تلك القصة المتميزة لنبي الله يوسف عليه السلام، ونتدبر أحداثها نجدها تدور في فلك الأمل والتفاؤل في تغير الحال إلى الأفضل؛ فها هو نبي الله من سجين وحيد إلى الآمر في البلاد والمتحكم في ثرواتها، وها هم أخوة يوسف من الأعداء له إلى الصاغين لأوامره، وهاهو نبي الله يعقوب عليه السلام من الأب المكلوم حزنًا على فقد ولده إلى الأب المرفوع على عرش البلاد بفضل ابنه المفقود، وها هي امرأت العزيز من الخائنة الظالمة إلى المؤمنة التائبة زوجة يوسف عليه السلام.

الأمل والعدل

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ﴾؛ إن الأمر الإلهي لكل ولي أمر من الحاكم إلى الأب والأم إلى المدير في عمله إلى كل من بيديه الأمانات ومن بينها أمانة الحكم بين الناس على اختلاف أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والثقافية يتبعه أمل المحكوم بينهم في تحقيق العدل، ولا ترد المظالم إلى أهلها ولا يُحكَم للمظلوم باسترداد حقه إلا عن يقين المظلوم في ربه تعالى بإقامة العدل، ويقينه أن الأوضاع ستنقلب على أي ظالم لأن الله تعالى يتركه ويمهله لكنه لا يهمله حتى إذا أخذه لم يفلته؛ و كم من مظلوم أعانه الأمل للوصول إلى العدل وإلى استرداد حقه، وكم من مظلوم تعلم حسن الظن في الله تعالى بتبدل الأحوال إلى الأفضل اقتداءً بالفأل اليوسُفيّ. وفي مطلع عام هجري جديد نقرأ سورة يوسف لينير الأمل قلوبنا في أعوام وأعوام خالية من الأوبئة والمجاعات والفيضانات والزلازل لتهنأ البشرية بسلام الأرض وخيرها.

قد يعجبك ايضآ
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.